هل تساعد الصين الكرملين في القطب الشمالي؟

وسط التنافس بين روسيا و"الناتو"

Getty Images
Getty Images
الرئيس فلادمير بوتين يتابع مناورات في البحر الاسود في يناير 2022

هل تساعد الصين الكرملين في القطب الشمالي؟

بينما تتواصل الأعمال العدائية التي طال أمدها في أوكرانيا، يحاول الكرملين أن يُظهر أن فشل حملته العسكرية التي أرادها خاطفة وسريعة ليس عقبة أمام المزيد من استعراض القوة، سواء على حدوده أم على امتداد المحيط العالمي.

وليس من قبيل الصدفة أن تحاول الدعاية الروسية تصوير زيارة الرئيس الصيني، شي جينبينغ الى موسكو كخطوة إضافية على طريق إنشاء تحالف قادر على تحدي "الهيمنة الغربية".

هذه التوقعات لم تستحوذ على مشاهدي التلفزيون الروس العاديين الذين شاهدوا بحماس عبر شبكة الإنترنت طائرة الرئيس شي جينبينغ، وهي تهبط في المطار فحسب، بل امتدت أيضا إلى المسؤولين الروس الذين بذلوا قصارى جهدهم لإثارة الاهتمام بالزيارة، بدءا من مناقشة الوساطة الصينية المحتملة في الاتجاه الأوكراني، وانتهاء بالتعاون العسكري التقني.

على سبيل المثال، قال الوزير الروسي المسؤول عن تنمية منطقة الشرق الأقصى والقطب الشمالي، أليكسي تشيكونكوف، إن روسيا ترى الصين كشريك محتمل في تطوير البنية التحتية لطريق بحر الشمال (NSR) والعبور الدولي.

يكتسب هذا التصريح أهمية خاصة لتزامنه مع الجهود الروسية لتشديد قواعد مرور السفن العسكرية، التابعة لحلف شمال الأطلسي، على طول ممر الشحن، وتعزيز الاستخبارات والمراقبة الجوية في منطقة القطب الشمالي.

حملات دعائية مكثفة

كان الإنذار الروسي الأخير لحلف شمال الأطلسي، الذي سبق غزو اوكرانيا، نقطة تحول في العلاقات مع دول الحلف. فمن وجهة، تعتبر موسكو أن العودة إلى الشكل السابق للتعاون أمر مستحيل، وسيصبح الصراع الحالي الآن، هو الوضع الراهن الجديد.

مع ذلك، فإن تصميم موسكو على تأمين التغيير، حتى على المدى المتوسط، أمر مشكوك فيه، لأنه غالبا ما يعتمد على الولاء الوهمي للحلفاء التكتيكيين.

على الرغم من الشائعات التي تنقلها الصحافة الدولية حول نقص الموارد لمواصلة الحرب، استمرت موسكو في تنظيم منتديات اقتصادية وعسكرية مكلفة منذ غزوها لأوكرانيا، مثل منتدى سانت بطرسبرغ الاقتصادي الدولي والمنتدى الاقتصادي الشرقي والمنتدى العسكري التقني الدولي 2022 والألعاب العسكرية الدولية 2022 والمناورات الاستراتيجية واسعة النطاق- فوستوك 2022. وبالنسبة لعام 2023، خططت هيئة الأركان العامة الروسية لتنظيم ما لا يقل عن تسع مناورات مشتركة، تشمل وحدات نظامية من: لاوس وباكستان والجزائر ومنغوليا وفيتنام والصين وأرمينيا.

 

إن تصميم موسكو على تأمين التغيير، حتى على المدى المتوسط، أمر مشكوك فيه، لأنه غالبا ما يعتمد على الولاء الوهمي للحلفاء التكتيكيين

وعلى الصعيد الدبلوماسي، ترسل موسكو إشارات واضحة بأن الأحداث الجارية في أوكرانيا لم تؤثر سلبا على الاهتمام الروسي العام بمناطق أخرى، حيث تستمر الزيارات الخارجية للمسؤولين الروس، وعودة الدبلوماسيين، الذين طُردوا بشكل جماعي، من السفارات في الدول الغربية، والاستعانة بهم في مهام أخرى.
حتى الآن، تبدو هذه المناورات التي قام بها الكرملين وبصراحة، متوقعة وساذجة، لذلك فهي في الغالب لن تحقق نجاحا ملموسا، ومع ذلك، فإن الكلمات البائسة حول عدم وجود بديل للمسار الحالي، الذي يروج له المحافظون في الكرملين، يؤكدها المسؤولون الروس بطريقة عقائدية. وعلى الرغم من أنه كان من المعتاد أن تجري روسيا مفاوضات موضوعية وجادة مع نظرائها المقربين بطريقة مؤثرة، إلا أن الدبلوماسيين الروس ينشرون اليوم الدعاية الرسمية بشكل شبه عشوائي في جميع المنتديات.
الأهداف الكبرى


أهداف موسكو كبيرة، وإذا استخدمنا مصطلحات أليكسي دروبينين، رئيس قسم تخطيط السياسة الخارجية الروسية، والمسؤول عن تطوير المفهوم الجديد للسياسة الخارجية الروسية، فإن ما تريده روسيا هو إظهار فائدة إنهاء العولمة والحاجة إلى دمقرطة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، من خلال تمثيل الأفارقة والدول الآسيوية ودول أميركا اللاتينية وحتمية إنشاء مراكز جديدة للقوة الاقتصادية والنفوذ السياسي.


وكان أليكسي دروبينين كتب مؤخرا مقالا اعتبره الخبراء اختبارا لمفهوم جديد لا يزال قيد الإنجاز بعد مرسوم بوتين في يناير/كانون الثاني 2022، وقال فيه "إن وضع الصراع هو العُرف المتّبع لدولة لها جغرافيا ومصالح مثل روسيا."
الوثيقة الروسية الرئيسية، التي نُشرت خلال أكبر صراع في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، كانت "العقيدة البحرية"، ووقعها بوتين في أواخر يوليو/تمّوز 2022، وحدد فيها هيمنة الولايات المتحدة في محيطات العالم على أنها تهديد للأمن القومي الروسي، وأكدت سياسة الكرملين في توسيع وجودها العسكري في مناطق مختلفة.
جرت الموافقة على النسخة السابقة من العقيدة في شهر يوليو/تموز 2015، بعد ضمّ شبه جزيرة القرم، وقبل بدء الحملة العسكرية الرسمية في سوريا، لذا فهي لم تكن تعكس تغيرات كبيرة في الوضع الدولي.


تحليل مثل هذه الوثائق الاستراتيجية مهم، على الرغم من خصوصيات مجالات سلطة بوتين، فإن مسار السياسة الخارجية لروسيا يستغرق وقتًا للتطور والتكيف مع الظروف المتغيرة، لذا فإن مثل هذه الوثائق العقائدية تُظهر بوضوح تطور وجهات نظر بوتين الخاصة.


وبينما عكست طبعتا 2001 و2015 من "العقيدة البحرية" الرغبة في إقامة علاقات مع القوى البحرية الغربية، فإن النسخة الحالية أشدّ صرامة وأكثر تحديدا، وبالتالي تحدد بشكل أوضح أولويات روسيا كقوة بحرية.


تغيير الأولويات


على سبيل المثال، تغير النسخة الجديدة من العقيدة تصنيف المناطق لضمان المصالح الوطنية لروسيا في محيطات العالم. فبالإضافة إلى المياه الإقليمية، أضيف تطوير المنطقة القطبية الشمالية، وطريق البحر الشمالي إلى قائمة المناطق الحيوية.
 

بينما عكست طبعتا 2001 و2015 من "العقيدة البحرية" الرغبة في إقامة علاقات مع القوى البحرية الغربية، فإن النسخة الحالية أشدّ صرامة وأكثر تحديدا، وبالتالي تحدد بشكل أوضح أولويات روسيا كقوة بحرية

كما غيرت موسكو ترتيب أولوياتها الإقليمية، فأرجعت منطقة المحيط الأطلسي، بما في ذلك بحر البلطيق والبحر الأسود، وكذلك شرق البحر الأبيض المتوسط، إلى المركز الثالث في القائمة، التي يتصدرها –الآن- القطب الشمالي والمحيط الهادئ.


وتخطط موسكو لإنشاء نقاط دعم لوجستي لعمليات العبور بين أساطيل البحرية الروسية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وكذلك في البحر الأحمر والمحيط الهندي. ومن المثير للاهتمام أن النسخة السابقة من العقيدة أكدت على أهمية تطوير العلاقات الودية مع الصين، في حين أن النسخة الجديدة لا تفعل، وبدلاً من ذلك، تسعى جاهدة من أجل "تطوير الشراكة الاستراتيجية والتعاون البحري مع جمهورية الهند، فضلاً عن توسيع التعاون مع إيران والعراق والمملكة العربية السعودية، ودول أخرى في المنطقة".
 على الرغم من أن العقيدة هي تعبير عن الإرادة السياسية ومخطط للنوايا للعقد المقبل، فمن المهم التمييز بين خطاب روسيا والقوة البحرية الفعلية. 
في روسيا، لا يسع المرء إلا أن يأخذ على محمل الجد ما بدأ تطبيقه بالفعل على أرض الواقع.


عندما يلتقي الطموح العالمي بالواقع المحلي

أولاً، تعرقل اللامركزية في صنع القرار تحقيقَ طموحات الكرملين العالمية. فجميع الأساطيل تقريبا، باستثناء الأسطول الشمالي، تخضع لقيادة المناطق العسكرية البرية وقيادة البحرية نفسها، والتي غالبا ما تتعارض قراراتها مع بعضها البعض.


ثانيا، في السنوات الأخيرة، تعاني البحرية الروسية من نقص مزمن في التمويل، وتعاني من نقص ملموس في التكنولوجيا الحديثة. ويبدو أن السلطات الروسية في طور تحديث برنامج بناء السفن طويل الأجل الذي جرت الموافقة عليه في عام 2014، لكن تنفيذه سيستمر بالتأكيد على أساس تدريجي، نظرا للخسائر الفادحة في المعدات العسكرية البرية، خلال سنة من الحرب في أوكرانيا.


ولكن هذه السفن لم يبدأ العمل بها، ناهيك عن الانتهاء منه. وكما أشار الكابتن المتقاعد من الرتبة الأولى فلاديمير غونداروف بشكل صحيح، فإن أربعا من غواصات الصواريخ الباليستية الثمانية، التي تعمل بالطاقة النووية من طراز Bore، وواحدة فقط من الغواصات النووية الثماني متعددة الأغراض من مشروع 885 Yasen، قد تمّ بناؤها في النهاية. 


كذلك، جرى تحقيق خطة بناء سفن صواريخ صغيرة الحجم، وسرعان ما وُضعت سفينتا إنزال لجميع الأغراض من طراز Project 23900 في كيرتش، حيث تسببت العقوبات في خفض أنشطة الموانئ والأنشطة البحرية في شبه جزيرة القرم.


وهكذا، فإن أول عقيدة بحرية جديدة لروسيا منذ 30 عامًا، أي منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، تشير إلى أنه يمكن بناء سفن حربية حديثة تحمل طائرات، لكن من غير المرجح أن يتحقق هذا أيضا من الناحية العملية. 
لا تكمن المشكلة الرئيسية في بناء سفينة من هذه الفئة، ولكن مع العائلة المتقادمة من السفن حاملة الطائرات، وكذلك، عدم وجود العدد اللازم من السفن لمرافقة حاملة الطائرات.

بحارة روس على متن الغواصة النووية "الامير فلاديمير" قرب سانت بطرسبرغ في يوليو 2021


وكانت تلك حالة الطرّاد الحامل للطائرات " الأدميرال كوزنتسوف" والمعروف بأدائه السيء في الخدمة القتالية في سوريا، الذي جرى بعد ذلك تخزينه، ولا نية حقيقية لإعادته إلى الخدمة.
بشكل عام، يلزم ما لا يقل عن 30 سفينة جديدة لتغطية حاملة طائرات واحدة فقط دون التأثير على الأساطيل الروسية الأخرى، وذلك لأن بعضها سيخضع للإصلاحات أو بين المهمات والتحديث أو التدريب القتالي، ويمكن تضمين ربع هذا العدد فقط في سرب سفينة الدورية.


ثالثا، هناك شكوك جدية حول قدرة القيادة الروسية على تحقيق نشر منشآت بحرية أجنبية في هذه المناطق.
بينما كانت هناك محادثات نشطة مع فيتنام حول إنشاء منشأة صغيرة في "كام رانه"، حيث كانت توجد أكبر قاعدة عسكرية أجنبية في السابق، فمن المتوقع أنها لم تسفر عن اتفاقيات رسمية. 
في العهد السوفياتي، وقعت فيتنام معاهدة مماثلة مع الاتحاد السوفياتي تهدف إلى احتواء الصين. 
الآن، من المستحيل تخيل أن الكرملين سيكون جاهزا لمثل هذا التبادل، ويعارض علنا حليفه الرئيسي في التحالف غير الرسمي المناهض لأميركا.


وفي السودان، توقف نشر منشأة بحرية عندما كانت بالفعل في طور نقل الإمدادات العسكرية، حين طلبت السلطات العسكرية السودانية الجديدة من الروس ضمانات اقتصادية لا يمكن لمرتزقة "فاغنر" ولا موسكو تقديمها.
 

تعاني البحرية الروسية من نقص مزمن في التمويل، وتعاني من نقص ملموس في التكنولوجيا الحديثة. ويبدو أن السلطات الروسية في طور تحديث برنامج بناء السفن طويل الأجل الذي جرت الموافقة عليه في عام 2014، لكن تنفيذه سيستمر بالتأكيد على أساس تدريجي، نظرا للخسائر الفادحة في المعدات العسكرية البرية، خلال سنة من الحرب في أوكرانيا

كما أن صداقة الكرملين مع الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو لم تؤد إلى إنشاء قاعدة لتهديد استراتيجي على البر الرئيسي للولايات المتحدة. 
العلاقة الغريبة -نوعا ما- كانت محدودة في المجال العسكري، لتوسيع البنية التحتية للمطارات من أجل النشر النادر والظاهر للقاذفات الاستراتيجية الروسية في فنزويلا.
رابعا، على الرغم من خطاب موسكو حول احتمال هيمنة الولايات المتحدة على محيطات العالم، فإن هذا التهديد ليس وشيكا على النحو المتصور. 
وفقا للمحلل العسكري الروسي إيليا كرامنيك، ونظرا لجدول المهام القتالية للسفن الحربية التابعة للبحرية الأميركية، احتلت روسيا المرتبة الأخيرة في التخطيط العسكري الأمريكي قبل الحرب في أوكرانيا.
في المحيط الأطلسي، تقوم البحرية الأميركية بشكل أساسي بمهام تدريبية وتنظيمية لممارسة التعاون قبل المهمات، بينما في المنطقة الرئيسية للمحيط الهادئ، حيث تتمثل المهمة في تفادي التطور العسكري النشط للصين، فإن البحرية الروسية موجودة وستكون -كذلك- في الوقت الحاضر، اسميا فقط.
حتى يونيو/حزيران عام 2021، تمكن الأدميرالات الروس من إجراء أول تدريبات جادة إلى حد ما في وسط المحيط الهادئ، على الرغم من أن السفن الأصغر كانت لا تزال هي المستخدمة أساسا.
إعطاء الأولوية للقطب الشمالي
في روسيا، هناك فأل سياسي كثيرا ما اختُبِر على مدى عقود: إذا بدأت السلطات في إظهار اهتمام نشط بالقطب الشمالي، فتوقع انتخابات أو تشديدا جديدا للقواعد.
من ناحية أخرى، تشير الأولويات التي حددها الكرملين إلى طموح القيادة السياسية الروسية لتوفير الإمكانات العظيمة لطريق بحر الشمال (NSR)، الذي يمكن أن يصبح بديلا للممرات المائية التقليدية التي تربط القارات المختلفة، بما في ذلك قناة السويس.
بالإضافة إلى ذلك، عززت روسيا – بالفعل وبجدية – وجودها العسكري في القطب الشمالي، من خلال بناء منشآت القوة الجوية والدفاع الجوي، واستعادة المطارات والمنشآت العسكرية المهجورة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، ونقل أنظمة الصواريخ المضادة للسفن "روبيج" ( Rubezh)  إلى مواقع، مثل جزيرة كوتلني Kotelny ذات الأهمية الاستراتيجية.
في الوقت نفسه، فإن مثل هذه التوقعات الجريئة لا تتوافق مع الواقع، فالتنقل على طول طريق بحر الشمال (NSR) ممكن فقط لمدة شهرين إلى أربعة أشهر في السنة، وكاسحات الجليد الحالية إما غير قادرة على عبور جليد القطب الشمالي في الشتاء أو غير قادرة على القيام بذلك بالسرعة الكافية.
نتيجة لذلك، تقل سرعة المرور وتتأخر أوقات تسليم البضائع، ما ينفي القدرة الاقتصادية لممر النقل المرجو. وثمة مشكلة أخرى، هي العقوبات العديدة التي تؤثر على رغبة الشركات الأجنبية في نقل البضائع عبر المياه الإقليمية الروسية.
علاوة على ذلك، فإن التجمع العسكري الروسي، على الرغم من الضجيج الإعلامي، يتركز فقط في الجزء الغربي من القطب الشمالي، تحديدا، في شبه جزيرة كولا، إضافة إلى تجمع أخر صغير في جزر نوفوسيبيرسك.
على الرغم من ذلك، فإن الإمكانات العسكرية الروسية في القطب الشمالي أكبر بكثير من إمكانات الدول الأخرى مجتمعة، علما أن الولايات المتحدة ليس لديها وحدات عسكرية يعتد بها في القطب الشمالي الأوروبي.
في حالة وجود شبكة مطارات متطورة، يمكن للولايات المتحدة تعزيز مجموعاتها الأرضية بسرعة، لكن من الصعب تخيل معارك في المنطقة تشمل مركبات مدرعة. 
في الوقت نفسه، لا توجد حاملات تابعة للبحرية الأميركية في ألاسكا، مع وجود عدد قليل فقط من سفن خفر السواحل والقوارب المتمركزة هناك.

Getty Images


هذه المنطقة مهمة للغواصات البحرية الأميركية، التي تعمل بالطاقة النووية. فمن مواقعها، في شمال شرق بحر بارنتس، يمكنها ضرب أهداف مهمة في الأراضي الروسية، بأقصر مسار للصواريخ الباليستية. 
مع ذلك، لا تزال تدابير الردع النووي، خارج المنافسة التقليدية، على موارد القطب الشمالي، في سياق الاحتباس الحراري وذوبان الجليد.
النشاط الاقتصادي ليس مرجّحا
من غير المرجح أن يكون النشاط الاقتصادي المحتمل في القطب الشمالي واسع النطاق، حتى لو استمر الجليد في الذوبان. قبل كل شيء، فإن مشكلة استخراج النفط والغاز من تحت سطح البحر -حيث يوجد غطاء جليدي- مهما كان مؤقتًا، لم تُحلّ من قبل أي جهة. 
حتى لو سُمِح بإذابة كتل الجليد الهائلة، فإنه لا يزال من الصعب والمكلف استخراج الهيدروكربونات في مثل هذه الظروف.
من هنا، فإن التهديد الوحيد المحتمل لموسكو في القطب الشمالي هو نية الولايات المتحدة المعلنة لتدويل طريق البحر الشمالي والممر الشمالي الغربي. ولواشنطن في هذا المكان حليف غير رسمي، هو بكين، التي تدافع – أيضا – عن مبدأ حرية الملاحة في المنطقة.
من الناحية الافتراضية، سيسمح هذا الطريق بتقليل تكلفة النقل، خاصة، وأن الصين بعد بدء الحرب في أوكرانيا والعقوبات المفروضة، امتنعت عن تقديم طلبات للإبحار على طول طريق بحر الشمال NSR تحت إشراف روسيا.
مع ذلك، من غير المرجح أن يكون هذا التهديد لموسكو خطيرا حقا. فكندا، أقرب حليف للولايات المتحدة، تعارض تدويل الممر الشمالي الغربي. وتستلزم مشكلات الملاحة -غير المحلولة في ذوبان الجليد- الحاجة إلى مرافقة السفن التجارية بالسفن الحربية، على طول الطريق بأكمله عبر القطب الشمالي، مما يضاعف تكلفة النقل مرة أخرى.
بالنسبة للصين، بالطبع، تدرك بكين أن الدعم الحقيقي لعملية حرية الملاحة الأميركية في القطب الشمالي سوف يُنظر إليه على أنه يشوه مزاعمها الخاصة بالمناطق البحرية الأخرى، بما في ذلك بحر الصين الجنوبي.
مع ذلك، فإن الحوادث المعزولة بهدف اختبار أعصاب الجانب الآخر يمكن أن تزيد من احتمال نشوب صراع في المنطقة. 
في شهر يونيو عام 2022، أعدت وزارة الدفاع الروسية تعديلات تشريعية جديدة على مرور القوات البحرية الأجنبية عبر طريق بحر الشمال NSR، جاء ذلك ردًا على حادثة تسببت في ضجة كبيرة في روسيا في عام 2018، كما جاء الاستفزاز من دولة ليست عادة مصدرا للمشكلات هي فرنسا. 
كان إبحار البحرية الفرنسية لأول مرة، مع سفينتها اللوجستية رونا، هو الذي تسبب في تناثر المياه التي يمكن أن تصبح مياها جيوسياسية شديدة الاضطراب.

* أنطون مارداسوف: باحث غير مقيم في معهد الشرق الأوسط

font change