تصعيد في سوريا... وهدنة في الاقليم

تصعيد في سوريا... وهدنة في الاقليم

لم يكن جديدا تبادل الضربات بين أميركا وايران في شمال شرق سوريا. فتنظيمات طهران قرب دير الزور، كانت تعرضت سابقا لـ"غارات غامضة" شنّتها قوات واشنطن وتل أبيب. وكان سبق للقوات الأميركية أن ردت بقصف مدفعي أو من "مسيرات".

في السنوات الماضية، كانت هذه "الرسائل" تقليدية، لكن أمورا جديدة تحدث في هذه الجولة من الضربات، من حيث اللغة والتوقيت والمآلات، وكأن "سوريا الروسية- الايرانية" تتمدد وتختبر أميركا وعزمها على ابقاء قواتها.

الأمر الأول، ان أميركا وايران أعلنتا بوضوح مسؤوليتيهما عن الضربات، من أعلى المستويات. مواقع أميركية تعرضت للقصف مما أدى إلى قتل "متعاقد" وجرح آخرين، ردت عليها أميركا بغارات نفذتها طائرات انطلقت من قاعدة العديد في قطر، ثم ردت إيران على رد أميركا التي ردت بدورها.

الادانة الإيرانية لـ"الهجوم الارهابي العدواني" لم تكن غامضة بدورها، بل جاءت بلسان الناطق باسم حكومة طهران، فيما جاء الموقف الأميركي مباشرة من الرئيس جو بايدن حين صرح بأن "الولايات المتحدة لا تسعى إلى صراع مع إيران، لكنّها مستعدّة للعمل بقوة لحماية شعبها". أميركا تقول إنها لاعب في "المسرح" السوري. إيران تقول إنها طرف في "اللعبة" السورية.

لا بد من الإشارة هنا، إلى النقاش الحاصل في الكونغرس الأميركي ازاء الغاء تفويض "استخدام القوة العسكرية في العراق"

الأمر الثاني، ان هذه الجولة الأميركية – الإيرانية اشتعلت وسط تهدئة في العراق، حيث بعثت تنظيمات موالية لإيران برسائل إلى دول غربية أعربت فيها عن رغبتها بالتهدئة. بالفعل، التزمت هذه التنظيمات عدم استهداف المصالح الغربية، وحيدت المسرح العراقي عن التوتر بين طهران وواشنطن. وهكذا لم يعد العراق في الأشهر الأخيرة، "صندوق بريد" بين أميركا وإيران.

ثالثاً، لا بد من الإشارة هنا، إلى النقاش الحاصل في الكونغرس الأميركي ازاء الغاء تفويض "استخدام القوة العسكرية في العراق". في حال إلغاء هذا التفويض، فإن السند القانوني للوجود الأميركي شرق سوريا، هو دعم الحملة في العراق، ضد تنظيم "داعش" وليد "القاعدة"، الذي كان الكونغرس قد خوّل الادارة ملاحقته بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001.

رابعاً، في الصورة الأوسع، جاءت هذه الضربات وسط تهدئة اقليمية: غزل عربي مع العراق لإعادته إلى "الحضن العربي"، مصالحة مصرية – تركية، اتفاق سعودي – إيراني لاستئناف العلاقات الديبلوماسية في رعاية صينية، وخطوات عربية للتطبيع مع دمشق لإعادتها إلى "الحضن العربي"، مع قبول  بـ"سوريا الروسية- الإيرانية"  بدلاً من الرهان على "سوريا الروسية" لاخراج ايران من سوريا.

 

طائرات روسية حلقت خلال شهر مارس/آذار لأكثر من 25 مرة فوق قاعدة التنف الأميركية في جنوب شرق سوريا

خامساً، هناك خطوات أخرى استبقت التصعيد. ذلك أن طائرات روسية حلقت خلال شهر مارس/آذار لأكثر من 25 مرة فوق قاعدة التنف الأميركية في جنوب شرق سوريا، حيث باتت الطائرات الروسية، تتصرف بطريقة مختلفة عن التفاهمات بين موسكو وواشنطن.

للعلم، ان اميركا وروسيا اتفقتا في منتصف 2017، على مذكرة "منع الصدام" بما يتضمن التنسيق بين جيشي البلدين في الأجواء والأراضي السورية بحيث لا يحصل صدام بين القوتين العظميين. وعندما خففت أميركا انتشارها في 2019، جرى تأكيد التزام الاتفاق. لكن هذا لم يعد موجودا. فقبل أسابيع، زار قائد الأركان الاميركي مارك ميلي قواته في شمال شرق سوريا، في خطوة تمثل أرفع زيارة لمسؤول أميركي إلى هذه المناطق.

ربما أراد ميلي، الذي يغادر منصبه قريبا، تأكيد التزام استمرار وجود قواته. رسالة إلى دمشق وطهران وموسكو. لكن واقع الحال، أن كثيرا من الاحتكاكات والاختبارات يقوم بها الجانب الروسي منذ بدء الحرب في أوكرانيا في بداية العام الماضي. سوريا التي كانت ساحة لتهدئة أميركية – روسية بعد حرب أوكرانيا، تخضع لاختبار جديد وسط تصاعد المواجهة الغربية – الروسية في أوكرانيا. هذا كله يأتي أيضا وسط تحالف بين المسيرات الإيرانية والصواريخ الروسية في الأرض الأوكرانية.

وربما يكون الضغط على الأميركيين شرق الفرات، هو نقطة التلاقي السوري – الايراني - الروسي، طالما أن انهاء "الاحتلال التركي" مطلب خلافي بين دمشق وطهران وموسكو

سادساً، الاختبار الأخير، لا يمكن عزله عن رغبات دمشق المنتعشة برياح التطبيع التي تهب من دول عربية، وتلك التي تنتظر مواسمها من قبل الرئيس رجب طيب أردوغان، الساعي إلى تجديد انتخابه في مايو/أيار بدعم اقليمي وعربي وروسي. وضعت دمشق في أولوياتها مطلب "انهاء الاحتلالات"، ردا على دعوات الرئيس فلاديمير بوتين الأسد إلى لقاء أرودغان. وربما يكون الضغط على الأميركيين شرق الفرات، هو نقطة التلاقي السوري – الايراني - الروسي، طالما أن انهاء "الاحتلال التركي" مطلب خلافي بين دمشق وطهران وموسكو.  هنا ننتقل، إذاً، من "سوريا الروسية – الايرانية" إلى "سوريا الروسية - الايرانية - التركية" ضد الجيب الأميركي.

خلاصة الرسائل، انه إذا كان لا بد من "انسحاب" وانهاء لـ"وجود غير شرعي"، فليكن في شمال شرق سوريا. على الأقل، وضع هذه العبارات في الخطاب واللغة والضربات حاليا.

font change