مصر: نحو القطاع الخاص در

في انتظار خطة طرح نحو 32 شركة في البورصة التي أعلنت عنها الحكومة

Shutterstock
Shutterstock
تعتزم الحكومة المصرية بيع حصص تملكها الدولة في 32 شركة ابتداء من السنة الجارية حتى نهاية الفصل الأول من عام 2024.

مصر: نحو القطاع الخاص در

بعد نجاحها في اصدار الصكوك السيادية الأخير تعكف الحكومة المصرية حالياً على وضع سيناريوهات للتعامل مع الاستحقاقات المالية المستقبلية في عامي 2023 و2024، في ضوء الظروف الاقتصادية الداخلية والدولية الراهنة، ولا سيما لجهة استمرار الحرب الروسية الأوكرانية. وإذ لجأت وزارة المالية الى هذا النوع الجديد من التمويل على الرغم من كلفته المرتفعة نسبيا والتي بلغت 11 في المئة، تسعى الحكومة الى تنويع مصادر الاستدانة، إضافة الى السندات وأذون الخزانة بالعملة المحلية أو المقومة بالعملة الأجنبية، بهدف اجتذاب مستثمرين جدد وتنويع شرائح الاستثمار لتسديداحتياجات الموازنة العامة. لكن الأهم الذي ينتظره القطاع الخاص المصري هو بدء تنفيذ بيع حصص تملكها الدولة في 32 شركة تنفيذا لما تعهدت به في وثيقة سياسة ملكية الدولة، التي تتضمن توجها نحو المزيد من تمكين القطاع الخاص وتعزيز نهج الشراكة بين القطاعين العام والخاص والحياد التنافسي في النشاط الاقتصادي.

وكانت مصر نجحت في بيع صكوكٍ سيادية للمرة الأولى في الأسواق العالمية، بقيمة 1,5 مليار دولار، وبلغت قيمة الاكتتاب نحو 6,1 مليارات دولار بما يعني تغطية الاكتتاب بأكثر من أربع مرات، ليغلق تسعير الإصدار بزيادة نحو 11 في المئة، وسط إقبال ملحوظ من المستثمرين، تخطى عددهم الـ 250 مستثمراً في مختلف أسواق المال العالمية الذين تقدموا بطلبات شراء. ووضعت برنامجاً دولياً لإصدارات الصكوك السيادية لأعوام مقبلة بقيمة خمسة مليارات دولار. وكان آخر طرح لمصر في سوق أدوات الدين العالمي منذ ثلاث سنوات بلغ سعر عائده 5,8 في المئة، إلا أن ارتفاع سعر الفائدة على الدولار من 1 في المئة إلى 4,5 في المئة، يبرر سعر العائد على الصكوك الذي يعد جيدا بحسب خبراء.

"الساموراي" و "الباندا"

ولفت كبير الاقتصاديين في "المجموعة المالية – هيرمس" محمد أبو باشا الى أن الحكومة لجأت إلى إصدار الصكوك السيادية في هذا التوقيت لأنه الحل الأسرع نظراً لما واجهته من مطالبة بتسديد سندات دولية بقيمة 1,25 مليار دولار في يوم الطرح. وقال أبو باشا لـ "المجلة": "تنوع مصر مصادر تمويلها وطرحت العام الماضي سندات "الساموراي" المقومة بالين الياباني بما يساوي نحو 500 مليون دولار لهذا الهدف لافتاً إلى أن الإقبال على الصكوك كان جيداً، وتخطط مصر لطرح سندات "الباندا" المقومة باليوان في السوق الصينية، خلال السنة المالية الجارية، بما يوازي 500 مليون دولار، إضافة إلى درس طرح صكوك سيادية إسلامية بالجنيه المصري في السوق المحلية في ضوء توافر السيولة، لكنها لم تحدد قيمة الطرح حتى الآن، إذ أنها لا تزال تدرس طريقة التنفيذ وآلياته. ولا تعتزم الحكومة طرح أي سندات دولية "يوروبوندز" خلال السنة المالية الجارية.

Getty Images
صور لأوراق عملة الجنيه المصري في 12 أكتوبر 2016 في القاهرة ، مصر.

واعتبر أبو باشا أن تلك التنويعات في الاستدانة هي لاجتذاب سيولة إضافية إلى سوق الأوراق المالية، وتوسيع سلة العملات، وتقليل المخاطر المتعلقة بالدين العام والعملات الأجنبية حيث لا يكون هناك خطر مركز في عملة واحدة". ولفت إلى أن ارتفاع كلفة الدين جاء نتيجة لقفزة معدلات الفائدة الأميركية والحرب الروسية الأوكرانيةالتي دخلت عامها الثاني، مشيراً إلى أن هذه تحديات تواجه البلدان الناشئة ناهيك عن خفض التصنيف، ذلك أن وكالة "موديز" للتصنيفات الائتمانية خفضت تصنيف مصر السيادي درجة واحدة من "B2" إلى "B3" ما مثل ضربة موجعة للوضع المالي في مصر ودفع المسؤولين المصريين إلى البحث عن تمويلات جديدة والسعي إلى مزيد من الاستثمارات من دول خليجية".

وألمح أبو باشا إلى أن سوق الصكوك في الفترة الماضية لم تلق إقبالاً في دول الخليج لوجود فوائض كبيرة فيها بعد فترة كانت فيها أكبر الإصدارات في سوق الصكوك تجري في هذه الدول إضافة الى تركيا وماليزيا. واعطى مثالاً دبي التي استحق عليها تسديد صكين فدفعت المستحقات قبل موعد الاستحقاق. وتوقع أبو باشا تحسن الأوضاع الاقتصادية في النصف الثاني من السنة الجارية لوجود عوامل داخلية وخارجية لكن ذلك يتوقف على قرارات مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي في شأن معدلات الفائدة. أما على الصعيد المصري فألمح أبو باشا إلى انتظار التطورات الإيجابية في شأن الطروح المزمعة للدولة في البورصة والإصلاحات الاقتصادية والشفافية واستقرار العملة لجذب الاستثمار.

التنويع في الاستدانة هو لاجتذاب سيولة إضافية إلى سوق الأوراق المالية، وتوسيع سلة العملات، وتقليل المخاطر المتعلقة بالدين العام والعملات الأجنبية حيث لا يكون هناك خطر مركز في عملة واحدة.

كبير الاقتصاديين في "المجموعة المالية-هيرمس" محمد أبو باشا

بيع حصص في شركات الدولة

وتعتزم الحكومة بيع حصص تملكها الدولة في 32 شركة ابتداء من الفصل الأول من السنة الجارية حتى نهاية الفصل الأول من عام 2024. وتستهدف الحكومة جمع ستة مليارات جنيه (نحو 195 مليون دولار) حتى نهاية 2023 من طرح هذه الحصص في البورصة، وتشمل الشركات "بنك القاهرة" و"شركة مصر لتأمينات الحياة" وشركات أخرى في قطاع الكهرباء والطاقة وقطاع البترول، كما ستُطرَح للمرة الأولى حصص في شركات تعمل في قطاع النقل وتداول الحاويات، بحسب تصريحات حديثة لوزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية الدكتورة هالة السعيد، ووسط تأكيد رئيس الوزراء المصري أن هذه الخطوة تظهر جدية الدولة في تنفيذ ما تعهدت به في وثيقة سياسة ملكية الدولة.

ويرى أبو باشا أن الأنظار تتركز على خطوات الحكومة المزمعة للانفتاح على القطاع الخاص وبيع بعض الأصول لتحسين قدرة الدولة على تعزيز الاحتياط من العملات، مشيراً إلى أن لديها فرصة لجذب استثمارات الى جانب الدعم الخليجي لكن كل شيء يتوقف على تحركات الحكومة.

وسعت دول خليجية للاستحواذ على حصص في شركات مصرية ناجحة وذلك في ظل أزمة الدولار الحادة التي تشهدها مصر، وفي وقت يتعرض الاقتصاد المصري البالغ حجمه 400 مليار دولار إلى ضغوط متزايدة، يُعَد تأمين الحصول على تمويل خليجي أمراً "ضرورياً" لمصر لسد الفجوة التمويلية البالغة نحو 17 مليار دولار في السنوات القليلة المقبلة وفق صندوق النقد الدولي. وتعهدت دول خليجية، منها دولة قطر، بضخ أكثر من 10 مليارات دولار في اقتصاد مصر التي تحتاج إلى النقد الأجنبي. ومع ذلك، لم تتلق سوى جزء ضئيل من التمويل حتى الآن، وفق "الشرق بلومبرغ". ووعدت شركات تركية بضخ استثمارات جديدة في مصر بقيمة 500 مليون دولار في خضم البحث عن سيولة مالية.

Shutterstock
تتوقع "ريفينيتيف" أن تزداد إصدارات الصكوك خلال الأعوام الخمسة المقبلة بنسبة نمو سنوي 6,8 في المئة

سوق الصكوك الإسلامية

تعد دول الخليج أبرز أسواق الصكوك الإسلامية في العالم، وتتصدر المملكة العربية السعودية والكويت الدول الخمس الأكثر إصداراً لهذه الصكوك.

يتزامن تصاعد اعتماد الدول على الصكوك الإسلامية في تمويل مشاريعها القومية في حين أن الشركات تعتمدها لتمويل استثماراتها، مع إقبال عالمي كثيف على الاقتصاد الإسلامي عموماً باعتباره بديلاً مهماً للاقتصاد الرأسمالي.

لكن وفقا لتقرير أصدرته "ريفينيتيف" (Refinitiv) عن سوق الصكوك في 2022، بلغ رصيد الصكوك القائمة حوالي 726 مليار دولار أميركي في 30 يونيو/ حزيران 2022 ويتوزع 87 في المئة من هذا المبلغ على أربع دول: ماليزيا والسعودية وإندونيسيا والإمارات. 

وتقدر القيمة التراكمية للصكوك المصدرة خلال 6 سنوات (2017-2022) بنحو 890 مليار دولار. 

وأشارت "ريفينيتيف" إلى تباطؤ حجم الصكوك المصدرة في عام 2022، فتراجعت على أساس سنوي بنسبة 5,9 في المئة إلى 185 مليار دولار. وأرجعت ذلك إلى ارتفاع أسعار الفائدة تبعا لقرارات الاحتياطي الفيديرالي الأميركي والبنوك المركزية حول العالم، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار النفط، مما قلل من حاجة السعودية إلى إصدار الصكوك. 

في المقابل، فإن الضغوط المتزايدة على موازنات الاقتصادات الناشئة مثل ماليزيا وإندونيسيا وباكستان كانت الداعم الأساسي لإصدارات الصكوك خلال عام 2022، ما ساهم في استمرار الطلب القوي على الصكوك.

وتتوقع "ريفينيتيف" أن تزداد إصدارات الصكوك خلال الأعوام الخمسة المقبلة بنسبة نمو سنوي 6,8 في المئة، لتصل إلى 257 مليار دولار في عام 2027، على أن يشهد عام 2024 عودة الإصدارات إلى مستويات ما قبل 2022.

إن الصكوك السيادية الإسلامية هي أداة مالية مهمة والى توسع، لكنها لا تزال بعيدة عن المقارنة بالسندات التقليدية، وتمثل نسبة متزايدة في الدول الاسلامية وبالتالي تذهب إليها فوائض النفط، مثلاً، ويمكن ضخ كثير من هذه الفوائض في مشاريع تمولها هذه الصكوك.

الخبير الاقتصادي الدكتور مدحت نافع

حصيلة الإصدار للمشاريع الاستثمارية

قال أستاذ التمويل والخبير الاقتصادي الدكتور مدحت نافع لـ"المجلة": "إن الصكوك السيادية الإسلامية هي أداة مالية مهمة وتتسع ولا تزال بعيدة عن المقارنة بالسندات التقليدية، لكنها تمثل نسبة متزايدة في الدول الاسلامية وبالتالي تذهب إليها فوائض النفط، مثلاً، ويمكن ضخ كثير من هذه الفوائض في مشاريع تمولها هذه الصكوك".

وأضاف "إن نجاح الطرح مقرون بعوامل كثيرة جداً، لكن من المهم خفض الفائدة، لأن نسبة الفائدة في الطرح الأخير كانت مرتفعة نسبياً"، واعتبرها "أداة مهمة لتمويل المشاريع، لأنها تجمع بين خصائص السند وخصائص السهم ومن ثم لا وجود لأي شكوك في ما يتعلق بالديون أو القروض التي يمتنع البعض عن الدخول في دواماتها. ويفضل بعض المستثمرين الصكوك، ويرون فيها أداة عالية السيولة ولها تصنيفاً جيداً لأن إيراداتها تُستثمَر في مشاريع جيدة لذلك يقبل عليها وكذلك مؤسسات التصنيف تصنفها في شكل جيد وهذا أمر مهم".

أما بالنسبة إلى خطة طرح نحو 32 شركة في البورصة التي أعلنت عنها الدولة أخيراً، فيراها نافع "خطوة جيدة"، لإدراك الدولة أهمية القطاع الخاص، وفي الوقت نفسه استعادة الدولة دورها الحيوي والأساسي كمنظم للأسواق وحكم بين المتعاملين وليس منافس فى الانشطة ذات الربح، وايضا كلاعب رئيسي فى مجال البنية الاساسية، تلك هي العوامل التي تدعم قدرة الدولة في جني عوائد من بيع حصص من الشركات سواء من خلال سوق الأوراق المالية أو من خلال بيعها لمستثمرين إستراتيجيينواستغلال تلك العوائد وضخها في قطاعات رئيسية يعزف القطاع الخاص عن الدخول فيها.

مضيفاً "أن الحديث في أوساط المستثمرين يدور الآن حول الجدول الزمني الفعلي وإعلان نوعية الطرح لكل شركة على حده، سواء كان الطرح عاماً أو فى البورصة أو خاصا أو لمستثمر استراتيجي ونسبة كل طرح، لمساعدة المستثمر على اتخاذ قراره الاستثماري".

font change

مقالات ذات صلة