"ابتسم أيها الجنرال": السيرة الدرامية لعائلة الأسد

من هو من في أحداث المسلسل؟

شخصية "فرات" التي يؤدّيها مكسيم خليل تتطابق مع بشار الأسد

"ابتسم أيها الجنرال": السيرة الدرامية لعائلة الأسد

نجح مسلسل "ابتسم أيها الجنرال"، من كتابة سامر رضوان وإخراج عروة محمد وإنتاج شركة "ميتافورا"، في تفجير جدل واسع ومتشعّب ومتعدّد الطبقات حتى قبل عرضه. واشتدّ الجدل مع عرض أولى حلقاته نظرا لأنه يتناول موضوعا شائكا ومعقدا ولا يزال حديثا نسبيا، ولم يصبح بعد مادة للتأريخ والتوثيق.

ليس هذا الموضوع سوى سيرة لعائلة الأسد التي تحكم سوريا. التأكيدات المتكررة لصناع العمل حول انعدام التقارب بين شخصياته وأيّ شخصيات حقيقية، وردّ التشابه في حال وجوده إلى الصدفة البحتة، ليس إلا إطارا معياريا يهدف إلى تجنّب خوض معارك قانونية وقضائية.

لم يكترث المشاهدون بهذا التعليل، بل قرّروا إقامة تطابق مباشر، يبدو أن لا مفرّ منه، بين شخصياته الرئيسية وشخصيات نافذة في سوريا، وفق الجدول التالي:

شخصية "فرات" التي يؤدّيها مكسيم خليل تتطابق مع الرئيس بشار الأسد.

شخصية "وضاح فضل الله" التي يؤدّيها محمد الأحمد تتطابق مع العماد وزير الدفاع الراحل مصطفى طلاس.

شخصية "عاصي" التي يؤدّيها غطفان غنّوم تتطابق مع ماهر الأسد، قائد "الفرقة الرابعة" بالحرس الجمهوري وشقيق الرئيس الأسد.

شخصية "سامية" التي تؤدّيها سوسن أرشيد تتطابق مع بشرى الأسد شقيقة الأسد.

شخصية "صوفيا" التي تؤديها ريم العلي تتطابق مع أسماء الأسد

شخصية "صوفيا" التي تؤدّيها ريم العلي تتطابق مع أسماء الأسد، عقيلة الرئيس السوري.

شخصية "الأم" التي تؤدّيها عزة البحرة تتطابق مع أنيسة مخلوف، زوجة الرئيس الراحل حافظ الاسد.

شخصية "أنيس الرومي" التي يؤدّيها مازن الناطور تتطابق مع رامي مخلوف، ابن خال الرئيس السوري.

منذ عُرضت أولى حلقات المسلسل حُمّل ما لا يمكن لعمل درامي تحقيقه وهو أن يكون امتدادا أو محاكاة لوقائع وأحداث حقيقية ما زالت تقع خلال عرض الحلقات "المتخيلة" ورأى المعارضون في عدم الإشارة المباشرة إلى آل الأسد بالاسم نوعا من التراجع عن عناوين الثورة

اعتراضات

منذ عُرضت أولى حلقاته حُمّل المسلسل ما لا يمكن لعمل درامي تحقيقه على الإطلاق، وهو أن يكون امتدادا أو محاكاة لوقائع وأحداث حقيقية ما زالت تقع خلال عرض الحلقات "المتخيلة".

تعامل معارضون سوريون مع المسلسل بطرق مختلفة. بعض التعليقات رأت في عدم الإشارة المباشرة إلى عائلة الأسد بالاسم "نوعا من التراجع عن عناوين الثورة"، وأنه لا يجوز بعد كل ما جرى تناول الممارسات بصورة رمزية، وإن كان الأمر استجابة لمتطلبات الدراما.  

 المطلوب وفق وجهة النظر هذه أن يكون المسلسل "جزءا من نشاط الثورة، وأن يكون ميدانيا ومباشرا".

 آراء أخرى اعتبرت أن خيار المسلسل الدرامي والإيحائي "خيانة مباشرة"، ووصل الأمر بالبعض إلى اتهام صنّاعه بتلقي تمويل من النظام لتقديم "سردية باردة خالية من المعنى حوله، بغية تنفيس الأجواء والتغطية على الجرائم الفعلية الكبرى".

شخصية الأسد مثلما قدمها مكسيم خليل، احتلت صدارة النقاش والجدل إذ إنها بدت في عيون المعارضة "متزنة... وليس كما ينبغي لها أن تكون أو كما هي بالفعل".

مثل هذا الرأي، يبدو مستغربا ولا يلتفت إلى ما ظهر خلال الحلقات الأولى على الأقل، من طبقات تركيب الشخصية الرئيسية في المسلسل، والتي تستجيب لمتطلباتهم تماما إنما بشكل بعيد عن المباشرة والسطحية. لم يعرض المسلسل شخصية رئيس متزن على الإطلاق، بل بدا على الدوام مرتبكا في اتخاذ القرارات، ومتوترا، لا يملك حياة خاصة ووحيدا. كل هذه التفاصيل دخلت في تركيب شخصيته، تنزع عنه صفة الاتزان.

سوسن أرشيد في دور "سامية" وهي الشخصية التي تتطابق مع بشرى الأسد

 

تبخيس وتعظيم

اتُهم المسلسل بالضعف الفني والإخراجي في مقابل حملات تعظيم وتبجيل تتصارع مع حملات التسخيف والتسفيه المقصودة التي يقوم بها بشكل مباشر  موالون وآلتهم الإعلامية. التهم التي عرضت لمستواه الفني لم تقدّم في حقيقة الأمر قراءة فنية وإخراجية بل مجرد ملاحظات عامة. أينما توجهنا في أدغال "فيسبوك" وغيره من وسائل التواصل الاجتماعي نجد مشاهدين تحولوا نقادا فنيين يطلقون آراء حول الإضاءة والتصوير وأداء الممثلين، مستخدمين أحكاما لا صلة لها بمفردات التقييم الفني.

على سبيل المثال، توصف إضاءة المسلسل بالشاحبة والضعيفة ما يعني أنها تعكس ضعفا فنيا وجهلا بفنون الإخراج، والبعض وصف أداء عبد الرحيم قطيفان في دور رجل المخابرات بالبارد مع العلم أن المهارة الأساسية لرجل المخابرات الخطير هي البرودة.

شخصية "وضاح فضل الله" التي يؤدّيها محمد الأحمد تتطابق مع مصطفى طلاس

في مقابل ذلك التبخيس، نشهد حملات تعظيم تحمل المسلسل ما لا يحتمله إذ تنظر إليه على أنه فتح درامي غير مسبوق، وفريد من نوعه واستثنائي في كل الميادين.

يبدو هذا المسلسل مشاهدا من الجميع وغير مشاهد من أحد في الوقت نفسه. لا وجهات نظر جدية ولا قراءات متأنية، بل جدلية الخيبة والأمل والتبخيس تتكرر، وتمنع هذا العمل من الحلول في مكانه الصحيح والمنطقي، وتهدّد بأن تنزع عنه صفة المشروع الدرامي الجديد والمختلف والذي يجب قراءته انطلاقا من أدواته نفسها ومن واقع اللحظة وليس من خلال الإسقاطات والاتهامات والأمنيات.

أينما توجهنا في أدغال "فيسبوك" وغيره من وسائل التواصل الاجتماعي نجد مشاهدين تحولوا نقادا فنيين يطلقون آراء حول الإضاءة والتصوير وأداء الممثلين، مستخدمين أحكاما لا صلة لها بمفردات التقييم الفني

"هداك المسلسل" و"ابتسم أيها البشار"

 في الداخل السوري، استعمل توصيف "هداك المسلسل" في الإشارة إلى "ابتسم أيها الجنرال". هذه العبارة تستعمل لوصف ما لا يراد التصريح باسمه المباشر ازدراء له وتعيينا لخبثه كما هو حال مرض السرطان الذي صمّمت العبارة من أجل الاشارة إليه.

هل أخطأ كاتب العمل ومخرجه والشركة المنتجة له في اختيار توقيت إطلاقه، إذ أن الجو العام ليس جاهزا بعد لتلقيه بغض النظر عن مستواه، أو أن النظر إلى العمل بشكل عام لم يكتمل بعد، وكل ما يمكن رصده من سجال حوله حتى هذه اللحظة لا يعدو كونه ملاحظات أولية قد تختفي مع تطور سياقاته الدرامية في الحلقات القادمة؟

لا إجابة سهلة عن هذا السؤال، لكن الأكيد أن لا أحد تعامل معه كمسلسل درامي. النقد الذي  لم يعجبه أداء الممثلين اعتبر الأمر انتقاصا من قضية النضال ضد حكم آل الأسد، وتاليا يجب محاكمته انطلاقا من هذا المقياس وليس من زاوية فنية فحسب.

 لقد شُحن المسلسل بأحلام "الانتصار على النظام"، وكأنه يفترض به تقديم سلاح إبادة ضدّه يلغي مفاعيل حرب الإبادة التي خاضها ضد السوريين، حيث تكررت بأشكال مختلفة الشكوى من عدم ركون المسلسل الى الهجوم الصريح والمباشر والمفتوح ضد شخصيات حقيقية.

 أناط  المعارضون بالمسلسل مهمة تحقيق انتقامهم، أما الموالون فيمكن تصور أفواههم المفتوحة ذهولا وراء شاشات الهواتف والتلفزيونات التي تشي بعدم القدرة على التصديق.

بعد ذلك انتقلوا إلى مرحلة الحرب الصريحة ضد المسلسل، والتي اعتمدت منطق الترويج لتحذيرات نشرتها  أجهزة النظام، تخاطب الحس المحافظ العام عند شريحة من السوريين عبر الادعاء بأن المسلسل جنسي الطابع، ويحتوي على مشاهد خلاعية لا يجوز مشاهدتها لأنها تبطل الصيام.

تلك الحملة بنت استراتيجتها على الحدث الذي ظهر في الحلقة الأولى من المسلسل، والذي يعرض لفضيحة جنسية تطاول نساء مسؤولين مهمين، ومن ضمنهم أخت الرئيس.

غطفان غنّوم في دور "عاصي" الذي يتطابق مع ماهر الأسد

ابن عم الأسد، دريد شنّ من صفحته على موقع "فيسبوك" هجوما ضد مكسيم خليل والمسلسل عموما، بينما كال الثناء لمسلسل "الزند - ذئب العاصي" الذي يقوم بدور البطولة فيه النجم تيم حسن، الذي يتناول مناطق الساحل السوري ضمن حقبة من تاريخ الامبراطورية العثمانية.

قال دريد في أحد منشوراته، ان الفرق كبير "بين (الممثلين السوريين) مكسيم خليل وتيم حسن". وكتب في منشور آخر: "طول عمره اسمه رمضان كريم ولن يصبح أبدا رمضان مكسيم".

وأعلن في منشور مباشر عن مدى انزعاج النظام من المسلسل "منذ ثلاث عشرة سنة، ونحن نشاهد مسلسلا واحدا عنوانه ابتسم أيها البشار".

بدورها، أعربت منال الأسد، عبر حسابها على "تويتر"، عن انزعاجها الشديد من المسلسل، واصفة مكسيم خليل بـ "الخائن"، وواضعة المسلسل برمته الذي يهدف إلى "تشويه صورة عائلتنا وقيادتنا" في سياق المواجهة مع المعارضة: "فبعد فشلكم ميدانيا وسياسيا وإعلاميا، لم يتبق لكم سوى الحرب الثقافية الفكرية التي ستخسرونها في نهاية المطاف". ولم تنس توجيه تهديد مباشر إلى جميع المشاركين في المسلسل: "إنها مسألة وقت فقط وستعودون وتطلبون العفو والمغفرة على ما ارتكبتموه". 

شُحن المسلسل بأحلام الانتصار على الأسد وكأنه يفترض به تقديم سلاح إبادة ضده يلغي مفاعيل حرب الإبادة التي خاضها ضد السوريين، حيث تكررت بأشكال مختلفة الشكوى من عدم ركون المسلسل الى الهجوم الصريح والمباشر والمفتوح ضد آل الأسد

قليلة هي المحاولات التي حرصت على إعطاء المسلسل حقه وفرصته، خصوصا أنه يمثل فاتحة وبداية ولا يستند على تراكمات سابقة، وربما يكون تاريخ كاتبه الذي قدم أعمالا محفورة في ذاكرة المشاهد السوري والعربي من قبيل "الولادة من الخاصرة" و"لعنة الطين" قد أقام جدارا من المقارنات بين تلك الأعمال والمسلسل الجديد.  

الكاتب سامر رضوان، قال في تقديمه للعمل إنه يكتب للمرة الأولى من دون وجود الشرطي في رأسه، وأعلن عن تمتعه بالحرية الكاملة، وصرح أنه تلقى وعودا بتنفيذ عمله كما كتبه من دون طلب تعديلات ما جعل المسلسل مسؤولية ضخمة أمام الناس قد تدفعه إلى التوقف عن الكتابة في حال فشله.

تاريخ الكتابة المتطلبة للتحايل والخاضعة لشروط العسكري الذي يسكن في الرأس والشارع ويحتل المجال العام تختلف عن الكتابة التي تمليها الحرية.

مازن الناطور بدور "أنيس الرومي"، وتتطابق الشخصية مع رامي مخلوف.

الشرطي قديم وراسخ، والحرية جديدة وطفلة، لذا يجب الاعتناء بها وليس رفضها قمعها. فلنقرأ هذا العمل ونشاهده ضمن شروطه ونتابعه من داخل خطابه ولنكف عن محاصرته بالأمنيات والشعارات.

يُسجّل للمسلسل أنه فتح الباب أمام التناول الدرامي للحكام قبل أن يتحولوا إلى تاريخ، وبذلك فإنه لا يواجه سردية مكتملة ومنجزة بل يحارب سيرورتها ويخترقها ويمنعها من الاكتمال، ولعلّ ذلك وحده كافيا لمنحه حضورا وفرادة تجعله يحتل صدارة المشهد الرمضاني.

 

font change

مقالات ذات صلة