تداعيات أكبر خفض لإنتاج "أوبك بلس" بعد الجائحة

قرار مفاجئ نتيجة عوامل قوى السوق ومخاوف الركود الاقتصادي

تداعيات أكبر خفض لإنتاج "أوبك بلس" بعد الجائحة

فوجئت أسواق النفط بإعلان تحالف منتجي "أوبك بلس" خفضا طوعيا لإنتاج النفط بمقدار 1,6 مليون برميل يومياً من بداية شهر مايو/أيار 2023 حتى نهاية السنة الجارية، يُضاف إلى الخفض الذي أعلنه التحالف سابقا في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2022 بمقدار مليوني برميل يوميا من شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2022 والذي جاء مخالفا لدعوات الولايات المتحدة إلى "أوبك بلس" بضخ المزيد. هذا يعني أن مجموع الخفوضات من منتجي "أوبك بلس" يصل الى 3,6 ملايين برميل يوميا وهو أكبر خفض للإنتاج بعد الخفض القياسي أثناء الجائحة الذي وصل إلى 9,7 ملايين برميل يوميا. الخفض الطوعي مفاده أنه اختياري وليس مُدرجا مسبقاً في خطط التحالف أو استراتيجيته، ويكون بقية الأعضاء غير ملزمين به.

عوامل قوى السوق استدعت القرار

ليس تعميق خفض الإنتاج في "أوبك بلس" رد فعل على قرار مجموعة السبع والاتحاد الأوروبي وضع سقف لسعر النفط الروسي والمشتقات النفطية الروسية كوسيلة لخفض عائداتها النفطية، لكنه جاء نتيجة لعوامل قوى السوق وللمخاوف من الركود الاقتصادي. كما أن أسواق النفط العالمية تعاني من حالة عدم يقين شديدة تفاقمت عندما غادرت السيولة السوق قبل أشهر. تسبب نقص السيولة الشديد في عمليات بيع كبيرة في أسواق العقود الآجلة للنفط (Futures) التي عانت من شح السيولة منذ مطلع العام مع تذبذب الأسعار التي لم تُحفّز المضاربين على الرهان، مما أبقى أسعار النفط عند مستويات منخفضة مقارنةً بأسعار مصادر الطاقة الأخرى.

تتوزع خفوضات إنتاج النفط الطوعية لتحالف منتجي "أوبك بلس" كالآتي اعتبارا من شهر مايو/أيار 2023:

السعودية: 500 ألف برميل يوميا

روسيا: 500 ألف برميل يوميا (معلنة مُسبقاً من شهر مارس/آذار)

العراق: 211 ألف برميل يوميا

الكويت: 128 ألف برميل يوميا

الإمارات: 144 ألف برميل يوميا

كازاخستان 78 ألف برميل يوميا

الجزائر: 48 ألف برميل يوميا

عُمان: 40 ألف برميل يوميا

الغابون: 8 آلاف برميل يوميا

لا يتحكم تحالف منتجي "أوبك بلس" بالأسعار ولا يستهدف سقفا معينا للنفط، بل يستهدف توازن العرض والطلب واستقرار الاقتصاد العالمي، ويأتي كاستراتيجية استباقية لضمان استمرار استقرار أسواق النفط.

جاء الخفض في إنتاج النفط الطوعي بمثابة استراتيجيا استباقية لضمان استمرار الاستقرار في أسواق النفط، على ان تستمر هذه الخفوضات الى نهاية السنة الجارية. لا يعني الإعلان المفاجئ وغير المتوقع، أن التحالف قد تخلى عن التأكيدات السابقة بأنه سيبقي الإمدادات ثابتة دون تغيير للحفاظ على استقرار السوق، إلا أن متغيرات طرأت على السوق بعد أزمة القطاع المصرفي أثّرت على التوقعات الاقتصادية وعززت الضبابية في توقعات توازن العرض والطلب. حتى وإن زالت انعكاسات الأزمة المالية نسبياً على الأسعار، الا أن تأثيرها على المستثمرين سيأخذ المزيد من الوقت، وهذا من شأنه أن يؤثر على مستقبل الإمدادات النفطية.
  
من البديهي، بل من المهمات الملقاة على عاتق تحالف منتجي "أوبك بلس"، ضمان التوازن في أسواق النفط واستقرار الاقتصاد العالمي، وذلك يدعو إلى التحرك الاستباقي تبعا لأي انخفاض في استهلاك النفط من جهة، ويدعو من جهة أخرى إلى العمل على مكافحة جميع قوى السوق المصطنعة التي تسببت بضغوط في اتجاه هبوط الأسعار كما فعلت الحكومات الغربية في سياساتها النقدية المتشددة ولجوئها إلى رفع سعر الفائدة، التي تغيرت معها اقتناعات مستثمري النفط في ما يتعلق بالضخ الاستثماري لأنشطة المنبع بسبب شح السيولة وتراجع الأسعار في النصف الثاني من عام 2022.
 

تسببت المعنويات السلبية التي أثارتها الأنباء المتشائمة من القطاعات المالية في منتصف شهر مارس/آذار المنصرم بأكبر تقلبات انخفاضية لأسعار النفط بنحو 14 دولارا للبرميل، وهي التقلبات الأكثر حدة هذا العام مدفوعة بمخاوف مالية تؤثر على النمو الاقتصادي وبالتالي على توقعات نمو الطلب. كانت الأزمة المالية نتيجة بديهية للسياسات النقدية المتشددة ولرفع الاحتياطي الفيديرالي والبنوك المركزية أسعار الفائدة في عام 2022، ويعتبر رفع الفائدة أداة مهمة لكبح عمليات الاقتراض وبالتالي خفض السيولة في السوق لخفض نسبة التضخم.

متغيرات طرأت على السوق بعد أزمة القطاع المصرفي أثرت على التوقعات الاقتصادية وعززت الضبابية في توقعات توازن العرض والطلب، حتى وإن زالت انعكاسات الأزمة المالية نسبياً على الأسعار.

ربما جاء قرار "أوبك بلاس" مفاجئا، إذ لا يمكن لأحد التنبؤ بهذه القرارات، لكن مستويات إنتاج النفط في شهر فبراير/شباط 2023 أظهرت مساحة لإمكانية لخفض الانتاج :

- مجموع إنتاج دول "أوبك بلس" 44 مليون برميل يوميا 
- مجموع إنتاج دول "أوبك" 29 مليون برميل يوميا 
- مجموع إنتاج دول خارج "أوبك" 15 مليون برميل يوميا 
- إنتاج المملكة العربية السعودية 10,5 ملايين برميل يوميا 
- إنتاج روسيا  9,9 ملايين برميل يوميا 
- ارتفع إنتاج الولايات المتحدة في شهر يناير/كانون الثاني 2023 إلى 12,46 مليون برميل يوميا، وهو أعلى مستوى منذ شهر مارس/آذار 2020.

الإجحاف الكبير بأسعار النفط

من شأن خفض إنتاج ما مجموعه 3,6 ملايين برميل يوميا أن يؤدي إلى هبوط الإنتاج لدى تحالف "أوبك بلس" في شهر مايو/أيار إلى 40,4 مليون برميل يوميا انخفاضا من 44 مليون برميل يوميا في شهر فبراير/شباط الماضي. وأشار تقرير منظمة "أوبك" الشهري الأخير الصادر في منتصف شهر مارس/آذار المنصرم، الى خفض المنظمة توقعاتها لكمية إنتاج نفطها لتحقيق التوازن في السوق على الرغم من توقعاتها بارتفاع الطلب الصيني، مما يوفر الدعم لمزيد من الخفوضات المحتملة للإنتاج لإعادة ضبط إيقاع السوق بمزيد من تضييق الإمدادات بعد تهاوي الأسعار جراء مخاوف الأزمة المالية. ولم يتأثر منتجو "أوبك بلس" من خفض الإنتاج من إقليم كردستان في شمال العراق بعد توقف خط أنابيب التصدير في ميناء جيهان التركي الذي قد يكون موقتا.

لا يتحكم تحالف منتجي "أوبك بلس" بالأسعار ولا يستهدف سقفا معينا لأسعار النفط، لكنه يستهدف توازن العرض والطلب واستقرار الاقتصاد العالمي. هذا عدا الإجحاف الكبير الذي يحيط بأسعار النفط، ففي وقت هبطت أسعار النفط إلى أدنى مستوياتها منذ قرابة العام، حيث يترنّح سعر خام برنت عند حاجز الـ 80 دولارا للبرميل منذ النصف الثاني من عام 2022، شهدت أسعار المشتقات النفطية ارتفاعات فلكية بنحو ضعف سعر برميل النفط، بينما في الغالب، لا تتعدى أسعار المشتقات النفطية المكررة 20 في المئة من سعر برميل النفط في المتوسط.
على سبيل المثل، على الرغم من هبوط سعر التجزئة للديزل في الولايات المتحدة أخيرا الى 4,1 دولارات للغالون، إلا أنه يعادل 172 دولارا للبرميل، أما سعر التجزئة للبنزين، الذي هبط الى 3,5 دولارات للغالون، فيعادل 147 دولارا للبرميل. علما أن سعر التجزئة في الولايات المتحدة هو متوسط السعر الذي يدفعه مستهلكو التجزئة لكل غالون من وقود الديزل والبنزين. 

 

font change