كيف أصبح "حميدتي" الشخص الثاني؟

من بدايات متواضعة الى عسكري ثري

Reuters
Reuters

كيف أصبح "حميدتي" الشخص الثاني؟

صعد الفريق أول محمد حمدان دقلو، المعروف باسم "حميدتي"، من بدايات متواضعة ليصبح زعيما لجماعة "جنجويد" التي سحقت تمردا في دارفور أثناء حقبة عمر البشير، ليكتسب لنفسه نفوذا متصاعدا، وفي نهاية المطاف دورا بوصفه ثاني أقوى رجل في البلاد، كنائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي الحاكم، وكقائد لقوات شبه عسكرية تعرف باسم "قوات الدعم السريع"، وكأحد أثرياء السودان.

وأدى "حميدتي"دورا بارزا في السياسة المضطربة في السودان على مدى عشر سنوات ساعد خلالها في الإطاحة بالرئيس عمر البشير عام 2019، والذي كانت تربطه به علاقة وثيقة ذات يوم. ثم قام لاحقا بإخماد احتجاجات السودانيين الطامحين إلى الديمقراطية.

ومع توليه منصب نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي، تولى "حميدتي"عددا من أهم الحقائب الوزارية في السودان بعد الإطاحة بالبشير، بما في ذلك الاقتصاد المنهار ومفاوضات السلام مع جماعات متمردة.

ويستمد الكثير من نفوذه من "قوات الدعم السريع" التابعة له والتي أتقن مقاتلوها خبرة حروب الصحراء في منطقة دارفور لكنهم يفتقرون إلى انضباط الجيش النظامي.

وانتشر الصراع في دارفور منذ عام 2003 بعد أن ثار متمردون ضد الحكومة، وشكل حميدتي ميليشيات موالية للحكومة من رجال قبائل، يعرفون محليا باسم "الجنجويد"، وذلك قبل أن تتحول تلك الميليشيات إلى "قوات الدعم السريع" الأكثر تنوعا.

واتهمت المحكمة الجنائية الدولية البشير ومسؤولين آخرين بارتكاب جرائم إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية في دارفور بدأت في عام 2003. وأدى الصراع إلى مقتل نحو 300 ألف شخص وتشريد 2.7 مليون. ولم توجه أي تهم إلى "حميدتي".

أدى "حميدتي"دورا بارزا في السياسة المضطربة في السودان على مدى عشر سنوات ساعد خلالها في الإطاحة بالرئيس عمر البشير عام 2019، والذي كانت تربطه به علاقة وثيقة ذات يوم.

Reuters
الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) أثناء كلمة في مقر قيادة "قوات الدعم السريع" في الخرطوم. فبراير/شباط، 2023.

دهاء ومهارات قتالية

ينحدر "حميدتي" من قبيلة الرزيقات ذات الأصول العربية التي تقطن إقليم دارفور غربي السودان. ونشأ في أسرة امتهنت تجارة الجمال والإبل.

وحمل "حميدتي" السلاح لأول مرة في منطقة غرب دارفور بعد أن قتل رجالا، هاجموا قافلته التجارية، نحو 60 شخصا من عائلته ونهبوا الجمال، وفقا لما ذكره مقربون من حميدتي لـ "رويترز".

وقالت مصادر مطلعة لـ "رويترز" إنه عندما أراد البشير أن يحتمي من خصومه خلال فترة حكمه التي استمرت 30 عاما، اختار "حميدتي" لهذا الدور. ومع إعجابه بدهاء "حميدتي" ومهاراته القتالية، اعتمد البشير عليه في التعامل مع المتمردين على الحكومة في صراع دارفور وفي أماكن أخرى في السودان.

وتم إضفاء الشرعية على ميليشيات "حميدتي". وحصل على رتبة الفريق أول العسكرية من عمر البشير، وكان له مطلق الحرية في السيطرة على مناجم الذهب في دارفور وسط تقارير عن قيامه بالاتجار في المورد الأكثر قيمة في السودان، وهو ما جعله من أثرياء البلاد.

وفي مقابلة مع "بي.بي.سي"، قال "حميدتي" إنه ليس أول شخص يمتلك مناجم ذهب، ولا يوجد ما يمنع من العمل في الذهب.

وبعد دعمه للبشير على مدى سنوات، شارك "حميدتي" عام 2019 في الإطاحة بحليفه القديم الذي واجه ضغوطا من احتجاجات حاشدة طالبت بالديمقراطية وحل المشكلات الاقتصادية.

وفي إطار شراكة مدنية عسكرية أقيمت بعد عزل البشير، لم يهدر "حميدتي" أي وقت في محاولة رسم مستقبل السودان الذي حكمه قادة عسكريون استولوا على السلطة في معظم تاريخه بعد الاستعمار.

وتحدث علنا ​​عن الحاجة إلى "ديمقراطية حقيقية" والتقى بالسفراء الغربيين وأجرى محادثات مع الجماعات المتمردة.

وقالت شخصية معارضة لـ "رويترز"، طلبت عدم نشر اسمها خوفا من تعرضها للانتقام، إن "حميدتي خطط ليصبح الرجل الأول في السودان. لديه طموح غير محدود."

اقرأ أيضا: الجيش و "الدعم السريع" في السودان... صراع نفوذ أم وجود؟

بعد دعمه للبشير على مدى سنوات، شارك "حميدتي" عام 2019 في الإطاحة بحليفه القديم الذي واجه ضغوطا من احتجاجات حاشدة طالبت بالديمقراطية وحل المشكلات الاقتصادية.

صورة مجمعة لعبد الفتاح البرهان (إلى اليسار)، ومحمد حمدان دقلو (حميدتي).

"لن نتوقف"

وأبدى "حميدتي" القليل من التسامح مع المعارضة. وقال شهود إن "قوات الدعم السريع" شنت حملة دامية على تجمع احتجاجي في 2019 أمام وزارة الدفاع بعد الإطاحة بالبشير، مما أودى بحياة ما يزيد على مئة شخص. ونفى حميدتي إصدار أمر بالاعتداء على المحتجين.

واستولى الجيش في أكتوبر تشرين الأول 2021 على السلطة وأعلن حالة الطوارئ، منهيا اتفاق تقاسم السلطة بين المدنيين والعسكريين في خطوة نددت بها الجماعات السياسية ووصفتها بأنها انقلاب عسكري.

اقرأ أيضا: جذور صراع العسكر في السودان وميزان القوى

وقال "حميدتي" في بيان مصور إن الجيش استولى على السلطة "لتصحيح مسار ثورة الشعب" وتحقيق الاستقرار، وأشار إلى إن الجيش مستعد لتسليم السلطة في حالة التوصل إلى اتفاق أو إجراء انتخابات. ولم يقتنع الكثير من السودانيين بذلك.

إلا أنه تراجع عن موقفه الداعم للانقلاب منذ أسابيع، وقال كان "خطأ" وإن الانقلاب فتح الباب أمام عودة انصار الرئيس البشير. إلا أن معارضيه يقولون إنها محاولة منه لـ "تلميع صورته وصرف الانتباه عن اتهامات بارتكاب انتهاكات حقوقية ضد المحتجين من المدنيين وفي دارفور.  

لكن الانقسامات بين "قوات الدعم السريع" بقيادة "حميدتي" والجيش، بشأن دمج تلك القوات في الجيش، عقّدت جهود استعادة الحكم المدني. وحذر الجيش قبل أيام من خطر وقوع مواجهة بعد تحركات جماعة حميدتي شبه العسكرية، مما يؤكد تزايد الاحتكاك بين الجانبين.

وبالفعل اندلعت مواجهة كبيرة بين الجانبين، وسط مخاوف من أن تؤدي إلى انزلاق السودان إلى صراع واسع النطاق في وقت يعاني فيه بالفعل من انهيار الاقتصاد واشتعال العنف القبلي ويمكن أيضا أن تعرقل الجهود المبذولة للمضي نحو إجراء انتخابات.

وقال "حميدتي" في تصريحات صحفية إن قواته "لن تتوقف" عن القتال إلا بعد "السيطرة الكاملة" على كل مواقع الجيش.

font change

مقالات ذات صلة