روائيون: هذه فضائل الجوائز الأدبية وتلك مثالبها

بين الانطلاق والانقطاع

shutterstock
shutterstock

روائيون: هذه فضائل الجوائز الأدبية وتلك مثالبها

القاهرة: يصاحب إعلان الفائزين بالجوائز الأدبية العربية الكثير من المناقشات وأحيانا الاتهامات حول أحقية العمل الفائز والتوازنات التي يعتمدها القائمون على هذه الجوائز ولجان تحكيمها. علاقة الجوائز بالكود الأخلاقي، الديني أو السياسي علاقة قديمة منذ العصور الوسطى في أوروبا حيث منحت الجوائز بهدف تقدير الكتاب الذين أنتجوا أعمالا تخدم مصالح الملوك أو المؤسسات الدينية، بينما تقرّب الشعراء على مرّ التاريخ من الحاكم بهدف تحقيق منافع شخصية.

هناك من لم ترهبه الجائزة، واستمر ينتج، وقد يحصل إنتاجه الجديد على الرضا أو لا يحصل هذا ليس مهما، المهم أن ينتج


أمير تاج السر

تكريم ذو حدّين

أمير تاج السر

يرى الكاتب السوداني أمير تاج السر الحاصل على جائزة "كتارا" للرواية عن روايته "366"، أن الجوائز "تؤثر على الكاتب، خاصة إن حصل عليها وهو صغير أو في بداية مسيرته ومن عمله الأول، وهذا شأن مألوف في معظم الجوائز العالمية أن تُمنح لكتاب في البدايات وتطلقهم بعد ذلك"، ولذلك فإن صاحب "صائد اليرقات" و"حراس الحزن" يعرب عن خشيته من الأثر الجانبي للجائزة عند بعض الكتاب وألا يظلّ الكاتب الشاب "واقفا مستندا في السكة التي مهدت له.. لذلك تجد معظمهم يغيبون سنوات قبل أن يأتوا بنص جديد". 

لكنّ تاج السر لا يعتبر هذه قاعدة عامة، إذ أن "هناك من لم ترهبه الجائزة، واستمر ينتج، وقد يحصل إنتاجه الجديد على الرضا أو لا يحصل هذا ليس مهما، المهم أن ينتج، بالنسبة إلى الكتاب المكرسين الذين أمضوا أعمارهم في الكتابة، تكون الجائزة استحقاقا، وبالطبع تكون عادية جدا ولا تغير مسار الكاتب الذي هو موجود بها ومن دونها، عموما الجوائز مسألة مغرية كثيرا، وفقط يظل التحذير من سطوتها على المشهد الكتابي وتحويله إلى مشهد خال من الإبداع".

لم يكن للجوائز أثر عليّ في الحقيقة، جلبت لي الكثير من الأعباء وخلقت نوعا من التحدي حول ما ينبغي أن اكتب، و كيف أطوّر تجربتي، كما جلبت لي الكثير من الأعداء

ميرال الطحاوي

أعباء وأعداء

ميرال الطحاوي

الكاتبة المصرية ميرال الطحاوي ترى أن موقف الكاتب بعد فوزه بأيّ  جائزة "يعتمد بالضرورة على تصوره لمشروعه الأدبي، الكثير من الكتاب الكبار لم يتأثروا حقيقة بفكرة الجوائز، البعض رفضها، والبعض تجاهلها والبعض تجاهلته الجوائز رغم استحقاقه لها. أما بالنسبة إلي فلم يكن للجوائز أثر في الحقيقة، جلبت لي الكثير من الأعباء وخلقت نوعا من التحدي حول ما ينبغي أن اكتب، و كيف أطوّر تجربتي، كما جلبت لي الكثير من الأعداء، لكنني بطبعي منفصلة عن الأوساط الثقافية، وأعيش منذ خمسة عشر عاما في منطقة بعيدة، وتحدياتي اليومية مرتبطة بالعمل الأكاديمي والتدريس".

وتضيف صاحبة "بروكلين هايتس" و"أيام الشمس المشرقة": "لم أكن جزءا من أي منافسة منذ مدة طويلة، وإن كانت قوائم الجوائز لم تخل من مؤلفاتي، لكنني كنت أخرج من القوائم الطويلة والقصيرة بهدوء دون ادعاء أي استحقاق، لم أتوّج بعد بما يحقق تلك النشوة أو يسبّب أي قلق، أعتقد أن مشكلتي الدائمة هي التفرغ للكتابة، ما زال عندي ما أحاول كتابته وما أعتقد أنه جدير بالكتابة، لكنّ طبيعة حياتي الأكاديمية لا تعطيني الفرصة الكاملة للكتابة، والجوائز العربية مهما علت قيمتها المادية فلن تكفل للكاتب هذا التفرغ".

فازت ميرال الطحاوي بجائزة نجيب محفوظ عن روايتها "بروكلين هايتس"، رغم أنها ليست الجائزة الأولى التي تمنح لها حيث فازت بجائزة الدولة في مصر عن رواية "الخباء". أطلقت النسخة الأولى من جائزة نجيب محفوظ عام 1996 وحصل عليها آنذاك الكاتبان إبراهيم عبد المجيد ولطيفة الزيات. ورغم أن هذه الجائزة تمنح الفائزين مكافأة مالية إلا أن أفضل ما تقدّمه بالنسبة لأي مبدع هي ترجمة الرواية إلى اللغة الإنجليزية.

علينا أن نواصل عملنا ونبحث عن مسارات جديدة وتجارب جديدة، وإلا فإننا نصبح مجرد رسوم كاريكاتورية لأنفسنا، نحاول تقليد كتاب أو عمل فني معين لنا لقي الإشادة به في الماضي

أدريانا ليسبوا

تحيّزات وقيود

أدريانا ليسبوا

أحيانا تكمن سطوة الجائزة في حيثياتها غير المعلنة. فبعض الجوائز العربية متهم بالتحيز للكود الأخلاقي والسياسي، فالرواية التي لا تطرح إشكالية سياسية، دينية أو جنسية تكون فرص فوزها أكبر.

"وكيف نكتب والأقفال في فمنا؟" هذا البيت الذي كتبه نزار قباني في "القصيدة الدمشقية" يلخص السؤال الأهم: هل هناك قيود على العمل الإبداعي لينال شرف الفوز بإحدى الجوائز الأدبية، إذا كيف للكاتب أن يطلق العنان لخياله وأفكاره؟ وهل يقع المبدع بين مطرقة رغبته في الفوز بإحدى الجوائز الأدبية رغبة في نيل بعض التقدير، وسندان حرية التعبير وهو الأمر الذي يطرح إشكالية أخرى وهي عدم فوز بعض الأسماء الكبرى في عالم الكتابة بينما يفوز آخرون بعدة جوائز، مثلما ألمحت ميرال الطحاوي.

ترى الكاتبة البرازيلية أدريانا ليسبوا الحصلة على جائزة "خوسيه ساراماغو" للأدب عام 2003، أن الجائزة الأدبية "تضع دائما بعض الضغط عليك - أي جائزة، وفي أي مجال فني. يتعلق الأمر أحيانا بتلبية توقعاتك الخاصة وكذلك توقعات الجمهور والنقاد بعد ذلك. لكنه شيء نتعلم في النهاية التخلي عنه، بشكل مثالي، عندما ننضج كفنانين وكتاب. نظرا لأن الفنان ليس 'جاهزا' أبدا، فلا يوجد خط نهاية، لذلك علينا أن نواصل عملنا ونجد مسارات جديدة وتجارب جديدة. وإلا فإننا نصبح مجرد رسوم كاريكاتورية لأنفسنا، نحاول تقليد كتاب أو عمل فني معين لنا لقي الإشادة به في الماضي".

ليست الجوائز العربية وحدها المتهمة بالتحيز وانعدام المعايير الواضحة، إذ إن جائزة "خوسيه ساراماغو" التي أطلقت نسختها الأولى عام 1998 لتحمل اسم الأديب البرتغالي الحاصل على جائزة نوبل، تلقى النقد أحيانا بسبب محدودية معيارها كونها تُمنح للأعمال المكتوبة باللغة البرتغالية فقط، وهو الشرط نفسه للتقدم لجائزة نجيب محفوظ، لذلك ليس للجائزة "ثقل عالمي".

الفوز طعمه لذيذ وحلو، سرعان ما تتبين مرارته في مشروع الكاتب المستقبلي، لذلك أعرف الكثير من الكتاب الذين عزفوا عن المشاركة في الجوائز خوفا من تقييد الفوز لحريتهم في الإبداع

غيد آل غرب

خطط

غيد آل غرب

وبالعودة إلى مسألة هل تشكّل الجوائز خطرا على الحرية الإبداعية، لجهة أنها تفرض نمطا معينا لما هو مقبول وما هو غير مقبول، وهل يمكن أن يغيّر الكاتب خططه الكتابية أو طبيعة عمله، لكي يصبح أكثر تأهيلا للفوز بهذه الجائزة أو تلك؟

تقول الكاتبة العراقية غيد آل غرب: "أنا غالبا من الكتاب الذين يخططون لكل عمل يكتبونه، لا أترك الأمر للمصادفات، بالتأكيد تخرج الحبكة "أحيانا" لتدخل إلى عوالم داخل ذاكرتي فتخرج منها مشاهد أستخدمها في الرواية ولكن أحاول قدر الامكان أن ألتزم بخطة الرواية. عادة لا أخطط للنهاية وإنما أثناء عملية الكتابة اقترح عدة نهايات أختار النهاية التي أراها بعيدة عن توقعات القارئ فأنا قارئة قبل أن أكون كاتبة". 

وترى الكاتبة الحاصلة على جائزة "كتارا" لعام 2021 عن روايتها "سكرة مزامير الدم"، أنه "بعد الفوز بالجائزة تتعقد عملية الكتابة ويكون الكاتب تحت ضغط اللقب، دائما عند الكتابة يتردد سؤال هل ستكون هذه الرواية أفضل من الرواية الفائزة أو على الأقل بمستواها، مثلا بدأت من قبل إعلان فوز روايتي بمشروع رواية جديدة، وصلت بها لثلاثين ألف كلمة، ضاعت الرواية في دهاليز الحاسوب للأسف ولم أجدها، لكنني وجدت في ذلك فرصة لإعادة بناء الرواية والكتابة بتأنّ، حتى الآن لم أكمل عشرة آلاف كلمة والرواية ما زالت في بدايتها. نعم الفوز طعمه لذيذ وحلو، سرعان ما تتبين مرارته في مشروع الكاتب المستقبلي، لذلك أعرف الكثير من الكتاب الذين عزفوا عن المشاركة في الجوائز خوفا من تقييد الفوز لحريتهم في الإبداع".

 

هناك موضات أو ترندات، لكن أن يتأثر كاتب ما بجائزة فينحو مناحي أخرى مغايرة لأهدافه من البداية، فهذا أمر لم أجربه شخصيا، البعض يقول إن الشهرة تُغير الإنسان ولكنني منذ البداية اخترت كلمة 'الجدية' لأصف نوعا معينا من الكُتاب

وجدي الكومي

الكتابة الجادة

وجدي الكومي

من جانبه، يعتقد الكاتب المصري وجدي الكومي الحاصل على جائزة مؤسسة الفكر العربي عام 2016 عن روايته "إيقاع"، أن "الكتابة الجادة هي العامل الأقوى الذي يفرض نفسه باستمرار على الكاتب، والجدية هنا لديها معان كثيرة، على رأسها اهتمام الكاتب بما يقدّمه كل مرة، هل تكتمل ملامح مشروعه الأدبي مع كل قطعة يضيفها إليه؟ هل يعتني بالبحث؟ هل يطور أسلوبه؟ هل يقتحم مناطق جديدة لم يطأها في أعماله الأسبق؟".

وانطلاقا من هذه الهواجس، يرى الكومي أن الجوائز الأدبية "تظل دائما حدثا عارضا، وسواء حصل الكاتب على جائزة أم لم يحصل عليها، فلا يجب أن يفرض هذا تغييرا نوعيا كبيرا على مشروعه. هناك بالتأكيد موضات أو ترندات كتابة لكن أن يتأثر كاتب ما بجائزة فينحو مناحي أخرى مغايرة لأهدافه من البداية، فهذا أمر لم أجربه شخصيا، البعض يقول إن الشهرة تُغير الإنسان ولكنني منذ البداية اخترت كلمة 'الجدية' لأصف نوعا معينا من الكُتاب".

كان الكومي محظوظا لارتباط اسمه بجائزة "الإبداع العربي" والتي أعلن القائمون عليها تعليق برامج جائزة الفكر العربي عام 2018 بكل فروعها بغرض التطوير ولكنها لم تفتح باب الترشح لأي من فروعها منذ ذلك الحين.

font change

مقالات ذات صلة