نزيف "داعش" مستمر رغم تغيير اماكن نشاطه

تصفية الزعيم الرابع للتنظيم الارهابي خلال 22 شهرا

سجناء يشتبه بانتمائهم الى "داعش" في سجن بالحسكة في اكتوبر 2019. (أ ف ب)

نزيف "داعش" مستمر رغم تغيير اماكن نشاطه

أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في بيان صدر في وقت متأخر من مساء الأحد 30 أبريل/ نيسان، مقتل الزعيم العالمي لـ"داعش"، أبو الحسين القرشي، في عملية استخباراتية تركية جرت شمالي سوريا يوم السبت 29 أبريل/نيسان. ويبدو أن عناصر سرية من جهاز الاستخبارات التركي كانوا يتابعون زعيم تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في حركاته وسكناته منذ عدة أسابيع.

وإذا ما تأكّدت مزاعم تركيا، فسيكون هذا ثالث زعيم لتنظيم داعش يُقتل خلال 14 شهرا– مما يضع قيادة التنظيم الإرهابي في جميع أنحاء العالم تحت ضغط جدي غير مسبوق. ولكن للقصة وجها آخر، ففي خضم موسم الانتخابات في تركيا الذي وصل إلى ذروته، يبدو أن مثل هذا الإنجاز في مكافحة الإرهاب سيمنح أردوغان ورقة لعب جديدة لاستغلالها، ولا سيّما على ضوء التقارير التي وردت بأن هجوما بمسيّرة تركية في 29 أبريل/نيسان وقع بالقرب من كوباني وقتل عبد الله صبري الرئيس المزعوم لمخابرات "وحدات الحماية الشعبية" (YPG).

Getty Images
المنزل الذي قتل فيه الجنود الاميركيون زعيم "داعش" الاسبق ابو ابراهيم الهاشمي القرشي قرب ادلب في سوريا في الثالث من فبراير 2022

ووفق مصادر سورية معارضة في منطقة جنديرس، فقد أغلقت قوات النخبة التابعة للاستخبارات التركية في مساء يوم 28 أبريل/ نيسان الطرقِ الرئيسة المؤدية إلى مجمع شمالي البلدة الواقع في منطقة ريفية والمحاط بأشجار الزيتون من كل صوب. وحاصرت القوات المجمع قبل أن تأمر كل سكانه بالاستسلام. ولكن سرعان ما اندلعت اشتباكات عنيفة، نجمت عن إطلاق نار من داخل المجمع. بعد وقت قصير فجّر أبو الحسين القرشي نفسه في غرفة الاستقبال الأمامية المواجهة للبوابات الرئيسة للمجمع. أبقت القوات التركية المجمع مغلقا ومنعت الدخول والخروج منه وإليه طوال اليوم التالي، حيث كانت تجمع الأدلة من المبنى.

لا يُعرف أي شيء تقريبا عن هوية أبو الحسين، ولم يزدْ الإعلان الرسمي لتنظيم داعش حين أُعلن استخلافه في قيادة التنظيم أواخر نوفمبر/تشرين الثاني 2022، عن زعم الجماعة الإرهابية فقط أنه كان من "قدامى المحاربين في الجهاد". ويُعتقد أنه عراقي، ولكن لا تتوفّر أي معلومات أخرى عنه.

ولا يعكس مثل هذا المستوى من الغموض قدرة داعش على إخفاء قادته، بقدر ما يعكس الضغط الشديد الذي مورس على قيادته في السنوات الأخيرة؛ ففي أكتوبر/تشرين الأول 2019، قُتل زعيم تنظيم الدولة الإسلامية سيء السمعة أبو بكر البغدادي، شمال غربي سوريا، ثمّ قُتل خليفته أبو إبراهيم القرشي في فبراير/شباط 2022، ليتبعه خليفته أبو الحسن القرشي، بعد ثمانية أشهر فقط جنوبي سوريا في أكتوبر 2022، ما مهّد إلى صعود أبو الحسين إلى قيادة التنظيم. ولعل ما يزيد الضغط على أعلى مستويات قيادة داعش هو الحملة المستمرة التي تخوضها القوات الأميركية وقوات سوريا الديمقراطية ضدّ الكوادر والقيادات العملياتية الوسطى لتنظيم داعش، ما وضع التنظيم، على مدار العام الماضي، تحت ضغط كبير.

 

لا يُعرف أي شيء تقريبا عن هوية أبو الحسين، ولم يزدْ الإعلان الرسمي لتنظيم داعش حين أُعلن استخلافه في قيادة التنظيم، عن زعم الجماعة الإرهابية فقط بأنه من "قدامى المحاربين في الجهاد"

ولكن هناك ما هو أكثر من اختبار قدرة داعش على الاحتفاظ بالقيادة والسيطرة على مئات الخلايا التابعة له في جميع أنحاء سوريا والعراق، حيث أدى الضغط الحاد على الهياكل القيادية إلى نشوء التوترات داخل التنظيم. ووفقا لتسريبات من الداخل، فقد تطور الهيكل التشغيلي لتنظيم داعش عامي 2021 و2022، ففصل بين الأنشطة في العراق التي يسيطر عليها "مكتب" منفصل عن أنشطة سوريا ولبنان وتركيا. وأدى إنشاء هذين المكتبين المتميزين، المعروفين، على التوالي، باسمي "بلاد الرافدين"، و"الأرض المباركة"، إلى إلغاء التخطيط المركزي والمنسق عبر حدود البلاد. 

AP
عناصر من "داعش" في عرض اقاموه في مدينة الرقة السورية في 2014

وحسب بعض المصادر، فإن تعيين الزعيمين الأخيرين للتنظيم، أبو الحسن وأبو الحسين، تم إقراره من "مكتب الأرض المباركة"، دون التشاور مع "مكتب بلاد الرافدين" في العراق، الموطن الأساس لقوى داعش. كما جرى التخطيط لعدد من الهجمات والمؤامرات البارزة لداعش، بما في ذلك هجوم يناير/كانون الثاني 2022 على سجن غويران في الحسكة، من قبل "مكتب الأرض المباركة"، دون مداخلات من هياكل قيادة داعش في العراق، على الرغم من أن التقارير تفيد بأن "مكتب العراق" يضمّ نخبة من كبار القادة المتوارين. وقد تكون هذه التوترات الهيكلية وعدم الاتساق في التخطيط التشغيلي مشكلة في حد ذاتها، ولكن عندما يقترن ذلك بالتدهور الشديد في الشخصيات القيادية، فلا بدّ أن داعش في حالة سيئة فعلا.


يبقى لداعش نجاحاته الكبيرة في الخارج، وبخاصة في أفريقيا، ويبقى له مصدر وحيد آخر للتفاؤل في المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري. والحال أنه منذ أن أوقِعت الهزيمة الإقليمية لداعش في قرية الباغوز أوائل عام 2019، حافظت الجماعة الإرهابية على مستوى ثابت من العمليات في البادية التي يسيطر عليها النظام السوري. وقد وسع داعش بشكل ملحوظ، على مدى الاثني عشر شهرا المنصرمة، من نطاق عملياته في البادية الممتدة على مساحات شاسعة من حماة وحمص والرقة ودير الزور، والأخطر أنه أعاد تأسيس وجود مميت له في درعا جنوب البلاد. 


والخلاصة أن داعش الذي يجاهد بصعوبة للتعامل مع ضغوط مكافحة الإرهاب في العراق وشمال شرقي سوريا، عاد يسيطر على أراضٍ في مناطق الأسد. ومؤخرا فقط، أوقع داعش الهزيمة بهجوم مضاد من قبل الجيش السوري وقوات الدفاع الوطني ومجموعة فاغنر والقوات الجوية الروسية دام لمدة ستة أشهر.
 

وفقا لتسريبات من الداخل، فقد تطور الهيكل التشغيلي لتنظيم داعش عامي 2021 و2022، ففصل بين الأنشطة في العراق التي يسيطر عليها "مكتب" منفصل عن أنشطة سوريا ولبنان وتركيا.

يبقى القول إن الوتيرة المتسارعة لنزيف القادة في داعش ومدى تداخله البنيوي يجعلان من المستحيل التنبؤ بمن قد يخلف أبو الحسين كقائد لداعش. ومع ذلك، على الرغم من الظروف الصعبة للجماعة في العراق ومعظم سوريا، فلا يزال التنظيم الإرهابي قويا في الخارج– ولا سيما في أفغانستان ونيجيريا، وكذلك في أماكن مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية وموزمبيق ومصر ومالي والصومال.

ولكن يمكن القول ببعض الثقة إنه عندما أصبح أبو الحسين زعيما في نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، بايعته عشرات وحدات وخلايا داعش حول العالم، وجرى ذلك في غضون ثلاثة أسابيع. فإذا افترضنا أنه قُتل بالفعل مؤخرا، فيمكن أن نتوقع تكرار الأمر نفسه مع خليفته أيضا.

font change