غزة: تمارين على حرب لن تقع

غزة: تمارين على حرب لن تقع

هي أحداث أمنية يومية. قتيلان في جنين في اقتحام القوات الإسرائيلية لبلدة قباطية. و15 ضحية بينهم أطفال في غزة جراء قصف إسرائيلي قتل فيه ناشطون وأطفال واعتبرته وسائل الإعلام "جريمة حرب" تضاف إلى سابقاتها لتُنسى كأنها لم تكن.

مبارزة بين إسرائيل والفصائل. "حرب عقول وإرادات" في عملية جديدة أطلقت إسرائيل عليها اسم "السهم الواقي" وهي ربما من العلامات على تضاؤل الاهتمام بهذا النوع من الصدامات بين حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي" في غزة من جهة، وقوات الاحتلال، من الجهة المقابلة.

عاد الهدوء النسبي والحذر إلى القطاع واستؤنف ما يشبه الحياة في جنين وجوارها. وذهب الأموات إلى موتهم والأهل إلى فجيعتهم. لا جديد.

مبارزة بين إسرائيل والفصائل. "حرب عقول وإرادات" في عملية جديدة أطلقت إسرائيل عليها اسم "السهم الواقي" وهي ربما من العلامات على تضاؤل الاهتمام بهذا النوع من الصدامات

تدخلت جهات خارجية لوقف إطلاق النار. وكرر رئيس الوزراء الإسرائيلي تحذيره إلى "أعدائنا" بعدم العبث "بأمننا". فصل إضافي من مأساة النكبة التي تقترب ذكراها الخامسة والسبعون. 

يصح ترك أعمال القتل وردود الفعل عليها من دون تعليق، كما بات يفعل حتى من اتخذ من إصدار بيانات الإدانة والتنديد بالاعتداءات الإسرائيلية مهنة له ومصدر رزق. فالجولة الأخيرة من القصف لن تقدم شيئا ولن تؤخره في المسار المسدود الحالي للقضية الفلسطينية. فما يجري تدريبات "باللباس الكامل" على حرب شاملة– لن تقع- بين إسرائيل، والقوى المسلحة الفلسطينية ومن يساندها من أطراف "غرفة العمليات المشتركة" الذين انضووا في إطار "وحدة الساحات" التي يرعاها "الحرس الثوري الإيراني".
 
استثنائية الاحتلال الإسرائيلي وتمزيقه النسيج الاجتماعي الفلسطيني والحيلولة، بالتالي، دون استقرار هذا الأخير على حال ينطلق منها في عملية سياسية واقتصادية تراكمية، تسير نحو بنى مؤسساتية تجعل من البديهي توقع ردود فلسطينية متعددة الوجوه والمستويات والأهداف. 

الهجمات الفردية سواء بالسلاح الأبيض أو الناري أو بدهس المستوطنين والجنود الإسرائيليين بالسيارات ستستمر. الجولات العنيفة في غزة وتصاعد دور الجماعات المسلحة الجديدة في الضفة الغربية ستبقى جزءا من المشهد العام. تصاعدها أو غيابها المؤقت مرتبطان بيوميات الاحتلال: تحركات المستوطنين، تصريحات صقور اليمين المتطرف الإسرائيلي، محاولات اقتحام المسجد الأقصى، تصفيات الناشطين... إلخ. 

بيد أن ذلك كله سيدخل كرقم مهمل ذي تأثير هامشي في المسار العام للأمور. ذلك أن التغيرات العميقة والصامتة التي شهدتها القضية الفلسطينية في الأعوام العشرين الماضية، تجعل الصدامات الأمنية والمسلحة، عنصرا لا أكثر على الطريق الذي يمضي الصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين عليه. 
 

استثنائية الاحتلال الإسرائيلي وتمزيقه النسيج الاجتماعي الفلسطيني والحيلولة، بالتالي، دون استقرار هذا الأخير على حال ينطلق منها في عملية سياسية واقتصادية تراكمية، تسير نحو بنى مؤسساتية تجعل من البديهي توقع ردود فلسطينية متعددة الوجوه والمستويات والأهداف


من العلامات على الطريق المذكور، نهاية حل الدولتين الذي كان محور عملية السلام في تسعينات القرن الماضي ويقابل تلك النهاية استعصاء قيام دولة ثنائية فلسطينية– يهودية بسبب الذعر من ذوبان اليهود في مدّ سكاني فلسطيني مفترض. 

وبين استحالة حل الدولتين واستحالة الدولة ثنائية القومية (إذا سلمنا جدلا بأن اليهود قومية كما خلص إليه الفكر المتأثر بآيديولوجيات القرن التاسع عشر الأوروبية)، يستمر تعفن القضية الفلسطينية بين حامليها الحاليين من بيروقراطيي السلطة في رام الله، وحكام غزة المسلحين والسعداء في عزلتهم مع مليون ونصف المليون رهينة، لا تتردد إسرائيل في قتل البعض منهم عندما تواتيها الفرصة. 

بكلمات ثانية، ما لم يبتكر الفلسطينيون برنامجا يخرج قضيتهم من إهمال قياداتهم بالدرجة الأولى وقبل الاحتجاج على تجاهل العالم و"خيانة العرب" لقضية لم تعد مركزية وفق أي حساب أو نظر، ستبقى سياسة فرض الأمر الواقع الإسرائيلية التي تتمثل في مئات المستوطنات والجدار العازل والمعابر هي الطرق الالتفافية التي صممت بعناية لمنع أي تواصل فلسطيني. 

بين استحالة حل الدولتين واستحالة الدولة ثنائية القومية، يستمر تعفن القضية الفلسطينية بين حامليها الحاليين من بيروقراطيي السلطة في رام الله، وحكام غزة المسلحين والسعداء في عزلتهم

ومن دون السعي إلى تكرار لا لزوم له عن استمراء القيادات الفلسطينية لحال الانقسام ولغياب البرنامج الوطني وللألفة مع "ألقاب مملكة في غير موضعها" تعوض عن الغياب الحقيقي لأي إنجاز سياسي فلسطيني ملموس، يصح توقع تواصل الهجمات الفلسطينية في أراضي الـ48 والضفة وغزة، والردود الدموية الإسرائيلية فيما قد يبدو كدائرة مقفلة لا مخرج منها، في حين أنها تمثل، في حقيقة الأمر، تراكما بطيئا لكنه ثابت في اتجاه حل سيعكس موازين القوى– وهذه ليست في مصلحة الفلسطينيين، بداهة- وقد لا يحظى بحفل في حديقة البيت الأبيض على غرار ذلك الذي حظي به اتفاق أوسلو قبل نحو من ثلاثين عاما. 

font change