الضربات الجوية لن تنهي وحدها تجارة المخدرات في سوريا

تقدر قيمة الكبتاغون بنحو 5.7 مليار دولار في السنة، وهو جزء مربح من اقتصاد الحرب في سوريا

الضربات الجوية لن تنهي وحدها تجارة المخدرات في سوريا

في 8 مايو/أيار، استهدفت غارتان جويتان مواقع ذات صلة بصناعة المخدرات وتهريبها في المنطقة الحدودية بين سوريا والأردن، فأجهزت على أحد المهربين البارزين الذي قضى هو وعائلته. ورغم استمرار العمليات العسكرية في سوريا لأكثر من عقد من الزمان، كان لهذه الضربات الجوية حصّة أكبر من الاهتمام لكونها الأولى من نوعها التي يتم الكشف عنها. وهي تشير إلى تحول في استراتيجيات المشاركة ضد شبكات الإتجار بالمخدرات في سوريا. سنحتاج إلى بعض الوقت لنرى مدى تأثير هذه الضربات الجوية على حجم تهريب المخدرات من سوريا إلى المنطقة المحيطة.

ومع ذلك، فثمة شكوك حول فعالية التدابير المخصصة في إحداث تغييرات كبيرة، بالنظر إلى مشاركة النظام الكبيرة في تسهيل تجارة المخدرات غير المشروعة.

يبدو أن الهجمات قد رُتِّبت ليكون لرسائلها وقْع أكبر، حيث استهدف منزل مرعي الرمثان في قرية الشعاب جنوب شرقي السويداء، ما أدى إلى مقتله مع زوجته وأولاده الستة. وذكرت مصادر محلية لكاتب هذه السطور أن الجهة المسؤولة كانت على دراية بإمكانية وقوع إصابات بشرية، بمن في ذلك مدنيون.

ثمة شكوك حول فعالية التدابير المخصصة لإحداث تغييرات ملموسة، بالنظر إلى المشاركة الكبيرة للنظام السوري في تسهيل تجارة المخدرات غير المشروعة


هذه الرسالة موجهة للمهربين بأن الاختباء بين المدنيين لن يحميهم. أما الغارة الجوية الثانية فأصابت محطة تحلية فارغة غرب درعا كانت تستخدم سابقاً لتسهيل تهريب المخدرات إلى الأردن. والرسالة الواضحة هنا أن من وراء القصف لن يحجموا عن استهداف منشآت المخدرات حيثما وجدت، بما في ذلك تلك المخبأة في المباني الحكومية. وتأتي شهرة مرعي الرمثان المتورط في تهريب المخدرات إلى الأردن بالتنسيق مع النظام لتجعل هذه الرسالة أكثر وضوحا: لن يستطيع النظام حماية مهربي المخدرات، مهما حاول.

وذكرت التقارير أن الأردن هو من قام بالضربات الجوية. والمعروف أن الأردن هو مستقرّ لنشر الكبتاغون وطريق عبور له إلى دول الخليج. ويصنع الكبتاغون في سوريا من مادة أمفيتامين الرخيصة ثمّ يهرب منها إلى كل دول الجوار. سوى أن وزير الخارجية الأردني رفض تأكيد أن بلاده هي من نفّذ الضربتين، مشيرا إلى أن الأردن سوف يعلن عن أي إجراءات يتخذها عند قيامه بذلك.

مع ذلك، من المحتمل أن تكون الغارات الجوية نتيجة التوتر بين الأردن والنظام السوري، فقد وقعت الغارات الجوية بعد أيام فقط من تهديد وزير الخارجية الأردني بالقيام بعمل عسكري داخل سوريا إذا فشلت دمشق في اتخاذ تدابير فعالة لكبح التهريب. وإذا صحّ ذلك، فيمكن اعتبار أن الضربات هدفت إلى إرسال رسالة بصوت عالٍ، وإن تكُ غير رسمية إلى حد ما، إلى دمشق، لفعل المزيد، إذا كانت لا تريد لعمّان أن تلعب دورا أكبر بشكل مباشر. بعبارة أخرى، بدأت المملكة تفقد صبرها مع النظام السوري وما عادت تضع أي وزن لوعود الأسد.

من المحتمل أن تكون الغارات الجوية نتيجة التوتر بين الأردن والنظام السوري، فقد وقعت الغارات الجوية بعد أيام فقط من تهديد وزير الخارجية الأردني بالقيام بعمل عسكري داخل سوريا إذا فشلت دمشق في اتخاذ تدابير فعالة لكبح التهريب


ومع ذلك، فثمة أيضا احتمال ضئيل بأن الضربات الجوية الأخيرة كانت نتاجا لزيادة التعاون بين سوريا والأردن، كجزء من الجهود الإقليمية المستمرة لإعادة سوريا إلى محيطها العربي. وكانت سوريا تعهّدت، في وقت سابق من هذا الشهر، بالتصدي لتهريب المخدرات عبر حدودها مع الأردن والعراق بعد اجتماع لوزراء الخارجية العرب في عمان. كما وافقت دمشق على التعاون مع الأردن والعراق لتشكيل فرق سياسية وأمنية مشتركة لتحديد مصادر إنتاج المخدرات وعمليات التهريب والجهات التي تنظمها وتديرها عبر الحدود.

ولكن حتى لو كانت الغارات الجوية قد تمّت نتيجة لهذا التعاون، فإن حقيقة تنفيذ دولة أجنبية للهجوم بحدّ ذاتها تقول الكثير عن جدية النظام السوري في مكافحة المخدرات، ذلك أن الهدفين يقعان في مناطق يسيطر عليها النظام السوري، الأمر الذي كان سيسهل استخدام العمليات البرية للقضاء على التهديدات دون وقوع إصابات. ولكن يبدو أن دمشق لم تكن على استعداد للقيام بذلك، وهو ما قد يفسر سبب تنفيذ الضربات الجوية من قبل دولة أخرى.

نجح الأردن في جعل عمليات التهريب إلى أراضيه أشدّ خطورة وأكثر صعوبة من خلال زيادة أمن الحدود. ولكنه لم ينجح في ذلك نجاحا كبيرا ولم ينقطع نشاط مجموعات التهريب أبدا. ومن غير المحتمل أيضا أن يكون للضربات الجوية ضد أهداف مرتبطة بالمخدرات داخل سوريا تأثير كبير، ووفق مصادر على الأرض، فإن تجار المخدرات اختبأوا بعد الهجمات، ونقلوا العديد من عمليات التهريب إلى مواقع أكثر أمانا.

قد تدفع جهود المصالحة مع الدول العربية النظام إلى القيام ببعض العمليات البسيطة، كاعتقال بعض الأشخاص غير الأساسيين في عالم المخدرات واعتراض بعض عمليات التهريب لذرّ الرماد في العيون، ولكن الأرجح أنه لن يتوقف عن الاستمرار في تجارة المخدرات. وتقدر قيمة الكبتاغون، الذي يشكل جزءا مربحا من اقتصاد الحرب في سوريا، بنحو 5.7 مليار دولار في السنة. وحتى لو رغبت بعض الدول في تعويض دمشق عن خسارة تجارة المخدرات، فإن العقوبات المفروضة على النظام تجعل مثل هذه الاتفاقية صعبة التنفيذ.

ومن المرجح أن يؤدي التركيز على ضرب أهداف مرتبطة بالمخدرات داخل سوريا إلى خلق لعبة أخرى لا نهاية لها من لعبة القط والفأر، وهو ما سيتعامل معه النظام وحلفاؤه بسرعة لضمان استمرار تدفق المخدرات.

font change