نفط السودان وشرق أفريقيا ضحية الحروب

جنوب السودان يعتمد على عائدات النفط بنسبة 95 في المئة في موازنته

Ewan White
Ewan White

نفط السودان وشرق أفريقيا ضحية الحروب

بحسب بيانات لإدارة معلومات الطاقة الأميركية، تبلغ الاحتياطات النفطية المؤكدة لدى السودان وجنوب السودان 5 مليارات برميل، لكن الإنتاج ظل راكدا في السنوات الأخيرة على الرغم من الجهود المبذولة لتعزيز الإنتاج من الآبار القديمة ومحاولات يائسة لجذب استثمارات أجنبية في ظل عزوف شركات النفط العالمية، نظرا إلى غياب الاستقرار السياسي والأمني في البلاد.

كان من المفترض أن تبدأ حكومتا البلدين أخيرا بتقديم دفاتر شروط الترخيص للمستثمرين الأجانب لزيادة الإنتاج والإيرادات، حيث تمتلك شركة "بتروناس" الماليزية غالبية الأصول الرئيسية للتنقيب عن النفط في جنوب السودان.

تأثر إنتاج النفط بسبب الحرب

انخفض إنتاج جنوب السودان من النفط الخام الى 150 ألف برميل يوميا، وفقا لتقديرات وكالة "بلاتس" التابعة لـ"ستاندرد أند بورز غلوبل"، في مقابل 350 ألف برميل في اليوم، كان جنوب السودان اعتاد إنتاجها قبل اندلاع الحرب الأهلية في عام 2013 التي دمرت مرافق الإنتاج لمعظم حقول النفط. ومنذ عام 2018، يحاول جنوب السودان إعادة فتح الحقول المدمرة على أمل العودة إلى مستويات الإنتاج التي كانت عليها قبل الحرب.

أما في السودان، ونظرا الى ضآلة الانتاج، فقد لا يثير القتال مخاوف من تأثر إمدادات النفط العالمية، كونه ينتج 60 ألف برميل يوميا فقط، وهو ضمن منتجي تحالف "أوبك بلس". يتم تصدير نفط السودان وجنوب السودان غالبا إلى مصافي تكرير آسيوية في الصين والهند وماليزيا وسنغافورة.

Shutterstock
خزانات غاز في جنوب السودان

كذلك، يعتمد السودان على استيراد المشتقات البترولية لعدم وجود مصافي تكرير تكفي الطلب المحلي. بالتالي، عزز اندلاع الحرب في البلاد المخاوف من تأثر واردات هذه المشتقات، أبرزها البنزين والديزل الأكثر استخداما في السودان وجنوب السودان، حيث وصل الاستهلاك الإجمالي للوقود في البلدين إلى نحو 150 ألف برميل يوميا في عام 2016، وظل عند هذا المستوى تقريبا منذ ذلك الحين. ولا توجد تقارير تشير إلى تأثر البنية التحتية لإنتاج النفط أو تصديره في السودان حتى الآن، منذ اندلاع القتال في 15 أبريل/نيسان المنصرم.

لا تزال صناعة النفط في جنوب السودان تعتمد على الاستثمارات الخارجية وتكافح البلاد من أجل تطوير قطاع نفطي يمكن أن يوفر موطئ قدم اقتصادياً تحتاجه البلاد بشدة، وهي التي تعاني من الفقر

جنوب السودان: نقص الخبرة والخزانات

لا تزال صناعة النفط في جنوب السودان تعتمد على الاستثمارات الخارجية وتكافح البلاد من أجل تطوير وتمويل وتوظيف قطاع نفطي مجد يمكن أن يوفر موطئ قدم اقتصادياً تحتاجه البلاد بشدة، وهي التي تعاني من الفقر. بعد استقلال جنوب السودان، أصبح معظم أكبر حقول النفط يقع في أراضيه بالقرب من الحدود مع السودان، في وقت يفتقر هذا الجنوب إلى الخبرة والمال ويعتمد إلى حد كبير على المساعدات الأجنبية.

لا يمتلك جنوب السودان حاليا أي سعة تخزين كبيرة، ويعتمد على خط أنابيب يمر الى البحر الأحمر عبر الخرطوم لتصدير النفط الخام، بموجب الاتفاق المالي الانتقالي، الموقّع بعد استقلال جنوب السودان في عام 2011، تدفع بموجبه جوبا للخرطوم رسوما لشحن نفطها إلى الأسواق الدولية. وتقع معظم مرافق تخزين النفط الخام والمنتجات المكررة في السودان في مرفأ البشاير البحري على البحر الاحمر، حيث تحتوي محطة البشاير البحرية على مرفق تخزين ومرفق لتصدير النفط ومرفق لاستيراد المشتقات البترولية. هناك اتهامات غير مؤكدة عن تهريب بعض براميل النفط إلى مصفاة التكرير في السودان بدون موافقة جنوب السودان الذي يعتمد على عائدات النفط بنسبة 95 في المئة في موازنته الوطنية. 

على الرغم من بعض التصريحات الصادرة من حكومة جنوب السودان عن شراء أرض في دولة جيبوتي الساحلية الصغيرة لبناء محطة تصدير جديدة، وأخبار أخرى عن خطط لبناء خط أنابيب منفصل من شأنه أن يسمح لجنوب السودان بتصدير النفط الخام إلى ميناء لامو في كينيا الواقعة على الحدود الجنوبية لجنوب السودان لتجنب رسوم العبور وتوفير طريق بديل للصادرات، وعلى الرغم من أن ميناء لامو على الساحل الكيني يعتبر جزءا مهما من شبكة نقل البضائع الإقليمية، إلا أن كل ذلك يبقى غير واضح بسبب عدم توفر التمويل الأجنبي للمشروع خصوصا في ظل عدم الاستقرار السياسي. 
 

أوغندا وكينيا وتنزانيا

وضعت دول شرق أفريقيا، أوغندا وكينيا وتنزانيا، خططا توسعية كبيرة في أنشطة المنبع والمصب لديها، وهي تعتمد جميعها حاليا على واردات المنتجات النفطية لتلبية الطلب المحلي.
من المؤكد أن هذا التوسع يقتصر على استثمارات شركات النفط العالمية من أوروبا والصين وكندا. تُشير التقديرات إلى أن احتياطي النفط على الجانب الأوغندي من بحيرة ألبرت يتراوح بين 3,5 إلى 4 مليارات برميل ونحو ملياري برميل من جانب الكونغو، بينما تصل احتياطات كينيا إلى ما يقرب من مليار برميل من النفط في العديد من حقول النفط في شمال البلاد. كما أن احتياطات تنزانيا من الغاز الطبيعي تقدر بـنحو خمسة تريليونات متر مكعب بحسب "رويترز"، لكن ستكون هناك حاجة إلى استثمارات ضخمة للمضي قدما في تطوير مشاريع الإنتاج ومرافق النقل والتصدير والتكرير. إلا أن عدم الاستقرار السياسي والأمني في كل من دول شرق أفريقيا، سيؤدي إلى إعادة نظر شركات النفط العالمية في الاستثمار.

وضعت دول شرق أفريقيا، أوغندا وكينيا وتنزانيا، خططا توسعية كبيرة في أنشطة المنبع والمصب لديها، وهي تعتمد جميعها حاليا على واردات المنتجات النفطية لتلبية الطلب المحلي

غيتي
عمال شركة "ZPEB" الصينية قرب منصة الحفر في حقل نفط في أعالي النيل في السودان

تشير بيانات صادرة قبل جائحة كوفيد-19 إلى وجود أكثر من 140 مليون شخص لا يحصلون على الكهرباء في دول شرق أفريقيا. لذلك، هناك سوق واعد لاستهلاك متزايد للمنتجات البترولية المكررة لتوليد الكهرباء، خاصة وقود الديزل. إلا أن نقص الاستثمارات وبطء التوسع الحضري في بعض البلدان في المنطقة سوف يُقيد نمو السوق هناك ويفاقم عجز الطاقة. هذا بالاضافة إلى معاناة مواطني دول شرق أفريقيا من استمرار ارتفاع أسعار المنتجات البترولية محليا إلى مستويات فلكية حتى مع انخفاضها عالميا.

font change