المنظمات اليهودية المتطرفة...هل تُصنف ميليشيات؟

عنف عشوائي أم هجمات منظمة

Reuters
Reuters
سيارات محترقة بعد هجوم لمستوطنيين متطرفين على بلدة حوارة بالضفة الغربية المحتلة، في 27 فبراير 2023.

المنظمات اليهودية المتطرفة...هل تُصنف ميليشيات؟

عندما هاجم مئات من المستوطنين المتطرفين بلدة حوارة بالضفة الغربية المحتلة في فبراير/شباط الماضي، في أعقاب مقتل مستوطنين اثنين، اعتقد سكانها أنهم سيُحرقون أحياء.

لم يكن الحادث جديدًا، إذ كانت البلدة هدفًا لحرائق متعمدة دبرتها مجموعات من المستوطنين بشكل متكرر. لكن حجم الهجوم الأخير كان غير مسبوق، بحسب شهود عيان.

والأسوأ من ذلك، دعا وزير كبير في الحكومة الحالية بقيادة اليمين المتطرف، هو وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، إلى "محو" حوارة من الوجود، في حين قال شهود عيان إن تقاعس الشرطة والجنود الإسرائيليين لم يكن جديدًا في "سياسة ممنهجة" للجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة.

ولا عجب أن سكان البلدة يعيشون حالة من الذعر. فإذا قمت بزيارة منزل هناك أو منازل أخرى في القرى والبلدات المحاطة بالمستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة، يمكنك بسهولة معاينة التدابير الوقائية والاحترازية الفلسطينية، خاصة كاميرات المراقبة والأسلاك الشائكة، بينما دفع الخوف سكانا إلى تشكيل فرق محلية لحراسة أحيائهم.

وفي مسرح الجريمة، غالبًا ما تُنقش جدران بعض البيوت بكلمات عبرية تعني "تدفيع الثمن". وهذه هي الرسالة التي يريد المستوطنون المتطرفون إرسالها للفلسطينيين بأنهم سيدفعون ثمناً باهظاً بشكل جماعي ردا على هجمات من فلسطينيين أو لمعارضتهم التوسع في المشروع الاستيطاني.

غالبًا ما تُنقش جدران البيوت بكلمات عبرية تعني بالعربية "تدفيع الثمن". هذه هي الرسالة التي يريد المستوطنون المتطرفون إرسالها للفلسطينيين بأنهم سيدفعون ثمناً باهظاً بشكل جماعي ردا على هجمات من فلسطينيين أو لمعارضتهم التوسع في المشروع الاستيطاني


وألقت حادثة حوارة، والاعتداء على فلسطينيين مقدسيين في 18 من الشهر الجاري فيما تسمى "مسيرة الأعلام" في الحي الإسلامي بالقدس الشرقية، والعبارات العنصرية التي تتردد خلالها مثل "الموت للعرب"، الضوء على سلوك اليهود المتطرفين في إسرائيل وعنفهم.

ويؤيد هؤلاء المتطرفون مشروع الاستيطان ويريدون الاستيلاء على المزيد من الأراضي الفلسطينية بقدر المستطاع في الضفة الغربية المحتلة. وتعتبر المستوطنات الإسرائيلية غير شرعية بموجب القانون الدولي. واليوم، يعيش أكثر من 700 ألف مستوطن في حوالي 300 مستوطنة وبؤرة استيطانية في الضفة الغربية، أي بمعدل سبعة أضعاف عددهم في التسعينات تقريبا. وتسعى المنظمات اليهودية المتطرفة إلى بسط السيطرة الجغرافية والديموغرافية على الضفة الغربية وتهويدها.

ووفقًا لتقرير حديث لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، كان عام 2022 هو العام السادس على التوالي الذي يشهد زيادة مطردة في عدد هجمات المستوطنين الإسرائيليين وجرائم الكراهية في الضفة الغربية المحتلة. وشن المستوطنون المتطرفون أكثر من 800 هجوم على الفلسطينيين وممتلكاتهم العام الماضي، مقارنة بـنحو ​​200 هجوم عام 2009.

وتشمل أعمال العنف: الضرب، وإلقاء الحجارة، والتهديد، وإحراق الحقول، وإتلاف الأشجار والمحاصيل، وسرقة المحاصيل، واستخدام الذخيرة الحية، وإتلاف المنازل والسيارات، وفي حالات نادرة القتل.

وقتل مستوطنون متطرفون في الماضي فلسطينيين لم يشكلوا تهديدًا لهم، بما في ذلك مصلون في مسجد، وأفراد عائلة مع رضيعهم البالغ من العمر 18 شهرًا، فضلا عن اختطاف فتى فلسطيني من القدس الشرقية المحتلة وحرقه حيا، كما اتُّهم بعضهم بالتخطيط لتفجير المسجد الأقصى.

اقرأ أيضا: نقاش أخلاقي في ذكرى نكبة فلسطين

قتل مستوطنون متطرفون في الماضي فلسطينيين لم يشكلوا تهديدًا لهم، بما في ذلك مصلون في مسجد، وأفراد عائلة مع رضيعهم البالغ من العمر 18 شهرًا، فضلا عن اختطاف فتى فلسطيني من القدس الشرقية المحتلة وحرقه حيا، كما اتُّهم بعضهم بالتخطيط لتفجير المسجد الأقصى

عنف عشوائي أم هجمات منظمة

يشير تصاعد أعمال العنف، التي يشنها مستوطنون، إلى أن الأيديولوجية المتطرفة محفز أساسي لهم، إذ إن هدفهم هو إشعال حرب دينية بين الإسرائيليين والفلسطينيين، مسلمين ومسيحيين على حد سواء، لأنهم يعتقدون أن العرب ليس لديهم الحق في العيش في ما يعتبرونه "أرض إسرائيل".

ويتأثر هؤلاء المتطرفون بأفكار وخطب وكتابات بعض رجال الدين المتطرفين مثل الحاخام يتسحاق شابيرا، الذي دعا في كتاب صدر عام 2009 بعنوان "توراة الملك"، إلى قتل غير اليهود، بمن فيهم الأطفال، إذا كانوا يشكلون تهديدًا على دولة إسرائيل وشعبها.

وينتمي بعضهم إلى جماعات ومنظمات متطرفة، من بينها "شباب التلة"، و"الجيش اليهودي السري"، و"غوش إيمونيم السرية"، و"لاهافا"، و"كاخ". وتستند أيديولوجيتهم على فكرة استبدال الدولة بما يسمونه "المملكة اليهودية".

Reuters
امرأة فلسطينية وابنتها في شرفة منزلهما المحصنة بحاجز حديدي في بلدة حوارة بالضفة الغربية المحتلة.

ويعد المستوطن العنصري باروخ غولدشتاين أحد أبرز وجوه تلك المنظمات المتطرفة. وفي عام 1994، قتل غولدشتاين 29 مصليا وجرح أكثر من 100 في الحرم الإبراهيمي بمدينة الخليل في الضفة الغربية المحتلة خلال شهر رمضان، قبل أن يهاجمه مصلون ويجهزوا عليه. وكان غولدشتاين من مؤيدي منظمة "كاخ"، بزعامة الحاخام المتطرف مائير كاهانا، والتي حظرتها إسرائيل وصنفتها كمنظمة إرهابية بعد الهجوم.

ولا توجد إحصائيات إسرائيلية رسمية لعدد المنتسبين والداعمين لتلك الجماعات والمنظمات. وتقول السلطات الإسرائيلية إن تلك الجماعات الاستثناء وليست القاعدة في المجتمع الإسرائيلي، وشجبت من قبل أعمال عنف استهدفت فلسطينيين في بيانات رسمية، كما قضت محكمة إسرائيلية عام 2020 بالسجن المؤبد ثلاث مرات لمستوطن، يدعى عميرام بن أوليئيل، لقتله رضيعا فلسطينيا ووالديه من عائلة دوابشة، عندما ألقى قنابل حارقة على منزلهم في قرية دوما بالضفة الغربية المحتلة، قبل ثماني سنوات.

لكن نشطاء حقوقيين فلسطينيين وإسرائيليين يتهمون الجيش الإسرائيلي، الذي يحتل الضفة الغربية، ويسيطر عليها، بغض الطرف عن هجمات المستوطنين المتكررة، وغالبًا ما يُطلق سراح المشتبه بهم بعد فترة وجيزة من اعتقالهم.

ويقول مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة (بتسيلم) في تقرير حديث: "ينتهج الجيش الإسرائيلي سياسة عدم الدخول في مواجهة مع المستوطنين العنيفين، على الرغم من أن لجنوده سلطة عليهم".

ويضيف التقرير: "كقاعدة عامة، يفضل الجيش إبعاد الفلسطينيين عن أراضيهم الزراعية، بدلاً من مواجهة المستوطنين، باستخدام تكتيكات مختلفة مثل إصدار أوامر باعتبار إحدى المناطق منطقة عسكرية مغلقة، أو إطلاق الغاز المسيل للدموع أو القنابل الصوتية أو الرصاص المغطى بطبقة من المطاط، وحتى الذخيرة الحية. وفي بعض الأحيان، يشارك جنود في هجمات المستوطنين أو يقفون كالمتفرجين".

كقاعدة عامة، يفضل الجيش إبعاد الفلسطينيين عن أراضيهم الزراعية، بدلاً من مواجهة المستوطنين، باستخدام تكتيكات مختلفة مثل إصدار أوامر باعتبار إحدى المناطق منطقة عسكرية مغلقة، أو إطلاق الغاز المسيل للدموع أو القنابل الصوتية أو الرصاص المطاطي، وحتى الذخيرة الحية. وفي بعض الأحيان، يشارك جنود في هجمات المستوطنين أو يقفون كالمتفرجين

مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة (بتسيلم)

وفي تحليل لصحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، أثارت طالبة الدكتوراة في جامعة نوتردام، هانا باغدانوف، تساؤلًا حول ما إذا كانت تلك الجماعات القومية المتطرفة هي "ميليشيات موالية للحكومة".

وترفض الباحثة التغطية الإعلامية لهجمات المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة على أنها "عنف عشوائي" وتقول إن بحثها يشير إلى أن الهجمات تعتبر "جهودًا منظمة مع سبق الإصرار والترصد".

وتضيف في مقالها أن كثيرا من هجمات المستوطنين الأخيرة تبدو متعمدة، "ومن عمل جماعات متطرفة معروفة. وهذا يتعارض مع تعريفات عنف الغوغاء، إذ تتشكل مجموعات العنف العشوائي بشكل تلقائي وتفتقر إلى هيكل تنظيمي واضح".

وتقول الباحثة: "إن قاعدة بيانات "الميليشيات الموالية للحكومة" تصنف المستوطنين المتورطين في أعمال عنف على أنهم ميليشيا موالية للحكومة، ولها ارتباط شبه رسمي بالجيش".

و"الميليشيات الموالية للحكومة" مشروع استقصائي مستقل يشرف عليه أساتذة في جامعات أوروبية بقيادة جامعة مانهايم الألمانية.

ومع وجود حكومة جديدة مؤيدة للاستيطان في سدة الحكم بإسرائيل اليوم، هناك مخاوف من أن تشهد الضفة الغربية المحتلة مزيدا من أعمال عنف ضد الفلسطينيين، خاصة الذين يعيشون بالقرب من بعض المستوطنات التي يقطنها متطرفون.  

فقد عاد بنيامين نتنياهو إلى الحكم بدعم قادة اليمين المتطرف والصهيونية الدينية، ومن بينهم إيتمار بن غفير، الذي أصبح وزيرا للأمن القومي، وكان في يوم ما عضوا في منظمة "كاخ" المتطرفة، والتي صنفتها الولايات المتحدة منظمة إرهابية. والتُقطت مقاطع فيديو لإيتمار بن غفير وهو يلوح بمسدس في وجه الفلسطينيين في القدس الشرقية المحتلة ذات مرة، قبل أن يصبح مسؤولا، كما أشتُهر بتعليق صورة لباروخ غولدشتاين داخل منزله بمستوطنة كريات أربع.

font change

مقالات ذات صلة