كوسوفو... بؤرة أزمة مستمرة في أوروبا

أزمة جديدة تعصف بكوسوفو... بسبب الانتخابات المحلية

REUTERS
REUTERS

كوسوفو... بؤرة أزمة مستمرة في أوروبا

يشكّل الصرب في كوسوفو نحو 6 في المئة من سكان البلاد البالغ عددهم 1.8 مليون نسمة، ويعيشون في مقاطعات زفيكان الأربع: زوبين، وبوتوك، وليبوسافيتش، وميتروفيتشا الواقعة شمالي كوسوفو. ويواجهون المشاكل لأنهم يشكلون جزءا من كوسوفو المستقلة دون أن أن يقبلوا الانفصال عن صربيا.

وقبل عام أو نحوه، اندلعت اضطرابات حين حظرت سلطات كوسوفو استخدام الصرب للوحات أرقامِ السيارات الصادرة عن السلطات الصربية. فكان أن استقال رؤساء البلديات الأربع ذات الأغلبية الصربية احتجاجا على الإجراء الذي اتخذته سلطات كوسوفو.

وقد أجريت انتخابات محلية لانتخاب رؤساء بلديات جدد بدلا من الرؤساء المستقيلين في 23 أبريل/نيسان الماضي. وقاطع الصرب الانتخابات، ولم تزد نسبة التصويت عن 3.47 في المئة فقط؛ إذ بلغ عدد المصوتين 1566 ناخبا من العرق الألباني، فيما صوّت 13 صربيا فقط من أصل 45.095 ناخبا.

ولم يستطع رؤساء البلديات المنتخبون حديثا، وهم من أصل ألباني، دخول مكاتبهم الجديدة إلا تحت حماية قوة الشرطة الخاصة في كوسوفو. فاحتج الصرب، وتدخلت قوات كوسوفو أيضا، وأعقب ذلك أعمال شغب تسببت في النهاية في اندلاع أزمة جديدة.

ووافق زعماء صربيا وكوسوفو شفويا على خطة لتطبيع العلاقات في سياق عملية الحوار، بين بلغراد وبريشتينا، أشرف عليها الاتحاد الأوروبي في بداية هذا العام. وتشمل الخطة المكونة من 11 نقطة عددا من القضايا الرئيسة بما في ذلك الاعتراف المتبادل بالوثائق والرموز الوطنية ذات الصلة، وعدم اعتراض صربيا على عضوية كوسوفو في أي منظمة دولية وضمان كوسوفو لمستوى مناسب من الإدارة الذاتية للجالية الصربية الموجودة هناك.

قبل نحو عام، اندلعت اضطرابات حين حظرت سلطات كوسوفو استخدام الصرب للوحات أرقامِ السيارات الصادرة عن السلطات الصربية

لقد أُعِدّت هذه الخطة بمبادرة من ألمانيا وفرنسا في الأصل، في محاولة من الاتحاد الأوروبي لنزع فتيل نزاع محتمل في وسط أوروبا؛ فقد كافح الاتحاد الأوروبي منذ فترة طويلة للوصول إلى كيفية التعامل مع أزمة البلقان وهو منخرط للغاية بسياسته التي يتبناها في غرب البلقان عبر ممثله الخاص.

جدير بالذكر أن الاتحاد الأوروبي ليس موحدا إزاء ذلك، بل ثمة انقسامات داخلية. ذلك أن ثمة خمس دول من الاتحاد الأوروبي هي إسبانيا واليونان وقبرص ورومانيا وسلوفاكيا، لم تعترف بكوسوفو حتى الآن. فهذه البلدان لديها أقلياتها الخاصة بها أو قضايا عرقية مختلفة، ويُخشى أن تعتبر كوسوفو سابقة تشجع تلك الأقليات.

يعدُّ تأسيس اتحاد البلديات الصربية الذي اتفق الجانبان عليه عام 2015 موضوعاً مثيراً للجدل. وتنبع المشكلة مما يمثله الاتحاد آنف الذكر واختصاصاته. وتنص الاتفاقيات على أن هذا الاتحاد يهدف إلى تمثيل المصالح الجماعية لتلك البلديات الموجودة في كوسوفو، والتي تسود فيها غالبيةٌ صربية، خصوصا في مجالات التعليم والرعاية الصحية والشؤون الحضرية.

ويعتبر الصرب ذلك الاتحاد بمنزلة مجلسِ إدارة يتمتع بسلطات تنفيذية، ويعتبرونه بمنزلة اعتراف بكيان متمايزٍ داخل كوسوفو، أي كمنطقةٍ تتمتع بالحكم الذاتي. في حين يعتبره سكان كوسوفو تهديدا للوحدة الوطنية وتهديدا لسلامة أراضيهم. وقضت المحكمة الدستورية في كوسوفو بأن "منظمةً أحادية العرق تتمتع بسلطاتٍ تنفيذية تنتهكُ روح الدستور أساسا، حيث يعرّف مجتمع كوسوفو بأنه مجتمع متعدد الأعراق".

ويأمل الاتحاد الأوروبي حل الأزمة في وعاء عضويته. وقد وضعت الاتفاقية شرطا لعملية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، إذ وافق كلا الجانبين على أن عدم تنفيذ بنودها سيؤدي إلى عواقب سلبية من حيث مساعدة الاتحاد الأوروبي وعملية اكتساب العضوية.

وكانت صربيا قد رُشحت لعضوية الاتحاد الأوروبي منذ عام 2012. بينما توصلت كوسوفو، وهي أحدث دول البلقان، لتصبح مرشحةً للانضمام للاتحاد الأوروبي في الآونة الأخيرة فقط. كما توصلت كوسوفو كذلك إلى اتفاقية مع الاتحاد الأوروبي بشأن السفر من دون تأشيرة والتي ستدخل حيز التنفيذ بداية يناير/كانون الثاني 2024.

وليس من المجدي أن نسأل عن توقيت تجدد تصاعد التوترات، فالحقّ أنه طالما لم يتم حل المشاكل الأساسية، فسيكون هناك دائما أسباب للتوترات.

ثمة انقسامات داخل الاتحاد الاوروبي. ذلك أن ثمة خمس دول من الاتحاد الأوروبي هي إسبانيا واليونان وقبرص ورومانيا وسلوفاكيا، لم تعترف بكوسوفو حتى الآن

EPA
سياج من الأسلاك الشائكة أمام بلدية زفيكان، كوسوفو، حيث يتمركز جنود تابعون لقوة حفظ السلام الدولية بقيادة الناتو - 31 مايو 2023.

رمزية كوسوفو للصرب

يكمن جوهر المشكلة في حقيقة أن الصرب يعتبرون كوسوفو قلب صربيا، ويعتبرونها جزءا لا يتجزأ من الوجود الصربي، والتاريخ الصربي. ومن الناحية التاريخية، تعتبر معركة كوسوفو، التي وقعت عام 1389 وهزم العثمانيون فيها الصربَ، الحدث الأهم في تاريخ صربيا. ويحتفي الصرب بهذا الحدث كأساس لهويتهم. كما يزعمون أن كوسوفو تتمتع بأهمية دينية باعتبارها مهد الأرثوذكسية الصربية.

وعلى الرغم من أن الانتخابات قريبة في صربيا، وكذلك في كوسوفو، غير أنه ليس من المتوقع أن ينهي أي سياسي صربي حياته السياسية.

يُفسر رئيس وزراء كوسوفو ألبين كورتي الاتفاقية التي يرعاها الاتحاد الأوروبي على أنها اعتراف صربي بحكم الأمر الواقع بكوسوفو. وفي المقابل، تعرض الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش لانتقادات في بلاده، فتراجع عن تصريحه، مؤكدا أنه "لا توجد اتفاقية ولن تسمح صربيا بدخول كوسوفو إلى الأمم المتحدة". والحال أن جزءا كبيرا من النشاط الدبلوماسي لصربيا يتمثّل في منع الاعتراف الدبلوماسي بكوسوفو، وكذلك إبطال الاعتراف بها حيثما أمكن ذلك.

وعلى خلاف المادة الرابعة من الاتفاق الأخير، فقد صوتت صربيا ضد عضوية كوسوفو في مجلس أوروبا (وإن لم يكن اعتراض صربيا كافيا لعرقلة طلب كوسوفو لأنه تجاوز عتَبَة 2\3 المطلوبة في لجنة الوزراء، وتنظر الجمعية البرلمانية في هذا الطلب حاليا).

وعلى الرغم من حقيقة أن محكمة العدل الدولية قد حكمت في عام 2010 بأن استقلال كوسوفو لا يشكل انتهاكا للقانون الدولي، وعلى الرغم من أن نحو 100 دولة قد اعترفت بكوسوفو، فإن بقية الدول الأعضاء في الأمم المتحدة البالغ عددها 193 دولة- بما في ذلك روسيا والصين العضوان الدائمان في مجلس الأمن- لم تعترف باستقلال كوسوفو حتى الآن. وهكذا، على الرغم من كل ذلك، فإن كوسوفو، مثلها مثل تايوان وغيرها، لا يمكن لها أن تصبح عضوا في الأمم المتحدة.

وفي عام 1999 انسحبت صربيا من كوسوفو نتيجة التدخل العسكري الذي قام به حلف شمال الأطلسي. فيما تحتفظ قوة كوسوفو التابعة للناتو بوجود قوي في إقليم كوسوفو يقترب من 4000 جندي. وخلال أعمال الشغب التي جرت مؤخرا، أُصيب نحو 30 جنديا من القوة الأمنية الدولية في كوسوفو. وقرر الناتو نشر 700 جندي إضافي.

كوسوفو، مثلها مثل تايوان وغيرها، لا يمكن لها أن تصبح عضوا في الأمم المتحدة

AFP
ألبان كوسوفو يحملون الأعلام الألبانية في مظاهرة في جنوب ميتروفيتشا في الأول من يونيو 2023

نظرية المؤامرة

ويشير المؤمنون بنظريات المؤامرة إلى روسيا كعنصر رئيسٍ خلف الأزمة؛ إذ زعمت رئيسة كوسوفو فيوزا عثماني في شهر فبراير/شباط أن مجموعة "فاغنر" كانت نشطة بطريقة سلبية، واستفزازية في كوسوفو. ولكن لا يوجد دليل في أيدينا يدعم هذا الادعاء، سوى أن سجل روسيا لا يترك لأحد مجالا لتجاهل مثل هذه الادعاءات.

وستجد روسيا، في ظل الأزمة التي تواجهها بسبب الحرب في أوكرانيا، أنه من المفيد انشغال الغرب، وحلف شمال الأطلسي في مكان آخر أيضا.

لطالما كانت روسيا وصربيا تاريخيا قريبتين للغاية من بعضهما البعض؛ فهما مرتبطتان بالعرق السلافي والدين الأرثوذكسي. وفي التسعينيات، دعمت روسيا صربيا، ولكن سلبياتها الدبلوماسية والعسكرية في ذلك الوقت جعلتها متأخرة عن متطلبات عكس مجريات الأحداث لمصلحة صربيا.

وفيما يتعلق بالأحداث الجارية في شمال كوسوفو، صرح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بأن "وضعا متفجرا كبيرا يختمر في قلب أوروبا، بالضبط في المكان نفسه الذي شن فيه حلف الناتو عدوانا على يوغوسلافيا عام 1999 في انتهاك منه لكل مبدأ من مبادئ هلسنكي وجميع الوثائق الأخرى الخاصة بمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا".

وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف إن روسيا تتابع الوضع عن كثب وتدعم "جميع الحقوق والمصالح المشروعة لصرب كوسوفو".

وتحرص صربيا في علاقاتها الدولية على توخي الحذر، إذ لم تنضم إلى العقوبات المفروضة على روسيا وحققت مكاسب من خلال شراء الغاز الطبيعي الروسي بأسعار مواتية. ومع ذلك، لا تتحالف صربيا بشكل واضح مع روسيا حتى لا تُنفّر الغرب. وتتصرف صربيا بهدوء وحكمة عموما على الرغم من خطابها وإشاراتها كوضع الجيش في حالة تأهب قصوى.

وتحاول رئيسة الوزراء الصربية آنا برنابيتش مواصلة المسار الأوروبي، في محاولة منها لتحقيق توازن الشعور القومي في السياسة المحلية. ومن المستبعد جدا أن تقوم صربيا بعمل عسكري في كوسوفو أو تواجه الناتو.

ستجد روسيا، في ظل الأزمة التي تواجهها بسبب الحرب في أوكرانيا، أنه من المفيد انشغال الغرب، وحلف شمال الأطلسي في مكان آخر أيضا

 

AP
مظاهرة للصرب أمام مبنى البلدية في بلدة زفيكان، شمال كوسوفو، 31 مايو 2023

من ناحية أخرى، سيبقى الصرب في كوسوفو على خط المواجهة. قد لا يكونون كثيري العدد، ولكنهم يتمتعون بالقدرة على إثارة الأمور خاصة في ظل الدعم الهجين القادم من الخارج. وقد أكد رئيس وزراء كوسوفو، ألبين كورتي، أن صربيا تقف وراء الاضطرابات التي تجري في شمال البلاد.

من ناحية أخرى، تعرضت الطريقة التي تعاملت بها حكومة كوسوفو مع الأزمة لانتقادات واسعة. حتى إن رئيس الوزراء الألباني، إدي راما، شكك بطريقته الخاصة في الانتخابات التي شارك فيها أقل من 4 في المئة من الناخبين، وشكك في مقابلة أجرتها معه "BBC" بحكمة انتقال المسؤولين الجدد إلى مكاتبهم بدعم من الشرطة.

كما دعا الأمين العام لحلف الناتو، ينس ستولتنبرغ، بلغراد وبريشتينا إلى الانخراط بحسن نية في الحوار الذي ييسره الاتحاد الأوروبي. وتستكشف ألمانيا وفرنسا إمكانية إجراء الانتخابات البلدية مجددا. وسيتمثل التحدي الرئيس لقادة صربيا وكوسوفو في إدارة المشاعر القومية التي تعتمل في صدور جماهيرهم في الداخل.

font change

مقالات ذات صلة