الحج ... موسم البركة والضيافة والسياحة

"رؤية السعودية" تتطلع الى 30 مليون حاج ومعتمر في 2030

أكسل رانجيل غارسيا
أكسل رانجيل غارسيا

الحج ... موسم البركة والضيافة والسياحة

تعتبر زيارة الأماكن المقدسة من أهم الطقوس والعادات البشرية منذ بدء الخليقة. لا يمكن استثناء ديانة معلومة من هذه الزيارات، إذ يمارسها الهندوس والبوذيون وأتباع الديانات السماوية اليهود والمسيحيون والمسلمون.

والحج من أهم ركائز الدين الإسلامي، هو فريضة على كل مسلم، ويجب على المسلمين المقتدرين صحياً ومالياً أداؤها مرة في العمر على الأقل. تطورت في طبيعة الحال أنماط زيارة الأماكن المقدسة في مكة والمدينة منذ بداية التاريخ الإسلامي في القرن السابع الميلادي.

أصبحت مناسك الحج خلال السنوات القليلة الماضية يسيرة، ولا سيما مع تسهيلات التقنيات الحديثة والذكاء الاصطناعي، وتمت السيطرة على المتاعب والمصاعب التي كان يواجهها حجاج بيت الله الحرام، الذين يأتون من دول عديدة، بعيدة وقريبة، كما هو معلوم، ومن بين هؤلاء، الميسورون وأصحاب الدخول المحدودة والفقراء. فهناك من يدخر الأموال على مدى سنوات طويلة لكي يتمكن من أداء الفريضة ويتكبد رحلة طويلة، قد تكون شاقة بالنسبة إلى ظروفه وبعده عن المكان.

بقي معدل الحجاج سنويا في حدود مليوني حاج، يأتي عدد منهم من داخل السعودية. سبق لوزارة الحج السعودية أن أعلنت توقعاتها لحجاج في السنة الجارية، عند المعدل السنوي السابق نفسه، مما يعني أن السلطات قررت العودة إلى استقبال عدد كبير من الحجاج كما كانت الحال قبل جائحة كوفيد-19.

رويترز
حجاج حول الكعبة المشرفة يؤدون العمرة في 19 يونيو/حزيران الجاري

تعتمد الحكومة السعودية قبول الحجاج من 57 بلدا بموجب نسبة محددة من سكان كل بلد وهي واحد بالألف من سكان الدولة. لا شك في أن هذا العدد الكبير من الحجاج يمثل عبئا إداريا وأمنيا ولوجستيا كبيرا على السلطات المختصة في السعودية، لكنه أيضا، يمثل حركة تجارية وطاقة استهلاكية مهمة للعديد من المحال والنشاطات والقطاعات الاقتصادية في البلاد.

يمثل الحج جزءا مهما من عملية التنويع الاقتصادي وتحفيز السياحة، فكما هي الحال في العديد من الدول، تمثل السياحة الدينية مكونا مهما في القطاع. وقد وظفت الحكومة السعودية أموالا طائلة لتطوير البنى التحتية ومنشآت الحرم المكي، وشجعت القطاع الخاص على توفير فنادق ومنشآت ضيافة عديدة، لتسهيل أداء فرائض الحج على ضيوف الرحمن. هذه التوظيفات المالية في البنية التحتية سهلت تدفق الزوار ومكنت المستثمرين من تطوير منشآتهم المتخصصة لخدمة الحجاج أو تسويق السلع والخدمات.

أصبحت مناسك الحج يسيرة وتمت السيطرة على المتاعب والمصاعب التي كان يواجهها حجاج بيت الله الحرام، الذين يأتون من 57 دولة بعيدة وقريبة

30 مليون زائر في 2030

يمكن التأكيد أن العدد الكبير للمسلمين، الذي قدر في عام 2023 بنحو ملياري نسمة، أي نحو 25 في المئة من سكان العالم، يعكس العدد المهم للحجاج الذين يسعون إلى أداء الفريضة سنويا. يأتي غالبية الحجاج من الدول الآسيوية، حيث يشكل المسلمون فيها ما يقارب 67 في المئة من مجمل المسلمين في العالم، وهناك الأفارقة، وكذلك سكان الدول العربية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

هذه الأعداد من زوار البيت الحرام تشكل قوة شرائية مهمة للعديد من المنشآت، حيث يبذل قطاع الفنادق والإيواء جهوداً لتوفير الإقامة الملائمة. وبموجب تقرير نشر في صحيفة "الشرق الأوسط" في 11 يونيو/حزيران الجاري، يوجد "1151 فندقاً في مدينة مكة تحتضن 450 ألف غرفة فندقية ونحو 75 ألف غرفة بالمدينة المنورة". والعمل قائم لإنجاز فنادق جديدة في المدينتين لاستيعاب الأعداد المتزايدة من الحجاج والمعتمرين المتوقع أن تصل أعدادهم إلى 30 مليون زائر ومعتمر سنوياً في عام 2030.

هؤلاء يمثلون أهمية كبيرة للقطاع الفندقي والقطاعات الخدمية وقطاع التوزيع والسلع لتحسين الدخل والارتقاء بالخدمات. وتتوقع رؤية 2030 أن تستضيف السعودية 30 مليون حاج أو معتمر يمكن أن يرفعوا إيرادات الحج والعمرة إلى 50 مليار دولار سنوياً. يعني ذلك أن كل حاج أو معتمر قد ينفق ما يقارب 1,700 دولار في المتوسط سنوياً.

ديانا استيفانا روبيو

 

تتوقع رؤية 2030 أن تستضيف السعودية 30 مليون حاج أو معتمر يمكن أن يرفعوا إيرادات الحج والعمرة إلى 50 مليار دولار سنوياً

تنويع اقتصادي

لكن هل يمكن ربط الحج والعمرة بمشاريع التنمية السياحية بما يؤدي إلى تكامل بين الحج وزيارة المواقع الأثرية والمنتجعات الأخرى والشواطئ وبقية المنشآت والأماكن السياحية الجاري تشييدها في المملكة من أجل تحسين القيمة المضافة من الزيارات الدينية؟

لا شك في أن مثل هذه التصورات تتطلب إبداعاً في عمليات التسويق. ربما لن تشمل هذه العمليات كل الحجاج والمعتمرين، ولكن هناك أعداد بمئات الآلاف قادمة من دول بعيدة أو قريبة ربما تملك الاهتمام والقدرات للافادة من زياراتها للسعودية. هذه الشرائح تتطلب برامج جاذبة وتسهيلات في الإجراءات وعمليات التنقل السياحي الداخلي.

أ.ف.ب.
متجر للهدايا التذكارية في مكة المكرمة

غني عن البيان أن معظم الحجاج يأتون أفواجاً من خلال "حملات" تنظم في دولهم ويعمدون إلى دفع التكاليف لأصحاب تلك الحملات. ولكن هناك شرائح تملك إمكانات وثقافة تتطلب من مديري السياحة في السعودية التواصل لتحفيزها على الإطلاع على نواحي الحياة الأخرى في المملكة العربية السعودية، وزيارة المواقع الحديثة والأثرية، بما يجعل من هذه الشرائح سفراء للسياحة السعودية في دولهم.

لا يزال تطوير الحج وتسهيل وتبسيط أداء المناسك من أبرز اهتمامات المسؤولين في السعودية. وكما سبق الإشارة، بذلت أموال طائلة على مختلف المنشآت وسهلت طرق المواصلات بمختلف الوسائط ومنها القطارات الحديثة. وهذه الأموال تعتبر استثمارات طويلة الأجل ستحقق نتائج جيدة وتعزز التحول الاقتصادي وتنويع القاعدة الاقتصادية. في طبيعة الحال، هناك متطلبات لتطوير الخدمات والارتقاء بمهنية العاملين في هذه الخدمات. ويوظف القطاع العديد من أفراد العمالة الوطنية، قدر عددهم الإجمالي بـنحو 351 ألفا في عام 2019، أي قبل جائحة كوفيد-19.

وتبذل وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية جهوداً لتطوير مهارات العاملين في القطاع من خلال برامج تدريب وتعليم تستهدف البرامج والوظائف وأعمالا معينة مثل تقديم خدمات الاستقبال وتوفير الخدمات الصحية. وتاليا اكتسب الحج أهمية معنوية وأمنية واقتصادية وأصبح من أهم الأنشطة في منظومة التنمية الاقتصادية.

الذكاء الاصطناعي في الحج

يؤكد رئيس الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي الدكتور عبدالله بن شرف الغامدي أن "سدايا" سخرت جهودها التقنية المتقدمة لخدمة ضيوف الرحمن خلال حج هذه السنة. بدءاً من إجراءات سفر الحجاج من مختلف دول العالم إلى المملكة عبر مبادرة طريق مكة ومروراً بالخدمات المقدمة لهم خلال وصولهم إلى منافذ المملكة الجوية والبحرية والبرية.

وجهزت "سدايا" 15 منفذاً في السعودية ومواقع الفرز ومراكز الضبط الأمني من خلال توفير الأنظمة والخدمات والمنتجات التقنية ورفع مستوى التكامل مع الجهات الحكومية الأخرى.
وتعمل مجموعات من المهندسين والفنيين في مطارات دول أخرى على مدار الساعة، لربط وتفعيل وتشغيل أكثر من محطة عمل مُجهزة بأحدث التقنيات مرتبطة بدوائر اتصال آمنة وعالية السرعة لتسهيل إنهاء إجراءات الحجاج في وقت قياسي.

كانت أعداد الحجاج متقاربة في السنوات التي سبقت الجائحة. وأوضحت الهيئة العامة للإحصاء في السعودية أن عدد الحجاج  فاق 95 مليون حاج على مدى خمسين عاما، في حين بلغ في الإثنتي عشرة سنة الأخيرة نحو 25 مليون حاج.

"واس"

وتفاوتت أعداد الحجاج خلال السنوات الأخيرة، تبعا لعوامل وظروف الدول المصدرة للحجاج، أو أعمال التطوير والتجديد في مباني الحرم خلال تلك السنوات.

لا شك في أن موسم الحج يبقى من أهم النشاطات الحيوية اقتصاديا واجتماعيا ودينيا في حياة المسلمين، وفي المملكة العربية السعودية تحديداً. يتطلب الأمر إبداعاً في التفكير والتخطيط لاستمرار جعل هذا الموسم أكثر مساهمة في تعزيز النمو الاقتصادي والتنمية الثقافية والاجتماعية.
 

font change

مقالات ذات صلة