خطر الاستقطاب في جورجيا يهدد حلمها الأوروبي

من الواضح أن الصراع الداخلي على السلطة يطغى على السياسة الخارجية لجورجيا، وقد يكلفها ذلك فرصتها التاريخية في تكامل أوثق مع الاتحاد الأوروبي

Shutterstock
Shutterstock
العاصمة الجورجية تبليسي

خطر الاستقطاب في جورجيا يهدد حلمها الأوروبي

قد يكلف الصراع السياسي الداخلي في جورجيا خسارتها لحلمها الأوروبي، بعد أن حوّل الغزو الروسي لأوكرانيا الانتباه الدولي إلى أوروبا الشرقية أكثر من أي وقت مضى. لم تكن هذه الجمهورية القوقازية، التي كانت مسقط رأس جوزيف ستالين وشكلت ذات يوم جزءا من الاتحاد السوفياتي، قريبة حقيقة من التكامل الأوروبي، ومع ذلك، فإن الاستقطاب السياسي الداخلي بين حزب "الحلم الجورجي" الحاكم الذي يتخذ مواقف تزداد محافظة، وخصومه، قد يكلف جورجيا فرصتها في تكامل أوثق مع الاتحاد الأوروبي.

يتولد لدى المراقبين الخارجيين، نتيجة للاستقطاب العميق داخل جورجيا، انطباع بأن هذه الدولة القوقازية ليست دولة واحدة، بل دولتان، فهناك السلطات الحاكمة المحافظة والاستبدادية، القومية الموالية لروسيا بشكل متزايد من جانب وعلى الجانب الآخر، هناك القوى المعارضة المتعددة، التي تضم ثقافات متعددة، وهي في معظمها ميالة إلى الديمقراطية وتساند حقوق الأقليات ومؤيدة لمجتمع الميم وموالية للغرب. يخوض الطرفان منافسة متوترة لدرجة أنهما يختلفان حول الأحداث الكبرى في التاريخ الجورجي المعاصر، مثل من المسؤول عن اندلاع حرب 2008: روسيا أم جورجيا؟

ويبلغ هذا الاستقطاب الداخلي لجورجيا مستويات عالية من التوتر لدرجة أن الاتحاد الأوروبي وضع على رأس قائمة "الأولويات الاثنتي عشر" التي يريد الاتحاد الأوروبي أن يرى تغييرا نحوها قبل أن يتمكن من معالجة ترشيح جورجيا للانضمام، ضرورة "معالجة مسألة الاستقطاب السياسي، وضمان التعاون بين الأحزاب السياسية"، وثمة نقاط أخرى يضغط بها الاتحاد الأوروبي على الحكومة الجورجية هي، ومن بين أمور أخرى، معالجة مخاوف الرقابة الديمقراطية على مؤسسات الدولة، والشفافية وإصلاح القضاء، وتعزيز تدابير مكافحة الفساد، واتخاذ تدابير ضد الأوليغارشية، وضمان استقلال قطاع الإعلام.

من الواضح أن الصراع الداخلي على السلطة يطغى على السياسة الخارجية لجورجيا، وقد يكلفها ذلك فرصتها التاريخية في تكامل أوثق مع الاتحاد الأوروبي.

بالنسبة لمؤيدي حزب الحلم الجورجي - جورجيا الديمقراطية - الحزب الحاكم منذ عام 2012 – فهم يرون أن الحزب قد جلب السلام والاستقرار والازدهار إلى البلاد، والخصم الرئيس للحزب هو الرئيس السابق اللامع ميخائيل ساكاشفيلي، الذي يوصف وأنصاره، من قبل الحركة الوطنية المتحدة لمؤيدي حزب الحلم الجورجي، بأنهم متهورون ومتقلبون ويميلون إلى القمع، وقد تعني عودتهم إلى السلطة حربا جديدة، وهو ما يمثل خطرا كبيرا على جورجيا التي لها حدود مشتركة مع روسيا، التي تربطها بجورجيا علاقات متوترة منذ حرب أغسطس/آب 2008.

ثمة خصوصية للسياسة الجورجية تتمثل في أن الشخص الأكثر نفوذا لا يشغل منصبا عاما ولا يُنتخب من قبل المواطنين

ويبلغ هذا الاستقطاب الداخلي لجورجيا مستويات عالية من التوتر لدرجة أن الاتحاد الأوروبي وضع على رأس قائمة "الأولويات الاثنتي عشر" التي يريد الاتحاد الأوروبي أن يرى تغييرا نحوها قبل أن يتمكن من معالجة ترشيح جورجيا للانضمام، ضرورة "معالجة مسألة الاستقطاب السياسي، وضمان التعاون بين الأحزاب السياسية"، وثمة نقاط أخرى يضغط بها الاتحاد الأوروبي على الحكومة الجورجية هي، ومن بين أمور أخرى، معالجة مخاوف الرقابة الديمقراطية على مؤسسات الدولة، والشفافية وإصلاح القضاء، وتعزيز تدابير مكافحة الفساد، واتخاذ تدابير ضد الأوليغارشية، وضمان استقلال قطاع الإعلام.
من الواضح أن الصراع الداخلي على السلطة يطغى على السياسة الخارجية لجورجيا، وقد يكلفها ذلك فرصتها التاريخية في تكامل أوثق مع الاتحاد الأوروبي.

فيكين شتريان
مظاهرة مناهضة للمثليين في العاصمة تبليسي


بالنسبة لمؤيدي حزب الحلم الجورجي - جورجيا الديمقراطية - الحزب الحاكم منذ عام 2012 – فهم يرون أن الحزب قد جلب السلام والاستقرار والازدهار إلى البلاد، والخصم الرئيس للحزب هو الرئيس السابق اللامع ميخائيل ساكاشفيلي، الذي يوصف وأنصاره، من قبل الحركة الوطنية المتحدة لمؤيدي حزب الحلم الجورجي، بأنهم متهورون ومتقلبون ويميلون إلى القمع، وقد تعني عودتهم إلى السلطة حربا جديدة، وهو ما يمثل خطرا كبيرا على جورجيا التي لها حدود مشتركة مع روسيا، التي تربطها بجورجيا علاقات متوترة منذ حرب أغسطس/آب 2008.
وقال لي فريدون إنجا، عضو البرلمان من تحالف الوطنيين، في حوار أجريته معه: "على مدى السنوات الاثنتي عشرة الماضية لم تكن هناك حرب في جورجيا، وجلب هذا استثمارات أجنبية وسياحة وخلق الكثير من فرص العمل". وبالنسبة له، لا يوجد استقطاب داخل المجتمع الجورجي، بل إن "ما تراه من الخارج هو نتيجة للأموال الأميركية والبريطانية والهولندية التي تنفق على وسائل الإعلام الجورجية، حيث يموَّل حوالي 80 في المئة من وسائل الإعلام الجورجية من الأموال الغربية التي تدعم الجماعات الليبرالية المتطرفة، وهذا يحدث منذ 30 عاما وحتى الآن!". 
ثم أضاف: "إن الأمة مستنزفة من مفكريها، فهذا الاستقطاب مزيف!".
في المقابل، يوافق ميخائيل سارجيلادزه، عضو البرلمان من حزب الحلم الجورجي الحاكم، على أن الاستقطاب الداخلي "هو أهم مشكلة في بلدنا"، ويعزو ذلك إلى التقاليد الثورية للسياسة الجورجية، ودلل على ذلك بقوله: "ليس لدينا تاريخ كبير لتغيير الحكومات عن طريق الانتخابات". وأضاف: "إنهم، أي الحركة الوطنية المتحدة، يحاولون تعزيز الجانب العاطفي للثورات". بالنسبة له، فإن المعارضة الجورجية ليس لها توجه مؤسسي، بل تتوقع نتائج دراماتيكية من خلال تعبئة الشوارع، على أمل اندلاع ثورة ملونة أخرى.

الحلم الأوروبي


ثمة خصوصية للسياسة الجورجية تتمثل في أن الشخص الأكثر نفوذا لا يشغل منصبا عاما ولا يُنتخب من قبل المواطنين. هكذا هو بيدزينا إيفانيشفيلي، الملياردير الذي اعتنق السياسة، بعد أن جمع ثروته في روسيا في التسعينيات، ثم أنشأ لاحقا تحالفا كبيرا للإطاحة بالزعيم الثوري ميخائيل ساكاشفيلي. لا يوجد أحد أفضل من جيا خوخاشفيلي الذي كان ذات يوم صديقا مؤتمنا ومستشارا لإيفانيشفيلي ليشرح لنا كيف يفكر "الكاردينال الرمادي" في السياسة. قال خوخاشفيلي في حواري معه: "تقول السياسة الجورجية تجاه أوروبا: أنا هكذا، وعليكم أن تقبلوني كما أنا، وإلا فروسيا دائما موجودة"، قبل أن يضيف: "إن رؤوسهم، أي حزب الحلم الجورجي، في روسيا، وأجسادهم في أوروبا"، واصفا النظام الحالي للحلم الجورجي بأنه "حكم الظل الاستبدادي"، حيث إن الحاكم الفعلي للبلاد، إيفانيشفيلي، لا يتمتع بأي منصب عام منتخب.
 

صعد حزب الحلم الجورجي إلى السلطة بفضل قدرة إيفانيشفيلي، الملياردير الذي لا يزال شخصية غامضة إلى حد كبير، على الرغم من كونه في قلب السياسة الجورجية منذ أكثر من عقد حتى الآن

من جهة أخرى، يقول جيورجي بادريدزي، الدبلوماسي السابق والباحث المشارك حاليا في مؤسسة "رونديلي": "لم تبذل جورجيا قط جهدا كافيا تاريخيا لإعادة الاندماج في العالم الغربي، يمكن لجورجيا أن تكسب عضوية الاتحاد الأوروبي بالفعل، إلا أن لدينا حكومة تعطي الأولوية للحفاظ على سلطتها". وأضاف: "هذه لحظة فريدة في التاريخ، قد لا تتكرر إلا بعد عقود، ولسوف تنتهي هذه الفرصة السانحة نهاية هذا العام".
وردا على سؤال حول ما إذا كان هناك حوار داخلي لتخفيف التوتر الحالي، أجاب جيا خوخاشفيلي: "جورجيا بلد الحوارات المنفردة، وليس هناك مساحة للحوار المتبادل".

المعارضة: مسموعة لكن منقسمة


يبدو أن حزب الحلم الجورجي الحاكم يزداد عزلة ولا يحظى بالشعبية، خاصة بعد المظاهرات الحاشدة في مارس/آذار ضد مشروع "قانون الوكيل الأجنبي". قدم حزب الحلم الجورجي الحاكم مشروع القانون لتعزيز سيطرته على الدعم المالي الأجنبي للمنظمات الجورجية، لكن المعارضة اعتبرته محاولة لإسكات وسائل الإعلام المستقلة والمنظمات غير الحكومية، وخرجت المظاهرات، التي جابت الشوارع، وأجبرت البرلمان على سحب هذا القانون المعروف شعبيا باسم "قانون الوكيل الأجنبي" أو "القانون الروسي".كانت هذه هي المظاهرة الأخيرة في سلسلة المظاهرات الشعبية المدافعة عن حرية الإعلام، وحقوق المثليين، أو للتعبير عن معارضة الغزو الروسي لأوكرانيا.


وفي حين أن الرأي العام الجورجي معاد للغاية لروسيا، فإن السلطات الحالية لا تسعى فقط إلى الحفاظ على موقف محايد في سياق دولي شديد الاستقطاب ولكن كذلك لتحسين علاقاتها مع جارتها الشمالية. تقوم السلطات الجورجية بإسكات المنشقين الروس الذين يلتمسون اللجوء في جورجيا. في وقت سابق من شهر مايو/أيار، أعلنت روسيا السماح بالسفر دون تأشيرة، وبعد ذلك بدأت الخطوط الجوية الجورجية رحلات مباشرة إلى موسكو. بالنسبة للسلطات، كانت هذه الخطوات مفيدة للاقتصاد، وبالنسبة للمعارضة، كان هذا دليلا آخر على أن الحزب الحاكم مؤيد لروسيا ومعاد للغرب.


ومع ذلك، لا يبدو أن قبضة حزب الحلم الجورجي على السلطة قد اهتزت. قال جيورجي بادريدزي: "المعارضة مشغولة بالصراعات الداخلية وتدمير الذات"، ونتيجة لذلك، فإنهم يفقدون الدعم في الرأي العام.

وصعد حزب الحلم الجورجي إلى السلطة بفضل قدرة إيفانيشفيلي، الملياردير الذي لا يزال شخصية غامضة إلى حد كبير، على الرغم من كونه في قلب السياسة الجورجية منذ أكثر من عقد حتى الآن. وقد نجح إيفانيشفيلي في الجمع بين القوى المتناقضة، من المحافظين إلى الليبراليين، الذين أرادوا رؤية التغيير في السياسة بعد أن كان الحاكم الثوري غريب الأطوار ميخائيل ساكاشفيلي في السلطة لمدة ثماني سنوات (2004-2012). ووجه إيفانيشفيلي النقد إلى ساكاشفيلي لكونه استبداديا، ووعد بإرساء الديمقراطية وإعادة التوزيع بشكل أفضل، الأمر الذي أكسبه أصوات المناطق الفقيرة.
 

لم يظهر حزب الحلم الجورجي بالكياسة الملائمة عندما تعلق الأمر بالإجماع الذي ظهرت عليه جورجيا بعد الاتحاد السوفياتي، حيث اعتبرت روسيا العدو الجديد للجورجيين، و"أوروبا" و"الغرب" بوصفهما أرض الميعاد للتقدم وسعة العيش

 إلا أنه، بعد ولايته الأولى في منصبه، وضع إيفانيشفيلي فريقه في جميع مناصب صنع القرار، وسرعان ما فقد دعم الأحزاب الليبرالية مثل الجمهوريين والديمقراطيين الأحرار في ألاسانيا. ويمكن تفسير توجه حزب الحلم الجورجي الحالي إلى اليمين على أنه محاولة لكسب وتوطيد الشرائح المحافظة والقومية والدينية في المجتمع الجورجي.

فيكين شتريان
تمثال لجوزيف ستالين في متحفه في مسقط رأسه بلدة غوري الجورجية


"إن الحركة الوطنية المتحدة مؤيدة للغرب ومحافظة"؛ هذا ما يوضحه إيراكلي بافلينشفيلي، عضو المجلس السياسي في الحركة الوطنية المتحدة الذي يؤكد أهمية "العلاقات الجيدة مع الكنيسة (الأرثوذكسية الجورجية)". ويبدو أن هذا الجزء من المجتمع الذي يتبع الكنيسة ويلتزم بالقيم المحافظة، هو هدف المستشارين الإعلاميين لحزب الحلم الجورجي.


ولا يزال جيجا بوكويريا يؤمن بإمكانية التغيير من خلال المؤسسات، "كان (القانون الروسي) هو النقرة التي أثارت ردود فعل مجتمعية. توحد فكرة أوروبا الجيل الجديد من النشطاء حول أفكار حرية التعبير وحقوق الأقليات" وما إلى ذلك.


وإذا نظرنا إلى سياسات الهوية- المؤيدة للغرب مقابل "الموالية لروسيا"، أو المحافظة أو الداعمة لحقوق الأقليات، أو الموالية لإيفانيشفيلي أو التي ضد إيفانشفيلي- فإن جورجيا مجتمع مستقطب للغاية، إلا أننا، إذا وسعنا المدى، أو نظرنا إلى جورجيا من زاوية مختلفة قليلا، فإن جورجيا تظل متماسكة حول الرواية الوطنية كما ظهر في مظاهرات 19 أبريل (نيسان) 1989: جورجيا هي أرض الجورجيين العرقيين، ويُخشى أن تكون روسيا مصدرا مربحا يبدو أن الجميع على استعداد للتعامل معه، والكنيسة هي مؤسسة مركزية للهوية الجورجية.


إن الصراع بين حزب الحلم الجورجي والمعارضة هو إلى حد كبير في ميدان سياسات الهوية والرموز، والذي سوف يشتد فقط قبل الانتخابات البرلمانية القادمة المقرر إجراؤها في عام 2024. الرموز بالفعل مهمة، ولم يظهر حزب الحلم الجورجي بالكياسة الملائمة عندما تعلق الأمر بالإجماع الذي ظهرت عليه جورجيا بعد الاتحاد السوفياتي، حيث اعتبرت روسيا العدو الجديد للجورجيين، و"أوروبا" و"الغرب" بوصفهما أرض الميعاد للتقدم وسعة العيش.
 

font change