عودة "شرطة الأخلاق" الايرانية: تحذيرات من اضطرابات جديدة

Reuters
Reuters

عودة "شرطة الأخلاق" الايرانية: تحذيرات من اضطرابات جديدة

لندن- لم تمر بهدوء عودة ما يسمى "شرطة الأخلاق" (گشت ارشاد) و‍ذلك بعد عشرة أشهر على تعليق عملها بعد مقتل جينا (مهسا) أميني في أحد مقار الشرطة بالعاصمة طهران في سبتمبر/أيلول 2022 والاحتجاجات الشعبية الواسعة المناهضة للنظام الإيراني بعد انتشار خبر مقتل أميني التي حذر سياسيون ايرانيون من امكان تجددها وانعكاساتها على سلامة النظام.

فقد حذر عضو لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني جليل رحيمي جهان آبادي من أن عودة دوريات "شرطة الأخلاق" إلى الشوارع، والوجود المكثف لقوات الأمن في ساحات المدن، لمواجهة عدم ارتداء الحجاب الإجباري هي من "سلوكيات المسؤولين الإيرانيين وستؤدي إلى إسقاط النظام". وقال لموقع "جماران" الإخباري، إن "عودة شرطة الأخلاق تحت أي اسم، وبأي طريقة، لا ينجم عنها سوى زيادة انعدام ثقة المواطنين، وإهانة غير مباشرة لضمير الشعب، وزيادة هجرة النخبة، وخلق جو من الرعب، وتحريض الناس على تحدي النظام مرة أخرى". أضاف أن "المجتمع يتأذى وهو يسمع أخبار السرقة والاختلاس كل يوم. لذا كل من يؤذي المواطنين، يهدف لإسقاط النظام الإيراني".

ونشرت صحيفة "سياست روز" الأصولية في عددها الصادر 18 يوليو/تموز تقريرا حول تفاصيل تنفيذ خطة الشرطة لمكافحة ما سمته "الحجاب الخارج عن المألوف". ونسب التقرير إلى وكالة أنباء "تسنيم" التابعة للحرس الثوري الإيراني التي نقلت بدورها عن عدد من قيادات الشرطة قولها إن الشرطة لن تقوم بتسيير دوريات بالسيارات ولن تستقر السيارات التي تحمل شعار "كشت ارشاد" (شرطة الأخلاق) في الشوارع مجددا".

وأضاف التقرير أن "المتحدث باسم الشرطة سعيد منتظر المهدي قال إنه جرى نشر دوريات بالسيارات وسيرا على الأقدام في أنحاء البلاد لمواجهة النساء اللواتي لا يلتزمن بالأوامر". وتابع: "إن مقاطع الفيديو أو الصور التي قد تنتشر حول مواجهة الشرطة بعنف مع النساء وإجبارهن على ركوب سيارات شرطة الأخلاق إما مزورة وإما مواد قديمة وأرشيفية تم نشرها لأغراض خاصة".

Reuters
ايرانيات يمررن قرب عنصر من الشرطة بعد عودة "شرطة الاخلاق" الى الشوارع في طهران في 16 يوليو

وتابع التقرير: "إن هذه الدوريات بالسيارات أو سيرا على الأقدام ستقوم بتحذير غير الملتزمات بالحجاب بشكل لفظي". ويعتقد معظم قيادات الشرطة والخبراء أن 90 في المئة من اللائي يوجه إليهن التحذير سيطعن الأوامر، وأن 10 في المئة فقط قد يتجاهلن التحذيرات ويقمن بتصرفات غير مناسبة، حيث سيواجهن عناصر الشرطة بهدف منع انتشار التصرفات التي تنتهك الأعراف والحفاظ على النظم العام والسلام النفسي في المجتمع. كما أن كافة عناصر "شرطة الأخلاق" لديهم أوامر بالالتزام بالشروط الأخلاقية والإنسانية وأن هذه الفرق تحمل ترخيصا من الجهات القضائية، وقد يرافق "قاضيا مناوبا" بعض عناصر الشرطة لتسهيل صدور الأحكام وتنفيذها، "لأن الشرطة لا تتمتع بصلاحية إصدار الأحكام القضائية".

وسلطت صحيفة "سازندكي"، المنبر الإعلامي لحزب "كاركزاران"، فصيل الرئيس الأسبق علي أكبر هاشمي رفسنجاني في تقريرها الصادر يوم 17 يوليو/تموز الضوء على هذا الموضوع ونقلت عن المتحدث باسم الشرطة سعيد منتظر المهدي أنه يجري تحذير غير الملتزمات بالحجاب الإسلامي وسيتم تقديمهن إلى السلطة القضائية في حال عدم تنفيذهن أوامر شرطة الأخلاق، مؤكدا أن "عودة شرطة الأخلاق تأتي بناء على التوجيهات الصادرة عن رئيس الجمهورية والسلطة القضائية بعد مطالبة شعبية وبسبب القواعد الشعبية التي تتمتع بها شرطة الأخلاق لدى الفئات والمؤسسات الاجتماعية المختلفة".

يذكر أن النساء اللواتي ينتهكن القواعد الصارمة للباس في الجمهورية الإسلامية يتم اقتيادهن في واحدة من السيارات البيضاء والخضراء التابعة لشرطة الأخلاق حيث يتلقين محاضرات حول كيفية ارتداء الحجاب وكثيرات منهن يتعرضن للضرب المبرح.

وقد تأسست شرطة الأخلاق في 2005 وانطلقت في فترة رئاسة محمود أحمدي نجاد. وكان أحمد رضا رادان قائد الشرطة الإيرانية الحالي والقائد السابق لشرطة طهران في فترة محمود أحمدي نجاد قد أعلن أن الهدف من إطلاق شرطة الأخلاق هو "مكافحة عدم الالتزام بالحجاب والبلطجية".

المتحدث باسم الشرطة الإيرانية سعيد منتظر المهدي: جرى نشر دوريات بالسيارات وسيرا على الأقدام في أنحاء البلاد لمواجهة النساء اللواتي لا يلتزمن بالأوامر

وقال رئیس السلطة القضائية محسني إجئي، خلال جلسة مع الرئيس إبراهيم رئيسي: "لدينا قوانين لمواجهة السلوكيات المجتمعية غير اللائقة، وبالتالي لا يجب علينا الانتظار حتى المصادقة على مشروع قرار الحجاب والعفة لأنها قد تستغرق وقتا طويلا". 


يذكر أن مشروع قانون الحجاب والعفة الذي تتم دراسته حاليا في اللجنة القضائية بالبرلمان الإيراني ينص على أن قوات الشرطة يجب أن تلتزم بإعطاء تحذيرات من خلال "الوسائل المعهودة أو عبر استخدام التقنيات الجديدة والمنصات الذكية والرسائل النصية" لغير الملتزمات بالحجاب الإسلامي قبل صدور غرامة مالية بحق النساء اللواتي يتجاهلن التحذيرات، وفي النهاية يصدر حكم بالسجن لسبعة أعوام بحقهن.

وقال محمد تقي نقد علي، أمين اللجنة القضائية والقانونية البرلمانية، في حوار مع موقع "انتخاب" الإخباري: "لقد وجهت الفئات المتدينة انتقادات عديدة" بشأن انتشار ظاهرة عدم الالتزام بالحجاب حيث "نحاول أن تكون صياغة مشروع قانون الحجاب والعفة مطابقا لأسلوب الحياة الإيراني والإسلامي".

ماذا يقول معارضو شرطة الأخلاق؟

قال معين الدين سعيدي النائب الإيراني في حوار مع وكالة أنباء "إيلنا" العمالية في 19 يوليو/تموز حول عودة شرطة الأخلاق إلى الشوارع: "ماذا كسبنا حتى الآن من خلال ممارسة هذه الإجراءات؟ نزعم أن الوضع الثقافي ليس على ما يرام وأن غالبية المساجد فارغة. لماذا؟ هذه الإجراءات لم تثمر عن تحول وتغيير، ولم تجعل الشعب يتجه إلى الدين، بل تسببت في هروب الناس من الدين. هذه حقيقة. أين هي المؤسسات التي تتمتع بميزانيات بالمليارات؟ وماذا فعلت هذه المؤسسات في الشؤون الثقافية وترويج فلسفة الحجاب والعفة؟ لقد منحنا هذه المؤسسات ميزانيات من بيت المال فماذا كانت النتيجة؟". 

وأضاف سعيدي: "لدينا مشاكل وتحديات أهم بكثير. نظامنا المصرفي ربوي بامتياز. لماذا لا نركز على هذه المعضلة إذن؟ العرش الإلهي يتزلزل بسبب الفساد المالي بآلاف المليارات أكثر مما يتزلزل بسبب بضعة خصل من شعر النساء ظاهرة للعيان. أنا على غرار سائر الإيرانيين المسلمين أؤمن بأن المجتمع يجب أن يكون إسلاميا وأن خلع الحجاب حرام شرعا وسياسيا ولكن السؤال هنا هل لدينا نفس الاهتمام والحرص الشديدين على مكافحة أمراض اجتماعية أخرى على غرار الأطفال الباحثين في القمامة عن لقمة العيش أو ساكني القبور، وغيرهما من التحديات؟ أعتقد لو كانت هذه الإجراءات مثمرة لكنا لاحظنا آثارها الإيجابية منذ زمن طويل".


وقال أحمد علي رضا بيكي النائب في البرلمان الإيراني في حوار مع صحيفة "سازندكي": "إن تجربة مواجهة غير الملتزمات بالحجاب تشير إلى أن هذه السياسة أضرت بالبلاد وبالنظام وبعض هذه الأضرار لا يمكن إنكارها وأصبحت وسيلة لمعارضة الثورة والجمهورية الإسلامية وأضعفت مكانة النساء الملتزمات بالحجاب. وتابع أن الإصرار على تكرار التجربة السابقة يؤدي إلى تأزيم الوضع الراهن لأن الترويج للحجاب لا يمكن أن يكون بأساليب بوليسية وأن الشرطة يجب أن تدرك أنها ستتحمل ثمنا باهظا في حال عدم استعانتها بقوات مجربة ومهنية في هذا الإطار".

تحذيرات من أحداث مماثلة للاحتجاجات الواسعة

وقال صالح نيكبخت المحامي الإيراني لصحيفة "سازندكي": "إن عودة شرطة الأخلاق إلى الشوارع واستئناف السياسة السابقة تعني أننا لم نأخذ العبر من الكارثة التي حلت بمهسا أميني قبل عشرة أشهر وتداعياتها السلبية. حاول بعض الجماعات الأصولية والمتشددة ممارسة الضغوط على السلطة القضائية لفرض مطالبها، وذلك من خلال القيام بتجمعات أو مظاهرات أمام مقر السلطة القضائية وأماكن حكومية أخرى". وأضاف: "نلاحظ أن المجتمع الذي لم يتقبل خلع الحجاب عبر الإجبار والإلزام لم يرضخ للحجاب المفروض عليه. لذا فإن تكرار هذه السياسة سيؤدي إلى النتائج التي رأيناها سابقا في البلاد".

هل مهمة شرطة الأخلاق مواجهة العري؟


يقول محمد مهاجري الناشط السياسي لصحيفة "سازندكي" إنه لا يعارض وجود شرطة الأخلاق في الشوارع لمواجهة الممارسات المنافية للأخلاق وللعرف، ولكنه يعارض وجود شرطة الأخلاق في حال أدت ممارساتها إلى خلق أزمة جديدة على غرار الأزمة الاجتماعية السابقة. أضاف: "يقولون إنهم يريدون مواجهة التعري ولكن ما هو التعري؟ هل للتعري تعريف خاص وواحد أم يتبع لتصورات شخصية لعناصر الشرطة؟ فإذا تصرف عناصر الشرطة حسب تصورهم الشخصي عن العري فسوف يستأنفون حملات الاعتقالات والمواجهة العنيفة. واللافت أننا نعلم ما هي نتائج مثل هذه الممارسات من خلال التجربة السابقة".
 

النساء اللواتي ينتهكن القواعد الصارمة للباس في الجمهورية الإسلامية يتم اقتيادهن في واحدة من السيارات البيضاء والخضراء التابعة لشرطة الأخلاق حيث يتلقين محاضرات حول كيفية ارتداء الحجاب وكثيرات منهن يتعرضن للضرب المبرح

ويرى كامبيز نوروزي الخبير القانوني في تقرير صحيفة "كاركزاران" أن وجود شرطة الأخلاق في الشوارع يفتقر إلى سند قانوني وأن تجربة شرطة الأخلاق ليست جيدة لدى الرأي العام لأنها تسببت في كثير من التحديات والعراك والنزاعات حيث بلغت هذه الممارسات ذروتها بما جرى مع الراحلة مهسا أميني وما تبعها من احتجاجات مهمة استمرت لستة أشهر. فلماذا عادت شرطة الأخلاق؟ إن هذه الأزمة ستضاف إلى الأزمات المجتمعية المتعددة الأخرى مما سيخلق تحديات عديدة.

Reuters
ايرانيتان في شارع في طهران في 16 يوليو

إلى ذلك، دافعت صحيفة "همشهري" التابعة لبلدية طهران في عددها الصادر في 17 يوليو/تموز عن قرار عودة شرطة الأخلاق في الشوارع، وقالت إن كثيرا من الخبراء يعتقدون أن شرطة الأخلاق يجب أن تعود مرة أخرى لأن التوتر الذي ساد البلاد على أثر موت مهسا أميني وزيادة معدلات عدم الالتزام بالحجاب دفع الشرطة للظهور بمظهر المقتدر لمواجهة عدم الالتزام بالقانون.


وتتفق فروغ نيلجي زادة الباحثة في شؤون المرأة والأسرة مع تصريحات القيادات في الشرطة حول أن مواجهة النساء غير الملتزمات بالحجاب جاءت تلبية للمطالب الشعبية.


وقالت نيلجي زادة في حوارها مع "همشهري": "إذا ألقينا نظرة على الإحصائيات التي شاركت فيها فئات مجتمعية مختلفة خلال الأشهر الأخيرة فسنجد أن غالبية الشعب تحب الحجاب وأنها تطلب من المسؤولين الاهتمام بموضوع الحجاب أكثر من قبل".


ويؤكد سيد عبد الرسول علم الهدى الخبير في الشؤون الاجتماعية والأستاذ الجامعي، في حواره مع "همشهري" على ضرورة "عدم التنازل في قضية الحجاب. فإذا ألغي قانون الحجاب أو عدم إقرار مشروع قرار العفة والحجاب فإن النتيجة الحتمية ستكون ترويج المسائل الجنسية وسيتجه المجتمع نحو عدم الالتزام بالأخلاقيات في السلوك الاجتماعي مما يهدد السلامة الأخلاقية والاجتماعية للشباب والعائلات".
 

font change

مقالات ذات صلة