"X" و "تويتر"... أكبر من تغيير شعار

واكبت ياكارينو إعلان الشعار الجديد بحماسة مطلقة كما يبدو من دعوتها التي نشرتها عبر حسابها للانطلاق بالاسم والشعار الجديدين، اللذين كانا منتظرين، مع ما يرافقهما من حلة متطورة مدعومة بالذكاء الاصطناعي و"مرتكزة على التأثيرات الصوتية والفيديو والرسائل والمدفوعات والخدمات المصرفية"، على حد قولها، وهنا تكمن القصة برمتها. فصورة "تويتر" الحديثة، ليست محدودةً، وفقا لتعبير ياكارينو، بشعار جديد على الجميع أن يعتاد عليه ويتأقلم معه ويلغي من ذاكرته مشهد العصفور الأزرق المحلق منذ عام 2006، بل هي بوابة لمستقبل مبني على التفاعل غير المحدود بخدمات جديدة متكاملة توفر سوقا للمنتجات والخدمات بل أيضا "للأفكار والفرص".

هلموا الى "الإكسات" لا "التغريدات" 

فهل هذا هو السر الكامن وراء هدوء ماسك بعيد انطلاقة "ثريدز" والثقة العارمة التي تحدثت بها ياكارينو حين صرحت بوضوح "غالبا ما يتم تقليدنا، لكن لا يمكن أبدا تكرار مجتمع تويتر"؟

وكأنهما يقولان لغريمهما مارك زوكربيرغ إن الأوان قد فات لخوض منافسة جدية مع "تويتر" الذي أصبح في مكان آخر أسمى وأرقى، برؤية أعمال شاملة مختلفة، بما يشبه التطبيق الصيني العريق "وي تشات"، صاحب المليار و300 مليون مستخدم في الصين وحدها. حتى أن موقع "أكس.كوم" بات يوجه المستخدمين إلى "تويتر.كوم" في تأكيد لواقعية الخطوة الأخيرة، ولن تسمى المحادثات بالتغريدات بعد الآن، بل ستتحول إلى "إكسات" يطلقها المستخدمون.    

كذلك، لم تمض أيام على انطلاقة "ثريدز" الصاروخية، حتى أعلن ماسك شركته الناشئة الجديدة في عالم الذكاء الاصطناعي، "أكس إيه. آي." (XAI)، المنافسة لـ"أوبن إيه. آي." في محاولة لإيجاد بديل من روبوت المحادثة "تشات جي. بي. تي.". لا شك أن ماسك بتحركاته الأخيرة يواجه غرماءه بإنجازات تفرض نفسها، وتعبر عن سعيه الى التفوق من جهة، واللحاق بالركب من جهة أخرى، بدم بارد وعنفوان، فلا نتخيل ابتسامة النصر الساخرة على ثغره كما يمكن تصورها لدى كثير من منافسيه، إذ لا يعنيه ما يتخبط فيه الآخرون، في مقابل اتخاذه ما يعتبره القرار الصائب والخيار الصحيح في الوقت المناسب، وهو اليوم يكافح لرفع قيمة التطبيق وجذب المعلنين والمستثمرين. 

ولكن هل هذه هي الحال حقا؟ 

من يتابع تعليقات بعض المستخدمين إزاء التغيير المفاجئ لشعار "تويتر" لا يلمس الحماسة نفسها التي أبدتها ياكارينو، فهؤلاء المستخدمون الذين واكبوا الأساليب الإدارية العشوائية التي أودت بـ"تويتر" إلى هذا المصير، لا يتوقعون نقلة نوعية أو إيجابية في حدها الأدنى، بل قد يشعر المتابع بإحباط البعض نتيجة القضاء على ما تبقى من الأيام الخوالي للعصفور الأزرق، أيام الرخاء الإعلاني وشعبية التغريد، أما اليوم فيغيب الاندفاع، كما الحنين، لخوض تجربة جديدة قد يفرضها "التطبيق المتحول".

لن يكون سهلا، على من حافظ على تعلقه بـ تويتر" طوال 17 عاما التخلي عن "أكس" الأسود بسهولة الآن، اذ سيبقى العصفور الأزرق في مخيلته وأحلامه "التويترية" مع كل "تويت"، واذا ما اكتشف مع الوقت أن تلك العلاقة قد تعرضت للغدر والطعن في الظهر، فسيبتعد شيئا فشيئا... أما المتمرسون في عالم الأعمال، فلم يُخفِ عدد منهم امتعاضه واستغرابه وتساؤله عن مغزى تدمير "علامة تجارية" ناجحة عالميا، متهماً ماسك بعدم فهم الأساس العميق الذي يقوم عليه تطبيق "تويتر"، وتجاهله إرادة المستخدمين وتجربتهم التي عادة ما تحكم قرارات كهذه تسعى الشركة من خلالها إلى تطوير أعمالها، مما يعني مزيدا من خسارة المستخدمين والمعلنين والمساهمين... لكن آخرين يعتبرون العكس ومصلحة الأعمال ترقى فوق كل اعتبار، وتطورات التكنولوجيا المقبلة، ولا سيما مع الذكاء الاصطناعي تستدعي التغيير.

يبقى أن ننتظر ما تحمله الأيام المقبلة من خطوات عملية لتبيان آفاق استكمال الإنقلاب على "تويتر" الأصلي كما عرفناه كتطبيق، وما إذا كانت رهانات ماسك ستصيب أم ستخيب وسيغرق نفسه في دوامة جديدة تطيح بالـ 44 مليار دولار التي أنفقها منذ أقل من عام على أمل إضافة أيقونة "إكسية" ذكية جديدة له في عالم المال والأعمال.