الازمة اللبنانية على ثلاثة منابر... في أسبوع واحد

وحسنا فعل المجلس الاوروبي عندما جدد، بعد ايام قليلة من قرار البرلمان ولمدة تنتهي في   31 تموز  2024، التزامه بمعاقبة  كل من يقوض الديمقراطية  وحكم القانون والعملية الانتخابية، والاصلاحات الرشيدة، بما فيها الاصلاحات المصرفية والمالية، وكل من يسيء ادارة الاموال العامة حسب اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد . وقد تنوعت العقوبات بين منع من السفر الى دول الاتحاد الاوروبي وتجميد الأموال. 

وادان القرار الاوروبي عرقلة التحقيقات في انفجار مرفا بيروت  المصنّف أكبر انفجار غير نووي في العالم، ودعا مجلس الأمن الى اصدار قرار لإنشاء بعثة دولية لتقصي الحقائق وتحديد المسؤوليات توطئة لمحاسبة المقصرين والمرتكبين او استكشاف إمكانات الشروع في إجراءات قضائية في محاكم أجنبية.  

فبعد مرور ثلاث سنوات على الانفجار، لا يزال التحقيق في اسبابه  عالقا بسبب التدخل السياسي الفاضح وفق ما ذكرته منظمات عالمية  مثل "هيومن رايتس ووتش" ومنظمة العفو الدولية، على الاخص من  حركة "أمل" و"حزب الله" وحلفائهما، وذلك بوسائل متنوعة منها قتل مسؤول امني في المرفأ حذر من تخزين النيترات، وقتل مصور لعنبر التخزين، ورفع 21 دعوى قضائية ضد قاضي التحقيق ومجلس القضاء الأعلى الذي رفض طلب اقالة الأخير، ومنها ايضا رفض وزير المال توقيع مرسوم تعيين القضاة في الهيئة التي ستبت القضايا المرفوعة، وايضا التهديد المباشر بـ"قبع" قاضي التحقيق وعدم استجابة مجلس النواب طلب رفع الحصانة عن ثلاثة نواب شغلوا مناصب وزارية ذات صلة بالمرفأ عند تخزين النيترات، علما ان اثنين منهما اعيد انتخابهما.

وتعرض القرار لموضوع وجود أكثر من مليون ونصف مليون سوري في لبنان، واكثر من مئتي الف لاجئ فلسطيني غالبيتهم يعيشون في فقر مدقع ويعتمدون على مساعدة منظمة الأونروا. واعرب القرار عن قلقه من تصاعد الخطاب المعادي لهم، وذكر ان الظروف ليست مواتية لعودتهم الطوعية والكريمة والآمنة، وحث لبنان على الانضمام إلى اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين وبروتوكولها لعام 1967.   

واثارت هذه الفقرة الأخيرة تنديدات واحتجاجات واسعة، إذ اعتبرت دعوة إلى توطين النازحين وتم التركيز عليها في وسائل الاعلام على نحو حصل فيه تغطية على التشدد الاوروبي بالاسراع في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية والمالية في مجال الحوكمة وضمان استقلالية القضاء، علما ان الاشكالية الذي يثيرها الامر الاخير هي ان المعنيين به هم موضع تحقيقات قضائية. فرئيس الحكومة يخضع لتحقيق مالي امام مدعي موناكو العام في قضية تبييض اموال، وحاكم مصرف لبنان مطلوب بمذكرتي توقيف دوليتين. ومعلوم ان الحزب المسيطر على مقدرات الامور في لبنان هو حزب مسلح ومُنشأ بشكل غير قانوني ويعرقل قيام الدولة.

اللافت في القرار الاوروبي أيضا دعوته الى نزع سلاح "حزب الله"،  وهذا تطور مهم ويعني التوقف عن اعتبار الاوروبيين هذا الحزب "مقاومة". فهذه العبارة تستخدم بحسب رأي فيلسوفة المقاومة الفرنسية لوسي أوبرك في صيغة الحاضر على الدوام لوصف العمليات العسكرية القائمة ضد العدو المحتل، فإذا توقفت هذه العمليات تعيّن التوقف عن استعمال تعبير "المقاومة".

بقاء السلاح في يد المقاتلين بعد ذلك، يعني تحولهم الى ميليشيا ومرتزقة، في حال اقترن الامر بتقاضي اجر، بحسب تعبير المناضل والرئيس الجنوب أفريقي الراحل نيلسون مانديلا.

من جهتها اقرّت السفيرة الفرنسية آن غريو بأنها اكتشفت منذ الأيام الأولى لوصولها الى لبنان ان الدولة غائبة ولا تزال. واعلنت بصراحة صادمة ان لبنان اليوم ليس على ما يرام، على الرغم من انه يطيب للبعض الاعتقاد بأنّه تجاوز الأزمة.

فالاستقرار الحالي خادع "وموسيقاه التي تصدح في شوارع بلداته وقراه تذكر بالموسيقى التي صاحبت غرق التيتانيك"، والسبب هو الاقتصاد غير الرسمي الذي يتمدد ويتعمّم، والمقلق أنّه يتغذى من التوريد المتزايد لعمليّات تبييض الاموال القذرة والجريمة المنظّمة.  

ان ما ينخر لبنان إذا وضعنا جانباً الفساد، هو الخوف من الآخر، وأشباح هذا الخوف يغذيها المستفيدون من تعظيمه. بيد ان ما ينتاب اللبنانيين الان وقبل كلّ شيء هو الخوف من عدم العثور على الدواء وعدم التمكّن من تسديد قسط مدرسي أو تأمين القوت للعائلة.

ما من بلد يسَعه أن يهرب من جغرافيته الخارجيّة أو من خريطته الداخليّة، ورسالة لبنان منذ البدء تقضي بأن يكون بوّابة بين الشرق والغرب وبأن يكون مساحةً للتعايش بسلام بين جميع الذين وجدوا فيه ملجأ على مرّ تاريخه. هي رسالة جميلة وهي ركيزة الهوية اللبنانية، واذا فقدت هذه الركيزة انهار النقد وانهار الوطن، وهذا ما هو حاصل الان، وما جرى في السبعينات الماضية، ودفع هنري كيسنجر الى اطلاق تصريحه الشهير امام الرئيس الراحل سليمان فرنجية بأن لبنان ليس بوطن.

اخيرا ركزت المجموعة الخماسية في اعلانها على مناقشة الإجراءات ضد أولئك الذين يعرقلون انتخاب رئيس للبلاد يجسد النزاهة، ويوحد الأمة، ويضع مصالح البلاد في المقام الأول، ويعطي الأولوية لرفاه مواطنيه، ويشكل ائتلافا واسعا وشاملا لتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية الأساسية، لا سيما تلك التي يوصي بها صندوق النقد الدولي.

وهي مواصفات تختلف بالتأكيد عن مواصفات "حزب الله" لرئيس يحمي ظهر "المقاومة" من دون تحديد اين يقع هذا الظهر؟ في البقاع، في الجنوب، داخل الحدود اللبنانية او خارجها، في سوريا او العراق او طهران او اليمن؟

وشدد اعلان المجموعة على أهمية تنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي والاتفاقات والقرارات الدولية الأخرى ذات الصلة، بما فيها تلك الصادرة عن جامعة الدول العربية، إضافة إلى التزام وثيقة الوفاق الوطني. 

وكان هناك تمنّ لو شملت التوصيات اعادة تفعيل قرار مجلس الأمن رقم 128 الذي صدر في يوليو/تموز1958 بنتيجة الاقتتال الداخلي والذي قضى بإرسال فريق مراقبة إلى لبنان لضمان عدم حصول أي تسلل من سوريا الى اراضيه للأفراد، او اي توريد للأسلحة وللأعتدة الأخرى. وكان ضبط الاوضاع على الحدود ورد ايضا في "اعلان بعبدا" الذي تضمن بندا آخر حول تحييد لبنان عن سياسة المحاور والصراعات الإقليميّة والدوليّة وتجنيبه الانعكاسات السلبيّة للتوتّرات والأزمات الإقليميّة، وذلك حرصاً على مصلحته العليا ووحدته الوطنيّة وسلمه الأهلي، عدا ما يتعلق بواجب إلتزام قرارات الشرعيّة الدوليّة والإجماع العربي والقضيّة الفلسطينيّة المحقّة.