اختفاء وزير خارجية... ليس كل ما يُعرف يقال في الصين

شُوهد تشين آخر مرة علنا في الخامس والعشرين من يونيو/حزيران، وظهرت الشائعات، أو صُنعت، للترويج لروايات عدة عن الوزير الغائب

AP/MAJALLA
AP/MAJALLA

اختفاء وزير خارجية... ليس كل ما يُعرف يقال في الصين

اختفت رسالة الترحيب بوزير الخارجية الصينية تشين غانغ من الموقع الإلكتروني لوزارة الخارجية، واستبدلت صورته ورسالة الترحيب بالزائرين، بتنويه: "الموقع قيد التحديث". وحُذفت سيرته الذاتية بعد قرار إقالته من منصبه الذي تولاه قبل سبعة أشهر.

شُوهد تشين آخر مرة علنا في الخامس والعشرين من يونيو/حزيران، وظهرت الشائعات، أو صُنعت، للترويج لروايات عدة عن الوزير الغائب، وبدأت حرب التكهنات على مصيره في البدائل الصينية لوسائل التواصل الاجتماعي المعروفة عالميا، فيما التزمت وسائل الإعلام الرسمية الصمت بسبب عدم الرغبة، أو عدم القدرة بالأحرى، على الخوض في قضية سياسية، تتعلق بحزب يحكم البلاد بآيديولوجيا شيوعية وبيد من حديد لأكثر من سبعين عاما.

وعلى ما يبدو، فإنه قد تمّت صياغة رواية رسمية في الأيام الأخيرة، قبل الإقالة، مفادها أن الوزير تشين، 57 عاما، يعاني من مشكلة صحية، وقد أُجل اجتماعه مع رئيس السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل الذي كان مقررا في الرابع من الشهر الجاري، وكأن وزارة الخارجية في بكين تقدم اعتذارا دبلوماسيا للأطراف الدولية المعنية بتغيير المواعيد الرسمية.

وفي اجتماع مفاجئ للجنة المجلس الوطني لنواب الشعب (مؤلفة من 150 عضوا)، تقرر تعيين الدبلوماسي المخضرم وانغ يي وزيرا للخارجية مرة أخرى، إذ شغل وانغ المنصب من 2013 إلى 2022، وتبوأ مناصب حساسة في الهرم الشيوعي الرسمي، كان آخرها مدير مكتب لجنة الشؤون الخارجية للجنة المركزية للحزب الحاكم. وتولى وانغ بعضا من مسؤوليات وزير الخارجية خلال الفترة الأخيرة، ومثّل بلاده في اجتماع لدول منظمة بريكس.

ولكن تشين أيضا واحد من المسؤولين المهمين في الحزب الشيوعي الصيني وكان مقربا من الرئيس شي جين بينغ، وعُرفت عنه حدته في الرد على ما دأب على توصيفه بـ"الاستفزاز السياسي الغربي"، لاسيما عندما ساوى الرئيس الأميركي جو بايدن بين شي والزعماء "الديكتاتوريين" في تصريح له آخر الشهر الماضي قبل أيام من اختفاء الوزير عن المشهد.

AP
وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكين، إلى اليسار، يلتقي بوزير الخارجية الصيني تشين غانغ، إلى اليمين، في دار ضيافة الدولة في بكين ، الصين، في 18 يونيو 2023، قبل ستة أيام من اختفاء تشين.

وقد شهد تشين، على الرغم من أنه تولى منصب وزير الخارجية لبضعة أشهر، حدثين بالغي الأهمية، وهما وساطة بلاده في توصل المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى اتفاق في مارس/آذار يتضمن الموافقة على استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما، وإعادة فتح سفارتيهما، وظهور الصين على الساحة الإقليمية كوسيط محوري، والثاني يتمثل في زيارة وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن إلى بكين الشهر الماضي، فضلا عن أزمة سياسية كبيرة في فبراير/شباط مع واشنطن، على خلفية اكتشاف منطاد صيني فوق الأراضي الأميركية، قالت إن بكين أطلقته لأغراض التجسّس، بينما شدّدت الصين على أنه منطاد لرصد الطقس.

اللافت أن اختفاء أو غياب المسؤولين الصينيين عن الأنظار لبرهة من الوقت ليس بالأمر الغريب، بل إنه تكرر أكثر من مرة، حتى إن الرئيس تشي نفسه اختفى لمدة أسبوعين تقريبا قبل أن يصبح زعيما للبلاد عام 2012، مما أثار تكهنات وقتها بشأن صراعات محتملة على السلطة داخل الحزب، تلك الاختفاءات التي ظلت لغزا حتى الآن، بسبب السرية الشديدة التي يفرضها الحزب الشيوعي وينفذها بصرامة.

وأُسس الحزب عام 1921، وأصبح الركيزة الرئيسة لجمهورية الصين الشعبية بعد انتهاء الحرب الأهلية الصينية عام 1949، واحتفل الرئيس شي ورفاقه بعيد ميلاد الحزب المئة في الأول من يوليو/تموز عام 2021، ليثبت للجميع صمود حزب شيوعي، يتخذ خليطا من الأفكار الماركسية اللينينية والماوية، إضافة إلى الاشتراكية الصينية، نبراسا له، وبعد أن انهار الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفياتي عام 1991.

وتحولت الصين بالفعل خلال العقود الماضية لتصبح "مصنع العالم" وثاني أكبر اقتصاد بعد الولايات المتحدة، بسبب التركيز على مصادر القوة غير العسكرية كسبيل لتحقيق نفوذ عالمي لها آخذ في التوسع، بهدوء وتخطيط وسرية لا تقل عن "سرية غياب" مسؤولي الحزب الشيوعي فجأة.

font change

مقالات ذات صلة