أوروبا متحدة حول روسيا... منقسمة حول الصين؟

المستوى غير المسبوق من الوحدة عبر أوروبا فيما يتعلق بروسيا يتناقض بشكل صارخ مع المواقف المتفاوتة لهذه الدول نفسها من الصين

Xinhua/Majalla
Xinhua/Majalla

أوروبا متحدة حول روسيا... منقسمة حول الصين؟

كانت حرب روسيا على أوكرانيا جرس إنذار للقادة الأوروبيين، الذين كانوا ينظرون بعين الريبة إلى استخدام فلاديمير بوتين لأكثر من عقد من الزمان تكتيكات جبارة بشكل متزايد في جورجيا وشبه جزيرة القرم وسوريا وحتى في شوارع سالزبوري، دون أن يمنعهم ذلك من الحفاظ على روابط قوية مع موسكو، وخاصة روابط التجارة. ولكن اللحظة الحاسمة جاءت مع غزو أوكرانيا عام 2022، الذي دفع معظم العواصم الأوروبية إلى إعادة النظر بسرعة وتعديل علاقاتها مع بوتين ورفاقه. وأدى ذلك إلى فرض عقوبات، وبذل جهود محمومة لتأمين مصادر الطاقة البديلة، ومصادرة الأصول المملوكة لأفراد مرتبطين بشكل وثيق مع بوتين، مثل مالك نادي تشيلسي السابق رومان أبراموفيتش.

الأمر اللافت للنظر هو وحدة الموقف والعمل التي ميّزت سلوك الحكومات الأوروبية في مواجهة التهديد الروسي الماثل في أذهانهم. لقد اتسم العقد الماضي عموما بانقسام القادة الأوروبيين، داخل الاتحاد الأوروبي وخارجه، حول قضايا عديدة من مثل أزمة ديون اليونان أو الاشتباكات المريرة بين لندن وبروكسل بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. لكن الردّ في أوكرانيا كان شبه إجماع. ولم تكن دول الاتحاد الأوروبي وحدها من اتحد لدعم كييف ومعاقبة موسكو فحسب، بل انضمت الدول الأوروبية خارج تلك الكتلة إلى الإجراءات المناهضة لروسيا.

كان إنشاء المجتمع السياسي الأوروبي عام 2022 لمنتدى أوروبي أوسع يضم 47 دولة خارج المجموعة الضيقة المكونة من 27 دولة عضوًا في الاتحاد الأوروبي علامة على الكيفية التي أثبتت بها حرب أوكرانيا، ويا للمفارقة، نوعا من الوحدة القارية.

ولكن هذا الموقف الموحد من غزو روسيا لأوكرانيا يتناقض بشكل حاد مع النهج الحالي تجاه الصين. وبينما يتفق القادة الأوروبيون على التهديد الذي تشكله موسكو، فإن مواقفهم أكثر تباينا في الموقف تجاه بكين. فمن جانب تردد لندن الآن على نحو متزايد صدى موقف واشنطن المتشدد بشأن الصين، حيث وصف رئيس الوزراء ريشي سوناك الصين مؤخرا بأنها "التحدي الأكبر" للأمن العالمي، ومثله ترفع رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون ديرلاين، حدة انتقادها للصين. وفي المقابل، نجد أن أكثر من نصف الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي– معظمها في شرق وجنوب أوروبا– قد وقّعت على مبادرة الحزام والطريق الصينية. وتراجعت بعض الدول، مثل المجر واليونان، عن محاولات شيطنة الصين وترفض تقييد ما تعتبره استثمارات مطلوبة بشدة. ويطل برأسه سؤال جاد: هل يمكن للمناقشات القادمة حول الصين أن تفرق الدول الأوروبية بعد أن وحدتهم حرب أوكرانيا؟

اتسم العقد الماضي عموما بانقسام القادة الأوروبيين، داخل الاتحاد الأوروبي وخارجه، حول قضايا عديدة من مثل أزمة ديون اليونان أو الاشتباكات المريرة بين لندن وبروكسل بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. لكن الردّ في أوكرانيا كان شبه إجماع


وحدة حول روسيا

لم يكن رد فعل أوروبا ككل على غزو روسيا عام 2022 مؤكدا، إذ إن كثيرا من الدول كانت تعتمد اعتمادا رئيسيا على روسيا في إمداداتها من الطاقة، وبخاصة ألمانيا وبولندا وإيطاليا والتشيك والمجر. بالإضافة إلى ذلك، كانت بريطانيا، التي لم تعد عضوا في الاتحاد الأوروبي، ولكنها لا تزال لاعبا أوروبيا رئيسا، موطنا لاستثمارات كبيرة من الأوليغارشية الروسية مثل أبراموفيتش، بينما كانت قبرص بالمثل ملاذًا للأموال الروسية. وسياسيا، كان زعيم المجر، فيكتور أوربان، يتمتع بعلاقات وثيقة مع الكرملين. بل إن الكثير كان يتكهن، في واقع الأمر، بأن فلاديمير بوتين، عندما كان يخطط للغزو،  كان يعتمد على سعي الأوروبيين وراء مصالحهم الخاصة وانقسامهم حول ذلك.

لكن هذه الافتراضات برهنت على عدم صحتها، حيث اتحدت الدول الأوروبية في فرض العقوبات وتقديم المساعدة لأوكرانيا. وأنشأ الاتحاد الأوروبي آلية السلام الأوروبية، التي خصصت ما يصل إلى 30 مليار دولار من المساعدات إلى كييف حتى الآن. كما ساهمت دول من خارج الاتحاد الأوروبي، مثل بريطانيا، بتقديم 10 مليارات دولار إضافية من المساعدات العسكرية والمالية. وأظهرت الحكومات الأوروبية موقفا موحدا في نهجها تجاه اللاجئين الأوكرانيين، فرحبت بالملايين منهم في جميع أنحاء القارة. وفي مارس/آذار 2022، بعد شهر واحد فقط من الغزو، وافق قادة الاتحاد الأوروبي على تقليل اعتمادهم على الغاز الروسي. وتمكنت ألمانيا، أكبر مستورد للطاقة الروسية في أوروبا، من تقليل اعتمادها بشكل كبير في غضون أقل من عام.

Reuters
الرئيس التشيكي بيتر بافيل يرحب بالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في براغ، 6 يوليو 2023

ولكن لم تكن الأمور سلسة بالكامل، فكثيرا ما انتقدت المجر عقوبات الاتحاد الأوروبي على روسيا، وأثبت أوربان أنه استثناء في الجبهة الأوروبية الموحدة. بل إنه، في عدة مناسبات، منع حزم المساعدات لأوكرانيا، مما أجبر بروكسل على البحث عن حلول بديلة. ووصلت علاقة أوربان مع الاتحاد الأوروبي ككل إلى الحضيض، حيث قارن مؤخرا الاتحاد الأوروبي بهتلر ونابليون بونابرت. ومع ذلك، على الرغم من كل خطاباته، فإن أوربان لم يكسر الصفوف ويخرج الوحدة الأوروبية عن مسارها. وينطبق الشيء نفسه على دول أخرى في الاتحاد الأوروبي؛ فقبرص مثلا كانت تتمتع بعلاقات وثيقة مع روسيا قبل الغزو لكنها وافقت على اتباع خط بروكسل تجاه بوتين. وقال يوانيس كاسوليديس، وزير خارجية قبرص، لصحيفة "فايننشيال تايمز": "لم يكن لدينا خيار آخر. كان قرارنا هو دعم الاتحاد الأوروبي وتضامن الاتحاد"، على الرغم من التكاليف التي يتحملها الاقتصاد القبرصي بسبب خسارة استثمارات قيمة من المنفيين الروس.

كان إنشاء المجتمع السياسي الأوروبي عام 2022 لمنتدى أوروبي أوسع يضم 47 دولة خارج المجموعة الضيقة المكونة من 27 دولة عضوًا في الاتحاد الأوروبي علامة على الكيفية التي أثبتت بها حرب أوكرانيا، ويا للمفارقة، نوعا من الوحدة القارية


وكانت ثمة معارضة أخرى لمواجهة روسيا من دول أوروبية خارج الاتحاد الأوروبي، فقد أصرت تركيا على انتهاج الحياد، الأمر الذي أثار إحباط حلفائها في الناتو كثيرا، في حين أن بيلاروسيا وجمهورية ترانسنيستريا المنشقة غير المعترف بها هما حليفتان قويتان لروسيا وليستا جزءًا من المحادثات.

وظلت صربيا، وهي الدولة القريبة تاريخيا وثقافيا من روسيا، محايدة أيضا ولم تنضم إلى العقوبات، وإن تكن اقتربت بهدوء من الاتحاد الأوروبي، الذي تأمل حكومتها في النهاية الانضمام إليه، فأنهت اعتمادها على النفط الروسي، تماشيا مع عقوبات الاتحاد الأوروبي، واستوردت بدلاً منه النفط العراقي. ويبقى في نهاية المطاف أن عدد هذه الدول التي لم تماشِ الموقف الأوروبي الموحد ضئيل للغاية. ومع انضمام الحكومات غير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي مثل المملكة المتحدة والنرويج وأيسلندا وألبانيا ومقدونيا الشمالية ومولدوفا إلى الاتحاد الأوروبي في فرض عقوبات على روسيا، تبدو الغالبية العظمى من الدول الأوروبية موحدة في معارضتها الشديدة للغزو. إن استعداد الدول البعيدة مثل القوقاز للانضمام إلى المجموعة السياسية الأوروبية الجديدة يشير إلى أنه حتى أولئك الذين لا يرغبون في الانضمام إلى العقوبات حريصون على إظهار الوحدة العامة. من الجدير بالذكر أن روسيا وبيلاروسيا هما الدولتان الأوروبيتان الوحيدتان اللتان لم تنضما إلى العضوية.

توسع النفوذ الاقتصادي لبكين في أوروبا في السنوات الأخيرة، حيث وقع ثلثا الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على مذكرات تفاهم للانضمام إلى مبادرة الحزام والطريق

تباين حول الصين

غير أن هذا المستوى غير المسبوق من الوحدة عبر أوروبا فيما يتعلق بروسيا يتناقض بشكل صارخ مع المواقف المتفاوتة لهذه الدول نفسها من الصين. لقد توسع النفوذ الاقتصادي لبكين في أوروبا في السنوات الأخيرة، حيث وقع ثلثا الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على مذكرات تفاهم للانضمام إلى مبادرة الحزام والطريق. وبالتالي، بدأت بالفعل استثمارات كبيرة في البنية التحتية، مثل تجديد ميناء بيرايوس في اليونان وخط سكك حديد بودابست بلغراد في المجر. وقامت الصين أيضًا باستثمارات كبيرة في دول خارج الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك تركيا وصربيا ودول غرب البلقان الأصغر مثل الجبل الأسود.

وتصر الولايات المتحدة على أن بروكسل والحكومات الأوروبية يجب أن تهتمّ لذلك، ومن اللافت أن رؤساء الولايات المتحدة المتعاقبين أخذوا يصعدون في السنوات الأخيرة من خطابهم ضد بكين، ويحثون الحلفاء على تحويل تصورهم للصين من شريك اقتصادي إلى تهديد استراتيجي. وفيما بدأ بعض الحكومات الأوروبية في تبني هذا المنظور، فلا يزال الكثير منها يرفضون ذلك إما سرّا وإما علانية، ويواصلون الترحيب باستثمارات الصين بشكل عام ويعبرون عن دعمهم لمبادرة الحزام والطريق على وجه التحديد، على الرغم من مخاوف واشنطن.

لقد كان واضحا كيف تبنت الولايات المتحدة موقفا عدائيا صريحا تجاه الصين خلال رئاسة دونالد ترامب في عام 2017، بينما كانت الدول الأوروبية أكثر حذراً وأبطأ في ردها. ولفترة طويلة، كان الاتحاد الأوروبي والحكومات الأوروبية الأخرى حريصين على عدم الانحياز إلى أي طرف في التوترات المتزايدة بين واشنطن وبكين. ولكن وقع خرق حديث في هذا النهج، حين صرحت بريطانيا، التي كانت أعلنت في 2010 "العصر الذهبي" للعلاقات مع الصين، قبيل انعقاد قمة مجموعة السبع في اليابان أنها باتت تنظر إلى الصين الآن باعتبارها "تحديا". وانضمت ألمانيا وفرنسا وإيطاليا لاحقا إلى المملكة المتحدة في الاتفاق مع أعضاء مجموعة السبع الآخرين على "إزالة المخاطر" من العلاقات التجارية مع الصين عن طريق سحب الاستثمارات من القطاعات الحساسة في الاقتصاد الصيني. وقد تبيّن ذلك بشكل أوضح في اللغة النقدية المثيرة للعجب التي استخدمتها أورسولا فون ديرلاين في خطاب ألقته بالعاصمة بكين في أبريل/نيسان، حيث بدا أنها تنتقد الاتجاه الاستبدادي المتزايد للقيادة الصينية.

الغموض تجاه الصين ليس حكرا على الدول الأوروبية الأضعف اقتصاديا، فحتى فرنسا تتوخى الحذر في اتخاذ موقف متشدد تجاه بكين، وفي حين وافق الرئيس إيمانويل ماكرون على استراتيجية "عدم المخاطرة" في مجموعة السبع، فقد سبق له أن زار بكين وأصر على أن أوروبا لا ينبغي أن تنجر إلى مواجهة بين الصين والولايات المتحدة

وقد اتخذت الدول الأوروبية إجراءات إضافية ضد الصين. في عام 2021، أعلن الاتحاد الأوروبي عن إنشاء صندوق "البوابة العالمية" بهدف مواجهة مبادرة الحزام والطريق. ومع أن الصين لم تُذكر صراحة، فقد فسر كثيرون إطلاق الصندوق على أنه وسيلة لمواجهة "دبلوماسية التنمية" الصينية من خلال تزويد الدول النامية بمصدر بديل للاستثمار في البنية التحتية وربما منعها من الوقوع تحت نفوذ بكين. وفي الآونة الأخيرة، أشارت إيطاليا إلى نيتها ترك مبادرة الحزام والطريق، وقد كانت العضو الوحيد في مجموعة السبع الذي انضم إلى المبادرة، ويبدو أنها تحت ضغط من دول مجموعة السبع الأخرى.

أصوات مؤيدة للصين

ومع ذلك، في حين أن الاقتصادات الأوروبية الأكبر، والتي تعتمد على الاستثمار الصيني بدرجة أقل، تغير موقفها، فإن الدول الأخرى لا تزال أكثر ترددا. وخذ اليونان على سبيل المثال، التي انتقدت صراحة الجهود المبذولة لتطوير سياسة موحدة ضد الصين على مستوى الاتحاد الأوروبي، ومعروف أن اليونان قد تلقت استثمارات كبيرة من الصين. كما أعربت النمسا والمجر معا عن معارضتهما هذا الاتجاه. وكان من بين ما عارضته هذه الدول الثلاث بشدة فرض حظر على شركة "هواوي" على مستوى الاتحاد الأوروبي، على سبيل المثال. ولعل المجر خاصة هي الصوت الأعلى في تأييد الصين داخل الاتحاد الأوروبي، إضافة طبعا إلى تأييدها لروسيا. وفي أغسطس/آب 2022، أعلنت شركة "CATL" الصينية عن خططها لافتتاح مصنعها الأوروبي الثاني للبطاريات في المجر، وهو استثمار كبير بقيمة 7.3 مليار يورو، يبدو أنه يعزز قرب بودابست المتزايد من بكين. وخارج الاتحاد الأوروبي، تلقت صربيا أيضا استثمارات كبيرة من الصين، وعلى غرار نهجها مع روسيا، فإنها تتعامل مع خط رفيع بين بروكسل وبكين.

ولكن الغموض تجاه الصين ليس حكرا على الدول الأوروبية الأضعف اقتصاديا، فحتى فرنسا تتوخى الحذر في اتخاذ موقف متشدد تجاه بكين، وفي حين وافق الرئيس إيمانويل ماكرون على استراتيجية "عدم المخاطرة" في مجموعة السبع، فقد سبق له أن زار بكين وأصر على أن أوروبا لا ينبغي أن تنجر إلى مواجهة بين الصين والولايات المتحدة.

 

EPA
الرئيس الصيني شي جين بينغ (يسار) والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (يمين) يتحدثان في لقاء على هامش الزيارة الرسمية لبكين، في 8 أبريل 2023

على الرغم من اعتراف فرنسا بالتهديد العسكري المحتمل الذي تشكله الصين وتخطط استراتيجيتها الدفاعية وفقا لذلك، يبدو أن باريس ترفض خطاب المواجهة الذي تفضله واشنطن، حيث يتبنى ماكرون موقفا أكثر تحفظا مقارنة مع فون ديرلاين. وبالمثل، في المملكة المتحدة، دعا حزب العمال المعارض، الذي من المرجح أن يفوز في الانتخابات المقبلة، إلى نهج أكثر دقة تجاه الصين مقارنة بنهج رئيس الوزراء سوناك الأخير. ودعا وزير خارجية الظل ديفيد لامي إلى التعاون مع بكين في قضايا مثل تغير المناخ، في الوقت نفسه الذي أدان انتهاكات حقوق الإنسان والسلوك العدواني لبكين.

ومع ذلك، ثمة من يرى أن نفوذ الصين في أوروبا قد تأثر بموقفها المحايد من حرب أوكرانيا. وأعادت دول أوروبا الشرقية التي كانت تتقبل سابقا الاستثمار الصيني ومبادرة الحزام والطريق تقييم مواقفها بسبب سياسة بكين المؤيدة لموسكو. وتجادل الباحثة سونا موزيكاروفا من مركز الأبحاث "ذا اتلانتيك كاونسيل" بأن هذا ساهم في قرار دول البلطيق العام الماضي بالخروج من آلية التعاون "17+1" للصين والأعضاء الأوروبيين في مبادرة الحزام والطريق. وبالمثل، فإن قرار أول دعوة دبلوماسية للرئيس التشيكي الجديد بيتر بافيل لتايوان، والذي أثار غضب بكين، قد يكون مرده فتور حماس براغ للاستثمار الصيني. ومع أن هذه التحركات قد لا تمثل تبنيًا لنهج واشنطن الأكثر تصادمية، إلا أنها تشير إلى أن الصورة أكثر تعقيدًا من مجرد كون أوروبا الشرقية مواتية لبكين بينما أوروبا الغربية معادية.

ثبت منذ فترة طويلة أنه من الصعب على الاتحاد الأوروبي الاتفاق على مواقف السياسة الخارجية، ناهيك عن القارة الأوروبية الأوسع، بالنظر إلى المصالح المتباينة للدول الـ27 أو الـ47 المعنية

مستقبل غامض

وإذن، فإن الحكومات الأوروبية، داخل الاتحاد الأوروبي وخارجه، ليست منحازة بشكل كامل ضد الصين، ولكنها تتفاوت في مواقفها من حماس المجر إلى العداء البريطاني (الحالي). وبينما يبدو أن البعض منفتح على الاقتراب أكثر من خط واشنطن في مواجهة الصين، فإن البعض الآخر لا يسير في ذات المنحى. ويأمل البيت الأبيض أن تتحول القضية في صالحه وإن ببطء، وبمرور الوقت، تعتقد واشنطن أن المزيد من الدول سوف تقتنع بنوايا بكين السيئة. قد يسمح هذا في النهاية بجبهة أوروبية موحدة (إلى حد ما) ضد الصين، على غرار الوحدة التي نشهدها ضد روسيا بعد عام 2022.

لكن الولايات المتحدة قد تصاب بخيبة أمل. ربما كان الرد الأوروبي الموحد تجاه روسيا هو الاستثناء وليس القاعدة. لقد ثبت منذ فترة طويلة أنه من الصعب على الاتحاد الأوروبي الاتفاق على مواقف السياسة الخارجية، ناهيك عن القارة الأوروبية الأوسع، بالنظر إلى المصالح المتباينة للدول الـ27 أو الـ47 المعنية. لقد شكّل الغزو الروسي لأوكرانيا خطرا وشيكا نادر الحدوث يمكن أن تعتبره معظم الحكومات الأوروبية تهديدا واضحا. ولكن الصين لا تمثل في الوقت الحالي مثل هذا التهديد، وبالتالي يصعب تحقيق نفس الوحدة الحاسمة. وقد يؤدي تصعيد دراماتيكي، مثل مواجهة كبيرة بين بكين وواشنطن أو غزو صيني لتايوان، إلى تغيير هذه الحسابات الجماعية، ودون ذلك يصعب رؤية المستوى نفسه من الوحدة يظهر كما حدث في روسيا.

font change

مقالات ذات صلة