أوكرانيا تتنظر "إف-16"... وتساؤلات حول فعاليتها

أوكرانيا تتنظر "إف-16"... وتساؤلات حول فعاليتها

ثمة احتمال في أن تكون إدارة الرئيس الأميركي بايدن قد أعطت موافقتها أخيرا على نقل مقاتلات "إف-16" أميركية الصنع إلى أوكرانيا، أما هل ستصل هذه الطائرات الحربية في وقتها المناسب لتؤثر على المجهود الحربي المتعثر للجيش الأوكراني؟ فذلك سؤال آخر.

وكان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قد وجه أول نداء له ناشد فيه قادة "الناتو" لتزويد قواته بطائرات حربية غربية متطورة نهاية العام الماضي، بعد أن حققت قواته مكاسب كبيرة باستيلائها على المدينتين الاستراتيجيتين خاركيف في الشمال، وخيرسون في الجنوب.

وخلال زيارة الزعيم الأوكراني الرائدة إلى واشنطن في ديسمبر/كانون الأول، حين ألقى في العاصمة الأميركية خطابا تاريخيا وصف فيه حرب أوكرانيا ضد روسيا بأنها "خط مواجهة الاستبداد"، قدم زيلنسكي لأول مرة عرضه للرئيس الأميركي جو بايدن لتزويد قواته بمقاتلات "إف-16" الأميركية.

وكان رد فعل بايدن الأولي على هذا الطلب أن واشنطن ليست مستعدة على الأرجح للامتثال لطلبه. غير أن البيت الأبيض أذعن في نهاية المطاف بعد تلقيه ضغوطا من عدد من الدول الأوروبية مثل بولندا وهولندا والدنمارك، التي ساندت توفير الأسلحة، فأعلن بايدن في مايو/أيار أنه سيدعم تحالفا دوليا لتدريب الطيارين الأوكرانيين على المقاتلات الغربية.

وفي قمة الناتو التي عقدت الشهر الماضي في فيلنيوس وُضعت اللمسات الأخيرة على الترتيبات الخاصة ببرنامج التدريب الذي يمكن الطيارين الأوكرانيين من قيادة الطائرات الغربية كطائرات "إف-16" ومن المرجح أن يتدربوا في رومانيا.

وجاءت اللمسة الأخيرة نهاية الأسبوع عندما أعطت واشنطن أخيرا الإذن للدنمارك وهولندا بإرسال مقاتلات من طراز "إف-16" إلى أوكرانيا ما إن ينتهي برنامج تدريب الطيارين.

ورحبت كل من الدنمارك وهولندا بالقرار، فنشر وزير الخارجية الهولندي ووبكي هوكسترا على منصة "إكس"، (تويتر) سابقا، منشورا رحب فيه "بقرار واشنطن الذي يمهد الطريق لإرسال طائرات مقاتلة من طراز (إف-16) إلى أوكرانيا. وسنمضي الآن قدما في مناقشة هذا الموضوع مع شركائنا الأوروبيين".

وبينما رحب كثير من قادة الناتو بهذه الخطوة، تبقى هناك مخاوف من الإطار الزمني لتسليم الطائرات الحربية، فموافقة واشنطن جاءت مرفقة بعدد من التحذيرات المهمة. وقال مسؤولون أميركيون إن عملية الموافقة لن تبدأ إلا بعد الانتهاء من برنامج التدريب، وإنهم سيسعون بعد ذلك إلى "التعجيل" بنقل الطائرات الحربية.

كان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قد وجه أول نداء له ناشد فيه قادة "الناتو" لتزويد قواته بطائرات حربية غربية متطورة نهاية العام الماضي

وبما أن الطائرة "إف-16" طائرة حربية أميركية الصنع، تحتفظ واشنطن بحقها في تقرير هل يمكن للحلفاء الذين اشتروا الطائرة، توريدها إلى دولة أخرى.

علاوة على ذلك، قد يستغرق الأمر ستة أشهر على الأقل حتى يتمكن الطيارون المدربون على قيادة طائرات الحقبة السوفياتية من التكيف مع قيادة طائرات حربية غربية أكثر تطورا مثل طائرة "إف-16"، والتي يُنظر إليها على نطاق واسع على أنها منصة أسلحة متفوقة على المقاتلات الروسية، مثل "سو-35".

وحتى الآن، فإن قدرة موسكو على نشر طائرات "سو-35" في شرق أوكرانيا جعلت الأوكرانيين في وضع غير مواتٍ على نحو جلي، حيث تكافح قواتهم للدفاع عن نفسها ضد الطائرات الحربية الروسية، المجهزة برادار فعال للغاية وصواريخ بعيدة المدى، استخدمها الروس لشن هجمات جوية ضد الطائرات الأوكرانية في الجو وكذلك المواقع العسكرية على الأرض.

وكان عجز أوكرانيا عن توفير غطاء جوي مناسب لقواتها البرية خلال هجومها المضاد الأخير على المواقع الروسية، شرقي أوكرانيا، عاملا رئيسا في أن يكون تقدم قواتها بطيئا في الأسابيع الأخيرة.

وبالتالي فإن حصول الأوكرانيين على أسطول من طائرات "إف-16" سيوفر لهم القدرة على الدفاع عن مجالهم الجوي، كما يحد من قدرة خصومهم الروس على العمل فوق الأراضي الأوكرانية.

ومع ذلك، فإن اضطراب إدارة بايدن وترددها في الموافقة على نقل الطائرات الحربية إلى كييف يثير الآن تساؤلات جدية عما إذا كانت الطائرات ستصل في الوقت المناسب لتقديم مساهمة كبيرة في مجهود أوكرانيا الحربي.

ولو أن الموافقة على تسليم الطائرات الحربية جاءت عندما قدم زيلنسكي طلبه لأول مرة العام الماضي، فلربما كانت وصلت في الوقت المناسب لتحدث فرقا ملموسا في الهجوم الأوكراني المضاد هذا العام.

ونظرا لتردد بايدن بشأن هذه المسألة، فإن وصول الطائرات الحربية في إطار زمني مناسب لعملية هذا العام يبدو غير محتمل على الإطلاق. ويزيد من تأثير ذلك احتمال انتهاء الهجوم العسكري الأوكراني بحلول ذلك الوقت.

كما أن هناك أسئلة أيضا عن الدول التي ستقوم بتزويد أوكرانيا بهذه المقاتلات، وكم عدد الطائرات الحربية التي سيحصل عليها الأوكرانيون على وجه الدقة.

لقد اتفق تحالف يضم 11 دولة في حلف شمال الأطلسي خلال قمة يوليو/تموز على تدريب الأوكرانيين على قيادة طائرات "إف-16" وربما طائرات مقاتلة أخرى. لكن الخبراء العسكريين يقدرون أن الطيارين الأوكرانيين لن يكونوا مؤهلين لقيادة هذه الطائرات قبل مطلع 2024.
 

هناك أسئلة أيضا عن الدول التي ستقوم بتزويد أوكرانيا بهذه المقاتلات، وكم عدد الطائرات الحربية التي سيحصل عليها الأوكرانيون على وجه الدقة

وفي حين تصدّرت بولندا الدعوات المطالبة بمنح أوكرانيا طائرات "إف-16"، فإنها لا تملك أعدادا كافية منها تقدمها لكييف، إذ اعترف رئيس الوزراء البولندي ماتيوس مورافيتسكي في مايو/أيار بأن "لدينا عددا قليلا جدا من الطائرات" لكي تقدمها بولندا إلى أوكرانيا.

ومن المرجح أن غالبية الطائرات التي تعهد الأوروبيون بها لكييف، ويتراوح عددها بين 40 و60 طائرة، ستأتي من الدنمارك وهولندا، على الرغم من أن العدد الحقيقي للطائرات التي ستتمكن هذه الدول من توفيرها للمجهود الحربي في أوكرانيا عدد غير مؤكد.

وقال رئيس الوزراء الهولندي مارك روتي في شهر مايو/أيار إن هولندا تدرس جديا تزويد أوكرانيا بطائرات "إف-16"، إذ تقوم حاليا بالتخلص التدريجي من الطائرات المقاتلة من قواتها المسلحة، دون أن يذكر عدد طائرات "إف-16" التي ستذهب إلى أوكرانيا.

كما أن الدنمارك لم تكن راغبة أيضا في تقديم تفاصيل دقيقة عن عدد الطائرات التي ستوردها، قائلة إنها لن تتخذ القرار إلا حين ينتهي التدريب.

وقال وزير الدفاع الدنماركي جاكوب إليمان جنسن بعد أن أعطت واشنطن موافقتها على عملية النقل: "قالت الحكومة عدة مرات إن تقديم الطائرات هو الخطوة الطبيعية التالية بعد التدريب. ونحن نناقش الأمر مع حلفائنا المقربين، وأتوقع أننا سنكون قادرين قريبا على أن نكون أكثر وضوحا بشأن ذلك".

ومن المعقول تماما في ظروف كهذه، أن تظل الشكوك قائمة حول مدى الفعالية التي ستثبتها طائرات "إف-16" في مجهود أوكرانيا الحربي، بينما للأوكرانيين كل الحق في أن يتساءلوا: هل ستصل الطائرات الحربية الموعودة في الوقت المناسب لتساعدهم على هزيمة خصمهم الروسي.

font change