علي المازمي: أكتب بلا مرجعيّة

يستعد لإصدار ديوانه الثاني

علي المازمي

علي المازمي: أكتب بلا مرجعيّة

أبوظبي: يرى الشاعرالإماراتي الشاب علي المازمي في قصيدة النثر خيارا جماليا يطلّ من خلاله على الوجود بالمعنى الفلسفي للكلمة، وعلى الحياة المعاصرة بمفرداتها المتشاكبة. يقول: "لم أختر قصيدة النثر بقدر ما أظن أنها هي التي اختارتني. الشكل الأنسب للتعبير بالنسبة إليّ، والأقدر على تمثّل كل تناقضات عصرنا وإيقاعاته الغريبة".

انطلاقا من هذا الاقتناع الراسخ، يردّ المازمي بالتجاهل على انتقادات البعض لقصيدة النثر: "كنت في البداية أكترث للانتقاد، لكنني لم أعد أكترث، واستحضر هنا عبارة قرأتها ذات مرة وأعجبتني مفادها أن وجود قصيدة النثر ليس بحاجة لشرعنة وجود، فهي حاضرة وموجودة بقوة".

بدأت علاقة علي المازمي بالشعر، مثل كثيرين من الشعراء العرب، بالشعر العمودي وشعر التفعيلة: "في البدايات استهواني شعر نزار قباني ومحمود درويش، ربما لم أتأثر بهما لكنني أعجبت بلغة قصائدهما، خاصة في مرحلة المراهقة، حيث كان حضور قصائد قباني في الأغاني، فأحببت اللغة والقصيدة الفصيحة من خلال تلك القصائد".

أما التأثّر الفعلي، بالنسبة إليه فكان من خلال شعراء قصيدة النثر، "فلعبة التأثر والتأثير مستمرة دائما، ودائما ما أتأثر بقصائد أو بتجارب شعرية أكثر مما أتأثر بشعراء"، كما يقول.

يصف المازمي الكتابة بالتجربة الصعبة: "لا أشعر بالرضا عن قصائدي فأنا قلق دائما ونادرا ما أشعر بالرضا عن أي شيء كتبته، وقد تساعدني هذه الحالة في أن يبقى النص حيّا إلى أن أنشره فأنتهي منه، فحين أرى النص منشورا، أشعر بأنه انتهى ولا أقدر أن أفعل له أي شيء، وفي حالات أخرى هناك نصوص تخرج مرة واحدة ولا أقدر ان ألمسها أو أنقحها، فأنشرها كما كتبت".

 هذه تجربتي بأن أكتب عن علاقتي الخاصة بالأشياء وأن لا أضيف إليها علاقات الآخرين، مثل علاقة محمود درويش بالغياب، أو علاقة نزار قباني بالحب

استبدل الشاعر المازمي عنوان مجموعته الأولى، "قبل أن أصاب بالعمى"، فصار "قبر الغراب"، يقول: "بصراحة كان لديّ خوف من العمى فقلت لنفسي إنني عندما أنشر ديواني الأول وأصرّح بهذا الخوف فسوف يلاحقني هذا الخوف، فأحيانا عندما أكتب أسقط حالاتي النفسية والذهنية على الأشياء بعد أن أنزع من الأشياء معانيها، وأسقط نفسي عليها، فكيف يمكن أن تؤثر هذه الأشياء في المستقبل بعد الدخول في حالة معينة من الوعي؟".

عنوان المجموعة "قبر الغراب" يحمل إيحاءات كثيرة بالنسبة إلى المازمي الذي يشير إلى تأثره بالنصوص الصوفية: "في قصائدي الأولى كنت متأثرا بجلال الدين الرومي وبعض الدراويش والسهروردي، أي الفكر الصوفي، فهناك مبادئ صوفية جميلة، خاصة فكرة وحدة الوجود وبأننا كلنا مترابطون، فبهذه الطريقة يدخل الإنسان إلى الكتابة، ويعرف أن كتابته عن الشجرة مثلا أو عن الأرض هي كتابة عن نفسه، عما يربط الإنسان بهذا الشيء، سواء أكانت طاقة روحانية أو غير ذلك. كنت في البدايات متأثرا برؤية الصوفيين للحياة والعالم ورؤيتهم لله مثل أفكار الحلاج عن الوجود الإلهي وهذه أفكار تحررية، فالمتصوفون كانوا متحرّرين في زمنهم. وأدونيس كان قد أشار إلى هذا بأنهم كانوا أحد التحولات التي حدثت ولكن تحولهم كان داخل الثابت".

ويضيف المازمي: "هذا دفعني إلى البحث في الفلسفات الشرقية فانتقلت إلى الهندوسية وذهبت الى أصول فكرة وحدة الوجود، وهذا ساعدني كثيرا وفتح لي آفاقا كبيرة خاصة في تجربتي المقبلة، التي ستكون من خلال مجموعتي الشعرية المقبلة التي وضعت لها عنوانا مبدئيا هو 'حيث تجلس أيامي الميتة'".

Getty Images
خلال الذكرى السنوية لجلال الدين الرومي

ويضيف المازمي عن هذه التجارب الجديدة: "أكتب تجربة شخصية، أنزع المعاني عن كل الأشياء التي أراها، وأبني علاقة شخصية معها، فمن الممكن أن يلهمني موقف بسيط جرى في مكان عادي، لكتابة قصيدة أسطورية لا علاقة لها بالموقف". ويشير إلى الاختلاف بين مجموعته الجديدة ومجموعته الأولى: "هذه المرة قررت أن أضع عناوين للقصائد كنوع من فكّ العتبات، وستكون التجربة مختلفة تماما عن التجربة الأولى التي كانت مكثفة جدا وكانت لديّ أفكار مختلفة عن الكتابة، حاليا أكتب بلا أي مرجعية". ويشدّد: "هذه تجربتي بأن أكتب عن علاقتي الخاصة بالأشياء وبأن لا أضيف إليها علاقات الآخرين، مثل علاقة محمود درويش بالغياب، أو علاقة نزار قباني بالحب، لكنني أبني قصيدتي انطلاقا من تجربتي، وانطلاقا من امتصاصي للتجارب والثقافات".

 

حالة وجودية

"هناك حالات معينة يعيشها كلّ مبدع عندما تخونه الكلمات وتبتعد عنه على الرغم من حاجته إلى وجودها وإلى تجسيدها في قصائده، فيعمل على استحضارها بطرق مختلفة"، يقول المازمي: "أحيانا أعود إلى قراءة قصائد ألهمتني وغالبا ما أفشل، لأن لحظة الكتابة لا أفهمها لأني لا أكون حاضرا أو واعيا فيها ولا أعرف كيف تتلبسني هذه الحالة، فأحاول أن أمسك بهذه الحالة من طريق القراءة والموسيقى وأفشل غالبا لأن القصيدة حالة وجودية يصعب استدعاؤها إراديا، وكان الفنان التشكيلي الراحل حسن شريف قد قال: 'أنا أفصل الطقسي على الروحاني'، والقصيدة تتطلب هذه الأجواء الشخصية التي نخترعها ونغيرها".

شعراء الثمانينات في الإمارات يتميزون بتجربة غريبة وناضجة وخارجة من بيئتهم وغير متأثرة بما كان يحدث في الخارج

يعتبر شريف الذي يقتبس المازمي منه هذا الكلام، من رموز التجربة الحداثية في الإمارات والخليج العربي، وعلى الرغم من رحيله قبل سنوات، إلا أن تجربته، خصوصا في مجال فن "التجهيز"، أثّرت في الأجيال اللاحقة، ومنهم المازمي: "للأسف لم أقابل حسن شريف، لكني شاهدت فيلما عنه بعنوان 'آلات حادة' للمخرجة نجوم الغانم وهو شخصية مؤثرة، وقد تأثرت بشعراء عرفوه عن قرب مثل عبد العزيز جاسم وإبراهيم الملا وأحمد عبيد،وهم من شعراء قصيدة النثر في الإمارات خلال الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي وإلى يومنا هذا".

هؤلاء الشعراء يعتبر المازمي أنهم رسخوا أسلوبهم الخاص في قصيدة النثر، فهم "يتميزون بتجربة غريبة وناضجة وخارجة من بيئتهم وغير متأثرة بما كان يحدث في الخارج، وعندما نقرأ أحد نصوصهم نراه جديدا ومختلفا، لأنهم عاشوا المرحلتين في الإمارات، مرحلة ما قبل النفط ومرحلة النهضة الاقتصادية التي حدثت في ما بعد، فهذا أوجد شيئا غريبا في النص الذي كان يُكتب في تلك الفترة". 

font change

مقالات ذات صلة