10 كتب تكشف لك سحر الكتابة وعوالمها الثرية

من الجاحظ إلى ستيفنسون

10 كتب تكشف لك سحر الكتابة وعوالمها الثرية

عالم الكتابة من أكثر العوالم ثراءً واتساعا، سواء أكانت كتابة الرواية أو القصة أو الشعر، كلما قرأت واطلعت وغصت أكثر في هذا العالم، أدركت اتساعه، ولعل أكثر ما يعرفك إلى هذه العوالم واختلافاتها هي الكتب التي وضعت حول الكتابة سواء لتوضيح مهاراتها أو أدواتها وطرق التعامل معها، أو الحكايات التي يحكيها الكتّاب عن علاقتهم بالكتابة، والتي تحمل من جهة أخرى أسرارا مختلفة.

1. البيان والتبيين

تناول كبار الأدباء العرب منذ بدايات عصر التدوين موضوع الكتابة الأدبية التي عرفوها باسم "البيان"، ولا يذكر البيان إلا ذكر عمدته وإمامه الكبير أبو عثمان الجاحظ (ت: 868م) صاحب الكتاب الأيقوني "البيان والتبيين"، وقد طرح من خلاله مفهوم الكتابة الأدبية وآلياتها وجمالياتها، وذلك من خلال ما سماه نظم العبارات وبناء الجمل واختيار الألفاظ ونحت المعاني، فهو صاحب المقولة الشهيرة "إن المعاني مطروحة في الطريق، يعرفها العجمي والعربي، البدوي والقروي، وإنما الشأن في إقامة الوزن وتخيّر اللفظ". وقد جاء كتابه في ثلاثة أجزاء، جعل الأول في "البيان" ويقصد به كل ما يكشف المعنى ويوضحه، فتحدّث فيه عن أنواع الدلالة، والمعاني واختلافها من العظيم المهم إلى الحقير الفاسد، والبلاغة وكيف وصفها العرب وكيف تحدثوا عن أنواعها في بناء الجمل والكلمات، وفي نهاية كل جزء يعرض لطرف من أقوال البلغاء والخطباء على سبيل المثل.

في الجزء الثاني يتناول الجاحظ ما سماه "باب اللحن" وهو الخطأ في اللغة، لكنه ينقل عن بعض الخطباء كيف يكون لحنهم مقصودا وبليغا في الوقت نفسه، كما يتحدث عن اختلاف المعاني تبعا للهجات القبائل أو المناسبات التي ترد فيها، وغير ذلك بشواهد شعرية من سير المتحدثين والخلفاء والأمراء وعلماء اللغة والبلاغة وعدد من خطبهم وأقوالهم في مواقف مختلفة،

وفي الجزء الثالث من الكتاب يقدّم حديثه عن سنن الخطابة العربية، ويتحدّث عن الأسماء التي وضعتها العرب للأزياء، ثم ينتقل إلى الحديث عن الزهد، ويختم الكتاب بفصل عن نقد الشعر والشعراء. هكذا يخوض الكتاب في أكثر من فكرة وموضوع، وهو على الرغم من عنوانه وما بدا من حرص مؤلفه على الحديث عن "البيان" وأهمية تركيز الأديب على فنون الأدب والبلاغة، تشعب وانتقل إلى مواضيع أخرى عديدة، مما جعله مرجعا للعديد من النصوص والكتابات الأدبية العربية.

طرح الجاحظ في "البيان والتبيين" مفهوم الكتابة الأدبية وآلياتها وجمالياتها، وذلك من خلال ما سماه نظم العبارات وبناء الجمل واختيار الألفاظ ونحت المعاني

2. أدب الكاتب

لم يكن الجاحظ وحده في هذا الباب، بل وجدنا الكثير من القدماء يتحدثون بين ثنايا كتبهم عن أصول الكتابة وواجباتها وكان ذلك بداية حركة النقد العربي القديم، فذكروا خصائص وصفات ما يجب أن يكون عليه الكاتب والكتابة الأدبية المتقنة بشكل أكثر تفصيلاً، من ذلك ما وجدناه عند ابن قتيبة الدينوري (ت: 889م) في كتاب سماه  "أدب الكاتب" قسمه أربعة أقسام، يبدأ بكتاب المعرفة، ثم تقويم اليد، ثم تقويم اللسان، وينتهي بكتاب الأبنية، فيتحدث في القسم الأول عن أسماء الحيوانات والطيور والناس، وأسماء ما في السماء والأرض من كائنات، وزروع، ثم يتحدث عن الأصوات والآلات والثياب. في القسم الثاني يتحدث عمّا سماه تقويم اليد  فيتناول الكلمة وتصاريفها وموقعها في الجملة، فيتحدث عن دخول الألف على لام التعريف وأحوال الاسماء الموصولة ومواقعها في الجملة، والمثنى وأنواعه، وغير ذلك، ثم يتناول في القسم الثالث "تقويم اللسان"، الأفعال وتصاريفها، وذكر ما يتغير من أسماء الناس والبلاد، حتى ينتهي إلى القسم الأخير في كتاب الأبنية إلى بناء الأفعال في العربية والصفات والأسماء وما بينها من فروق. هكذا يبدو كتاب ابن قتيبة مهتما ببناء الجملة أثناء الكتابة وصحتها اللغوية.  

ولا شك أن في كتب القدماء على الرغم من سبقها وأهميتها، بعض المشكلات على القارئ والكاتب على السواء، فمن ذلك كثرة الشواهد التي قد تكون غريبة على قارئ اليوم، ومن ذلك كثرة الأسانيد ونسبة الأقوال إلى أصحابها، مما قد يخرج بالكتاب عن هدفه في التعليم أو التدريب على الكتابة في وجه خاص، أو إغراق بعضهم في الحديث عن أمور ومواضيع قد لا تشغل الكاتب اليوم.

3. دفاع عن البلاغة

في العصر الحديث  ظهر عدد من الكتب التي تناولت الكتابة والأدب  باعتباره صنعة يجب الاهتمام بها وتنمية المهارات من أجلها، ومنهم كتاب أحمد حسن الزيات "دفاع عن البلاغة" 1967، الذي بدا أن الهدف من كتابته مواجهة موجة التغريب و"أدعياء الأدب" وما كان من أثر الصحافة على اللغة والأدب في ذلك الوقت. إلا أن الكتاب مع ذلك حمل عددا من الأفكار التوجيهية للكتابة، وكان التركيز فيه منصبا على الاهتمام بفصاحة اللغة وبلاغتها في الكتابة الأدبية، فتحدث عن ضرورة التفريق بين الكتابة الصحافية التي تكون موجهة إلى العامة وبين الكتابة الأدبية التي ينبغي اختيار أفضل الأساليب وأصح العبارات وأجزلها من أجلها، ويفرق بين علم البيان وعلم البلاغة وكيف يمكن للكاتب الناشئ أن يدرك الأول ويتعلّم الأخير من طول اطلاعه على عيون الأدب واللغة من كتب القدماء والمحدثين، وزيادة حصيلته اللغوية والأدبية التي تساهم في قدرته على البيان.

 

4. كيف تصبح كاتبا؟

لكنّ السؤال  الذي يتبادر إلى الأذهان بعد ذلك هو "كيف تصبح كاتبًا؟"، ولحسن الحظ فإن هناك كتابا يحمل هذا العنوان بالفعل صدر منذ عام 1934 للكاتبة الأميركية دورثي براند ولم يظهر مترجما إلى العربية إلا بعدها بنحو ثمانين عاما في  2015 باسم "لياقات الكاتب"، ترجمة فريق "ضمة"، ويبرر المترجم عبد الرحمن أبو عابد اختياره لهذا العنوان ابتعادا عن سوقية وابتذال العنوان الأول! بالتالي صدر الكتاب في عنوانه الأول أخيرا (2023) بترجمة أشرف توفيق عن دار "دوّن"،

منذ السطور الأولى تبدو دورثي براند متعاطفة مع الكتاب حريصة على تحفيزهم وانتشالهم من عوائق الكتب الأكاديمية التي ربما تعطّل تقدّمهم نحو الكتابة، فهي تؤمن أن عالم الكتابة سحر له مريدوه، وتسعى أن تقدم إليهم وصفات سحرية تدخلهم ذلك العالم بكل سهولة، من خلال فصول الكتاب السبعة عشر تذلل لهم صعاب الكتابة وتوضح كيف يمكن التغلب عليها، وذلك من خلال خطوات وإرشادات أولية للكتابة، فتذكر في الفصول الأولى مثلا أهمية استغلال العقل الباطن وتحفيز الكتابة المباشرة من خلال تمارين كتابية صباحية، لا تفرض أي حدود أو قيود على الكتابة، وإنما يترك المرء نفسه فيها لتداعيات خواطره وأفكاره مباشرة، والانطلاق من تلك الكتابة الأولية لتحديد جدول زمني للكتابة، وفقا لحاجة الكاتب وطبيعة كتابته:

‫"اكتب أي شيء يتبادر إلى ذهنك: حلم الليلة الماضية، إذا كنت قادرا على أن تتذكره، أو الأنشطة التي قمت بها بالأمس، أو محادثة قمت بها سواء أكانت حقيقية أو خيالية، أو مراجعة لأفعالك ولضميرك اكتب أي نوع من أفكار الصباح الحالمة، بسرعة وبدون تدقيق، فالتميز أو القيمة النهائية لما تكتبه ليس له أهمية حتى الآن ولكن في واقع الأمر، سوف تجد قيمة أكبر في هذه المادة الأدبية أكثر مما تتوقع. إن هدفك الأساسي الآن ليس أن تبتكر كلمات خالدة، ولكن أن تكتب أي كلمات ليست محض هراء".

تضع دورثي للكتاب خمسة تمرينات أساسية، أولها الكتابة مباشرة عند الصباح ثم الكتابة بجدول زمني محدد، ثم يلي ذلك مراجعة الكتابة والقراءة ككاتب، وهي تلفت النظر إلى أهمية تنمية الوعي النقدي أثناء القراءة وملاحظة الأساليب الفنية في الكتابة أثناء قراءة كتابات الآخرين، كما تشير إلى ضرورة البعد عن النقد الانطباعي الذي يقدمه شركاء الكتابة أحيانا، كي لا يكون سببا في تثبيط همة الكاتب، ومن ثم الانطلاق إلى تنمية الأسلوب الخاص بالكتابة من خلال الملاحظة والقراءة النقدية الذاتية.

لعل أطرف ما تتناوله براند في كتابها حديثها عن أهمية تعوّد الكاتب على "الآلة الكاتبة" وصوتها وطريقة الكتابة عليها، واستخدام أوراق مخصصة للكتابة، وغيرها من أنماط كتابة في ظني أنها قد اختلفت تماما في عالم اليوم بعد نحو قرنٍ من الزمان أصبحت الكتابة فيه على الأجهزة المحمولة في كل مكان أسهل ما يمكن.

تبدو دورثي براند متعاطفة مع الكتّاب حريصة على تحفيزهم وانتشالهم من عوائق الكتب الأكاديمية التي ربما تعطّل تقدّمهم نحو الكتابة، فهي تؤمن أن عالم الكتابة سحر له مريدوه

5. الحكاية وما فيها

في 2009 قدم الروائي والكاتب المصري محمد عبد النبي ورشة كتابة إبداعية سماها "الحكاية وما فيها"، استفاد فيها من عدد من التجارب والكتب والممارسات العملية المباشرة للكتابة السردية بصفة خاصة، ونتج بعد ذلك من هذه الورشة كتابه المهم "الحكاية وما فيها" الصادر عام 2017 عند مؤسسة هنداوي، وقد صدرت له طبعة ثانية أخيرا عن دار "الكرمة".

في هذا الكتاب يأخذ محمد عبد النبي الكاتب بخطوات أكثر احترافية لكتابة السرد والرواية، بدءا بالكتابة الحرة البسيطة وطرق تحفيزها من خلال الأفكار والكلمات المفتاحية، مرورا بطرق مختلفة ومبتكرة لالتقاط الأفكار والكتابة من خلال اللعب بجدية، وكذلك الإشارة الى أهمية كتابة اليوميات، يبدو في الحكاية وما فيها أثر تلك الممارسة الفنية الطويلة وعدد من تمارين الكتابة الشيقة بالفعل، التي يمكن تجربتها على الفور والانطلاق منها إلى كتابة سردية جيدة، وهو بعد ذلك لا يترك القارئ في فوضى تلك التجارب والتمارين وإنما ينقله إلى تفاصيل بناء السرد، فيتحدث  عن التيمة التي يبني عليها الكاتب حكايته، وكيف يمكن أن تتفق التيمات في روايات مختلفة:

 "ضَعْ قائمةً بكلمات مجردة؛ مشاعر وانفعالات وأحاسيس، ثم حاوِلْ أن تصفها من خلال الحواس. على سبيل اللعب والتجريب: ما لون الحب؟ ما رائحة الغيرة؟ ما مذاق التعب؟ ما ملمس الغضب؟ ما صوت النفاق؟ فاجِئْ نفسَك وغامِرْ والعب، متجنِّبا الكليشيهات الجاهزة، فليس بالضرورة أن تكون صورةُ الحب على الدوام هي زهورٌ وقلوبٌ وشموسٌ غاربة، بل قد تكون أيضًا «سِنَّة مكسورة".

يضع عبد النبي فصولا خاصة عن كل تقنية من تقنيات كتابة السرد، فيخصص لوصف الشخصيات عددا من الفصول يتناول فيها طرق وصف الشخصية بدءا بمحاولة الكاتب تعريف نفسه باعتباره شخصية افتراضية حتى يصل إلى عدد من التمارين المهمة لبناء الشخصية، مثل وضعها في مواقف مختلفة وتغيير النوع والسن لوضع افتراضات جديدة في البناء، ثم يتحدّث باستفاضة كذلك عن الحوار وأهميته في السرد، وكيف يتغيّر تبعا للشخصيات التي يختارها الكاتب، وضرورة أن يأتي قصيرا مكثفا ودالاً على مواقف وطبيعة الشخصية قدر الإمكان، ويضع أيضا تمرينا لكتابة الحوار على النحو الأمثل، وكذلك يشير في فصل خاص إلى الوصف وتكوين المشهد في السرد وضرورته، وكيف يستخدم الكاتب حواسه كلها لوصف ما يراه وليس فقط من خلال عينيه، وأن وصف الأماكن كذلك يحتل أهمية خاصة في بناء السرد الروائي.

بعد ذلك ينهي عبد النبي كتابه بملحق يأتي فيه على ذكر عشرة كتب مترجمة تتحدّث عن الكتابة الإبداعية، يقدم لها ويشرحها، كما يضع عددا من النصائح المباشرة لكتابة السرد من عشرين كاتبا محترفا.

 

6. أدوات الكتابة

هكذا يبدو أن للكتابة أكثر من باب وأسلوب وطريقة، وأن هناك على الدوام تمارين محفزة، وأدوات مختلفة يمكن الاعتماد عليها لنقل الكاتب من مرحلة البداية الى الاحتراف، ولعل ما يقدّمه الكاتب الأميركي روي بيتر كلاركفي كتابه "أدوات الكتابة" يمثل نموذجا آخر لذلك، إذ يحدّد خمسين استراتيجية ضرورية لكل كاتب (حذفت واحدة منها في الترجمة العربية لأنها تخص قواعد اللغة الإنكليزية) فيتحدث عن طرق إثراء الكتابة بشكل عام، ويبدو الكتاب مهتما بفكرة "التحرير الأدبي" أكثر من الكتابة، إذ يخاطب كاتبا متحققا بالفعل، لديه القصة والحبكة والفكرة وانتهى من كتابته، لكنه يضيف له عددا من الأدوات اللازمة للكتابة، فيقسم الكتاب أربعة أقسام، أولها "صواميل ومسامير" يتحدث فيه عن ترتيب الكلمات داخل النص، تقديم الفاعل مثلاً، أهمية الجملة الطويلة واستخداماتها، وعلامات الترقيم، وغيرها من أدوات خارجية عن الجملة يمكن إضافتها وتعديلها والتركيز في بنائها.

في القسم الثاني يركز كلارك على ما يسميه "المؤثرات الخاصة" في الكتابة، مثل استخدام الكلمات المفتاحية، والاهتمام باختيار الأسماء، وإمكان التلاعب بالكلمات حتى في القصص الجادة، ومتى يمكن الافادة من إضافة اقتباس من كتابات الآخرين، وغيرها من طرق مهارية تميز كاتبا عن آخر، وتجعل له بصمته المميزة في عالم الكتابة، ويأتي القسم الثالث بعنوان "مخططات" الذي يشير فيه بداية إلى أهمية وضع خطة عمل لما تكتب في البداية، ويشير إلى أن كل كتابة يجب أن يكون لها خطة محدّدة داخلية للعمل من البداية إلى النهاية، كما يشير إلى الفرق المحوري بين كتابة القصة والتقرير الصحافي، ويتحدث عن استخدام الحوار أيضا في الكتابة وأهميته، وكذلك عن مميزات رسم الشخصية في الكتابة الأدبية، وإضافة محفزات للتشويق في الأحداث سواء الأساسية أو الثانوية، أو أن يغيّر الكاتب من طريقة وأسلوب كتابته بالكتابة بزوايا سينمائية مختلفة، وغير ذلك من الخطط المعتمدة، والجميل أنه في آخر كل أداة من هذه الأدوات يشير إلى تمرين خاص بتلك الأداة يمكن للكاتب تطبيقه عمليا لمعرفة طريقة عمل هذه الأداة وكيف يستخدمها في كتابته بفعالية.

 

7. فن الكتابة

أحد الكتب القصيرة المهمة التي تحدثت عن الكتابة كتاب "فن الكتابة" للروائي والكاتب الإسكتلندي روبرت لويس ستيفنسون صاحب الرواية الشهيرة "جزيرة الكنز" وغيرها، الذي صدرت ترجمته أخيرا عن كتاب الدوحة 2020 بترجمة مجدي خاطر، وهو يتكوّن من مقالات عدة يتحدث فيها ستيفنسون أولا عن "العناصر الفنية للأسلوب الأدبي" فيتناول اختيار الكلمات وتوظيفها أثناء الكتابة والربط بين الكلمات وبعضها من خلال "شبكة" علاقات معتمدة، وهي الطريقة التي تميز أسلوب أديب عن آخر، كما يتحدّث عن "إيقاع العبارة" وما يمكن أن تحتوي عليه من جاذبية في الوصف وطريقة التعبير الدقيقة عن المواقف، ويشير إلى عدد من الأمثلة التي تحقّق فيها ذلك الإيقاع الخاص سواء في الشعر أو السرد القصصي.

كما يتحدّث ستيفنسون في مقالٍ آخر عن "المبادئ الأخلاقية لمهنة الأدب" (من مقال منشور عام 1881) فيشير إلى واجبين أساسيين على كل كاتب، الأول أن يكون عقله مرنا وخيّرا ومشرقا، وأن يتمكّن من تمثل الأفكار كافة ويرى الخير في كلّ الأمور، والواجب الآخر أن تكون أعماله الأدبية صادرة عن دوافع عميقة وإنسانية قوية، سواء جاء ذلك بأسلوب جاد أو ساخر، واقعي أو حالم، وأن يكون ضميره يقظا على الدوام حريصا على كل ما فيه نفع وطنه وأمته، وفي المقالات الأخرى للكتاب يتحدث ستيفنسون عن كتب أثّرت في حياته وتربيته، يذكر منها "أوراق العشب" لويتمان، و"حياة غوته" لجورج هنري، و"التأملات" لماركوس أوريليوس وغيرها.

يتناول ستيفنسون اختيار الكلمات وتوظيفها أثناء الكتابة والربط بين الكلمات وبعضها من خلال "شبكة" علاقات معتمدة، وهي الطريقة التي تميز أسلوب أديب عن آخر

8. الحقيقة والكتابة

تخصص الروائية الكويتية بثينة العيسى كتابها "الحقيقة والكتابة" للحديث عن الكتابة الروائية بصورة محدّدة، وتنطلق من فكرة أن الكاتب/ الروائي يريد دائما أن يصل إلى "الحقيقة" في كتابته، ولكنه في سبيل ذلك يكتب و"يكذب" وتأتي أهمية ما يفعله في كيفية تحويله هذه الكتابة إلى ما يسمّيه النقاد "الصدق الفني"، ذلك هو عماد الكتاب كله، ومن خلاله تتطرّق إلى "استراتيجيات" الوصول إلى تلك الحقيقة الروائية المراوغة، فتتحدث عن الكتابة الوصفية التي تساعد على تعميق التجربة القرائية نفسيا وذهنيا من خلال توظيف الجمل والكلمات، وفي فصول الكتاب الثلاثة تتحدث عن كيفية تحويل الحسي إلى مجرد، ومن الجزئي إلى الكلي، وكيفية توظيف طاقات اللغة إلى التقاط التفاصيل والحفاظ في الوقت نفسه على إيقاع النص وحيويته، وكيف تصف الشخصيات والأماكن والمشاعر والأحاسيس، وغير ذلك. والجميل في الكتاب أنه على الرغم من قصره النسبي (120 صفحة) إلا أن الكاتبة أضافت مع كل فصل وكل فكرة عددا من الأفكار والتمارين العملية التي تجعل الكتاب مرجعا لكل كاتب ناشئ مهتم بالكتابة الروائية والقصصية على وجه التحديد.

9. اللغز وراء السطور

في كتابه "اللغز وراء السطور" (الشروق 2017) يتحدث الروائي والكاتب الراحل أحمد خالد توفيق عن عدد من الأفكار والمشكلات الخاصة بالكتابة، فيتناول ما يسمّى بـ"قفلة الكاتب" وهي الحالة التي يتوقف فيها الكاتب بعد عدد من الكتابات الناجحة، وكيف يمكن التغلب على تلك الحالة واستدعاء مصادر الإلهام أو تنمية الخيال من جديد، كما يتحدث عن مشاكل خاصة أثناء الكتابة مثل "مشكلة اختيار الأسماء" وأنه يجب على الكاتب أن يحرص على اختيار أسماء شخصياته التي تتناسب مع زمان ومكان كتابتها، وفي مقال آخر يتحدث عن "الحيل الروائية" التي يلجأ إليها الكتاب، لا سيما ممن تخصصوا في الكتابة البوليسية أو التشويقية فيتحدث عن عدد من الأساليب التي تجعل السرد متماسكا وأكثر تشويقا مثل السرد غير الخطي، النهاية غير المتوقعة، التحوّل المفاجئ، الراوي في وسط الأحداث، السرد المقلوب… وغيرها)، وهو يجمع بين الحيل المستخدمة في الروايات والأفلام، كما يضع في نهاية هذا الفصل قائمة بعشرين فيلما أجنبيا جاءت نهايتها غير متوقعة ومفاجئة للمتفرج. اللافت في كتاب أحمد خالد توفيق، كما هي حال كتابته كلها، أن كل ذلك يأتي بطريقته المميزة التي تجعل القارئ شريكا له في تفاصيل الموضوع، يقدم الفكرة ويعرضها بشكل سلس، ونجد فيه حس السخرية الذي عرف به حتى في أكثر المواضيع جدية وصرامة.

10. فتاة تحب الكتابة

بعنوان أكثر شاعرية، يمكن لكلّ من يفكر في  الكتابة أن "يخرج في موعد مع فتاة تحب الكتابة"، وهو العنوان الذي وضعه محمد الضبع لعدد من المقالات  المترجمة لعدد من الكتّاب عن الكتابة وهمومها وأفكارها، فبعد فصول الكتاب الأولى التي خصصها للحديث عن الحب والقبلة عند عدد من المفكرين والأدباء، ينتقل إلى مقال لكاتب مجهول عن الفتاة التي تحب الكتابة:

"ابحث عن فتاة تحب الكتابة. ستكتشف أن لديها حس فكاهة عاليا، أنها متعاطفة وحنونة الى درجة بالغة، أنها ستحلم وتبتكر عوالم وأكوانا كاملة لأجلك. هي التي ينحني الظل أسفل عينيها، هي الفتاة ذات رائحة القهوة والكوكاكولا وشاي الياسمين الأخضر. هل رأيت تلك الفتاة، ظهرها متقوّس في اتجاه مفكرتها الصغيرة؟ تلك هي الفتاة الكاتبة. أصابعها ملطخة أحيانا بالغرافيت والرصاص، وبالحبر الذي سيسافر إلى يدك عندما تتشابك مع يدها. هي لن تتوقف أبدا عن تذكّر المغامرات، مغامرات الخونة والأبطال. مغامرات الضوء والظلام. الخوف والحب. تلك هي الفتاة الكاتبة. لا تستطيع أبدا مقاومة ملء صفحة فارغة بالكلمات، مهما كان لون الصفحة".

ثم ينتقل بعد ذلك إلى مقالات عن هوس الكتب، وكيف تتحدث عن كتب لم تقرأها، وحوار مع الكاتب برادبيري حول تجربته الكتابية وعالمه الشديد الخصوصية، وغيرها من مقالات تبدو محفزة على قراءة هؤلاء الكتاب والتعرف الى عوالمهم من جهة، كما تكون محفزة للبدء في الكتابة على الفور.

الحديث عن الكتابة طويل وذو شجون، ولحسن الحظ فإن الكتب عن الكتابة أيضا أصبحت عديدة ومختلفة ومتشعبة، ولا شك أن هناك طائفة أخرى من الكتب يتناول فيها الكتّاب أيضا رحلتهم الشيقة مع الكتابة والصعوبات والمشقات التي واجهوها أثناءها، أو كيفية التقاط تفاصيل أعمالهم التي أصبحت علامات بارزة في مشوارهم الأدبي.  هكذا يبدو أنه لم يعد أمام الكاتب الجاد إلا أن يبدأ رحلته على الفور ممسكا بأفكاره حتى لا تفلت منه وتضيع، وحتى لا يقضي عليها الذكاء الاصطناعي وتقنياته المتطورة كل يوم.

font change

مقالات ذات صلة