قمة بعد قمتين

قمة بعد قمتين

المحطة المهمة المقبلة، هي قمة "مجموعة العشرين". وهذه المرة تختلف عن غيرها من القمم "العشرينية"، ليس لأنها ستعقد في الهند وبرئاسة النجم العالمي الصاعد ناريندرا مودي وستشهد الكثير من لقاءات القمة الثنائية وحسب، بل لأسباب جيوسياسية واقتصادية كثيرة.

إنها محطة، سيشارك من يحضرها، في وضع لبنة في بناء العالم الجديد، وسط تنافس محموم بين أميركا والصين، لنسج تحالفات وحياكة الهيكل الدولي الذي سيرث ذاك الذي عرفناه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، أو ذاك الذي انفردت به واشنطن بعد انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفياتي.

قبل "قمة العشرين" التي ستعقد في نيودلهي في التاسع من الشهر المقبل، حشد الرئيسان الأميركي جو بايدن والصيني تشي جين بينغ حلفاءهما وتحالفاتهما في المسرح الدولي والتكتلات الإقليمية. أما فلاديمير بوتين، فهو مشغول في حربه ضد أوكرانيا وتداعيات "خيانة" طباخه وصديقه، قائد "جيش فاغنر" يفغيني بريغوجين، فيما يقلب مودي بصبر وتأن العروض الآتية من قادة الدول الكبرى الثلاث.

قبل "قمة العشرين" التي ستعقد في نيودلهي في التاسع من الشهر المقبل، حشد الرئيسان الأميركي جو بايدن والصيني تشي جين بينغ حلفاءهما وتحالفاتهما في المسرح الدولي والتكتلات الإقليمية

استبق بايدن توجهه إلى قمة الهند، بتعزيز سلسلة من التحالفات تطوق الصين وتحشر روسيا؛ ففي يونيو/حزيران، استضاف رئيس الوزراء الهندي مودي بحفاوة بالغة في الكونغرس والبيت الأبيض مع جرعة من الوعود العسكرية، وفي أغسطس/آب عقد بايدن قمة في كامب ديفيد مع قائدي اليابان وكوريا الجنوبية، لتخفيف التوتر بين الجارتين الآسيويتين، وتشجيعهما على طي الصفحة وبحث التعاون في المجالات العسكرية خصوصا الصاروخية. وقبل ذلك، لعبت أميركا دورا قياديا مع بريطانيا وأستراليا في تشكيل تحالف "أوكيوس" ويتضمن تعزيز التعاون العسكري وبناء جيل جديد من الغواصات النووية. كما أنعشت التعاون الرباعي مع اليابان والهند وأستراليا (كواد)، ووقعت اتفاقات مع الفلبين ودول أخرى لإجراء مناورات عسكرية ونشر قطع عسكرية استراتيجية.

هذا في الحديقة الخلفية على أطراف التنين الصيني. أما في أوروبا، على حدود روسيا، فاتخذت إدارة بايدن من حرب أوكرانيا مدخلا لإيقاظ "حلف شمال الأطلسي" (الناتو) وتوسيعه إلى فنلندا (ثم السويد)، إضافة إلى تقديم الأسلحة والمعدات بما فيها دبابات وطائرات "إف-16" إلى كييف لتحويل الحرب الأوكرانية، مستنقعا لبوتين.

وفي المقابل، سعى الرئيس الصيني إلى تعزيز تحالفاته في آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط. وبعد رعاية الاتفاق بين الرياض وطهران، قاد تشي جين بينغ مبادرة لتوسيع كتلة دول "بريكس"، التي تضم الصين وروسيا وجنوب أفريقيا والهند والبرازيل، خلال القمة الأخيرة في جنوب أفريقيا بين 22 و24  أغسطس/آب الحالي، بتوجيه الدعوة إلى ست دول بينها السعودية وإيران والأرجنتين ومصر، للانضمام إلى هذه المجموعة التي باتت تلعب دورا إضافيا في الساحة الدولية خصوصا في المجال الاقتصادي.
 

سعى الرئيس الصيني إلى تعزيز تحالفاته في آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط. وبعد رعاية الاتفاق بين الرياض وطهران، قاد تشي جين بينغ مبادرة لتوسيع كتلة دول "بريكس"

أما رئيس الوزراء الهندي، فيبدو أنه ليس مستعجلا في خياراته وقراراته؛ حيث كان قد استضاف قمة "منظمة شنغهاي للتعاون" في بداية يوليو/تموز الماضي، وها هو يستضيف "قمة العشرين". وقد غازله بايدن بحفاوة بالغة لدى استضافته في البيت الأبيض والكونغرس. كما أن تشي جين بينغ يمد اليد له. أما بوتين، فإنه يراهن على حياده في حرب أوكرانيا. 

هناك الكثير من العسكرة والذخيرة في تحالفات أميركا. وهناك الكثير من الاقتصاد والتجارة في تحركات الصين. ولا شك أن المنافسة بينهما، امتدت لتشمل نسج تحالفات إقليمية، وتحالفات متداخلة. و"مجموعة العشرين"، التي تضم السعودية والدول الكبرى، هي المنتدى الوحيد الذي يضمهما مع دول إقليمية يزداد دورها في الإقليم والعالم، وتزداد أهميتها في الإقليم والعالم.
 

هناك الكثير من العسكرة والذخيرة في تحالفات أميركا. وهناك الكثير من الاقتصاد والتجارة في تحركات الصين. ولا شك أن المنافسة بينهما، امتدت لتشمل نسج تحالفات إقليمية، وتحالفات متداخلة

كل هذا يتم وبوتين في الكرملين. غيابه عن قمة "بريكس" ثم "قمة العشرين"، له بعد رمزي لا يحله خطاب متلفز إلى القادة الحاضرين. فراغه ملأه تشي جين بينغ في جوهانسبرغ وسيملأه مودي في نيودلهي. تشي جين بينغ أحكم قبضته في الحزب والدولة. وبايدن على موعد انتخابي جديد العام المقبل. 
أميركا والصين تتنافسان على صوغ العالم. روسيا غائبة والهند متأهبة؛ وأنْ تحط مركبة فضاء هندية على القمر بعد أيام من فشل مركبة روسية، مصادفة رمزية. بوتين يغيب عن القمم. وروسيا لا تصل إلى القمر. 


 

font change