قطاع البتروكيماويات في ميزان التوقعات

قطاع البتروكيماويات في ميزان التوقعات

مر قطاع صناعة البتروكيماويات وأسعار المنتجات البتروكيماوية وأرباح شركاتها بشهور عجاف في السنة الجارية بسبب انخفاض أسعار هذه المنتجات، نتيجة انخفاض الطلب عليها بعد تراجع أسعار النفط، وهو مؤشر لتراجع النشاطات الصناعية جراء الركود الاقتصادي، في وقت قد تستمر حالة عدم اليقين والأداء المتراجع موقتا، قبل أن تعود فرص تحقيق الأرباح.

ترتبط معظم أسعار المنتجات البتروكيماوية بحركات أسعار السلع مثل النفط والغاز، بالتالي، هي تمر بدورات اقتصادية بين هبوط وصعود، وترتبط أرباحها بشكل كبير بأسعار اللقيم (الغاز الطبيعي ولقيم النافثا) والنمو الاقتصادي للدول المستهلكة، مما يشكل ضغوطا على القطاع.

انعكست معطيات الاقتصاد العالمي على نتائج شركات البتروكيماويات، وكان لها تأثير واضح في الربع الثاني من السنة الجارية، حيث لا تزال الأسواق البتروكيماوية العالمية تشهد انخفاضا في الطلب في مقابل زيادة في العرض. ويؤدي تقلص الأرباح الفصلية لشركات النفط الكبرى إلى تزايد ضغوط تراجع أسعار النفط والغاز على النتائج المالية، نتيجة انخفاض هوامش ربحية منتجات البتروكيماويات، التي كان من المتوقع أن تعود الى التحسن مع بداية الربع الثالث نظرا الى أرتفاع بعض أسعار المنتجات نسبيا.

تراجع الأرباح... ودمج

يعود العامل الرئيس لتراجع الأرباح إلى انخفاض متوسط أسعار بيع المنتجات وكذلك الكميات المبيعة الذي أثر سلبا في هوامش المنتجات البتروكيماوية والمكررة خلال النصف الأول من عام 2023. أضف إلى ذلك، تأثر بعض الشركات بتكاليف التمويل. لذلك، شهدت هذه الصناعة العالمية زيادة ملحوظة في نشاط الاندماج والاستحواذ، حيث تَواصل نمو الشركات، وأعادت التنظيم والتركيز على الكفاءات الأساسية. ولا تزال عمليات الدمج مستمرة بين شركات البتروكيماويات، حتى وإن كان بعض هذه الاندماجات لم ينبع من الرغبة في التوسع، بل من ضرورات السوق وخفض التكاليف، إضافة إلى تكامل نقاط القوة لدى هذه الشركات ليستفيد منها المساهمون والموظفون وحتى العملاء.

أثرت السياسات النقدية على قطاع البتروكيماويات، وثمة توقعات أن يشهد سوق المواد الكيميائية تحسنا سريعا في النصف الثاني من عام 2023 نظرا إلى الظروف الاقتصادية المتغيرة

لا شك أن تضييق السياسات النقدية برفع سعر الفائدة على مدى أكثر من سنة، لعب دورا أساسيا في تراجع أسعار المنتجات البتروكيماوية. لذلك، يرتقب أن يدعم ثبات أسعار النفط وتوقعات انخفاض الفائدة أسعار المنتجات البتروكيماوية المرتبطة بتقلبات أسعار النفط والغاز الطبيعي. كما سيكون للتغيرات في السياسات الحكومية والتشريعات البيئية تأثير في تحفيز الاستثمارات.

مكاسب معلقة

قد تعود أسعار منتجات شركات ‎البتروكيماويات إلى المكاسب خلال فترة أقصر من التوقعات في حال دعم نمو الاقتصادي العالمي لاستقرار أسعار النفط. هناك من يعتقد أن الأسوأ قد انتهى، بعد الانحسار الواضح لتذبذب قطاع البتروكيماويات في منتصف الربع الثالث، وأن الآتي أجمل وأن الشركات تتهيأ للمرحلة المقبلة.

هناك توقعات أن يشهد سوق المواد الكيميائية تغيرا سريعا في النصف الثاني من عام 2023 نظرا إلى الظروف الاقتصادية المستجدة، وقد أدى ذلك إلى صمود أسعار البتروكيماويات عندما توقف الدفع الحاد نزولا للأسعار عند أدنى مستويات هذه السنة (القاع)، مما قد يدعم عودة الاتجاه نحو الارتفاع مرة أخرى. إلا أن هذا التوجه يبقى رهينة التوقعات الاقتصادية العالمية الضعيفة، حيث لا يزال التضخم المرتفع وأسعار الفائدة يشكلان عائقا أمام تعافي السلع الكيميائية بعد انطلاقة بطيئة للعام في العديد من الأسواق بسبب انخفاض الطلب. بالتالي، فإن توجهات أسواق المواد الكيميائية الرئيسة خلال النصف الأخير تتركز على ظروف الاقتصاد الكلي.

وترتبط ظروف الاقتصاد الكلي بالبيانات الصناعية والاقتصادية في الصين، حيث صناعة البتروكيماويات واعدة. ومن المتوقع أن تمثل الصين 40-50 في المئة من النمو الإجمالي في قطاع البتروكيماويات على مستوى العالم على المديين المتوسط والطويل، أي نحو نصف النمو العالمي.

النفوذ الصيني 

يتزايد النفوذ الصيني في قطاع البتروكيماويات، وفقًا لبيانات "خدمة معلومات السلع المستقلة" (ICIS)، حيث تمثل مصانعها نحو ربع الانتاج العالمي، وهذا يعتبر قفزة، مقارنة بالسنوات الخمس الماضية، عندما كان القطاع يشكل 14 في المئة فقط من القدرة التصنيعية العالمية. لذلك، تعمل الصين بلا هوادة على إضافة قدرات جديدة في مجال البتروكيماويات مما يزيد العرض.

وأثبثت الصين قدرتها التنافسية القوية في صناعة البتروكيماويات على مستوى العالم، حيث سجلت إيرادات إجمالية بـ2,41 تريليون دولار عام 2022، بزيادة 14,4 في المئة على أساس سنوي. إذا، لا يؤثر النمو في الصناعات البتروكيماوية والكيميائية الصينية، في استقرار اقتصاد الصين فحسب، ولكن أيضا في استقرار الاقتصاد العالمي.

أثبثت الصين قدرتها التنافسية القوية في صناعة البتروكيماويات على مستوى العالم، حيث سجلت إيرادات إجمالية بـ 2,41 تريليون دولار عام 2022، بزيادة 14,4 في المئة على أساس سنوي

يمكن أن تدعم عودة نشاط الاقتصاد الصيني عموما قطاع البتروكيماويات، حيث تعتمد بشكل كبير على المنتجات البتروكيميائية في صناعات مختلفة مثل الصناعات البلاستيكية، والمواد الكيميائية، والمطاط، والألياف الاصطناعية، والدهانات، والأدوية، والأسمدة، وغيرها.

كذلك، تعتبر الصين مستهلكا رئيسا للمواد الخام المستخدمة في صناعة البتروكيماويات، مما يعزز الطلب والأسعار والإنتاج في هذا القطاع. هذا إلى عوامل أخرى قد تؤثر على قطاع البتروكيماويات، مثل السياسات الحكومية، والتطورات التكنولوجية، والتحولات في الطلب العالمي على المنتجات البتروكيماوية. 

إلا أن هناك سيناريوا متشائما فحواه أن انتعاش الطلب الصيني على المنتجات لا يكفي، وأن هناك ضرورة لنمو الطلب العالمي وارتفاع أسعار المنتجات البتروكيماوية، بعد دخول سوق البتروكيماويات العالمي في حالة ركود دوري، مدفوع بزيادة العرض وفقا للقدرات الإنتاجية الجديدة التي طغت على نمو الطلب، حيث خفض المنتجون في جميع المناطق معدلات تشغيل البتروكيماويات بسبب انخفاض هوامش الربح التي يخشون أن تستمر حتى عام 2024.

الصناعات التحويلية والأغذية

من اللافت، أن أسعار الصناعات التحويلية والأغذية لم تنخفض بانخفاض أسعار المنتجات البتروكيماوية، على الرغم من أهمية العبوات البلاستيكية للأغذية والمنتجات التجارية الأخرى، كالأسمدة والمبيدات الحشرية، من مجموعة المنتجات البتروكيماوية، وكون قطاع البتروكيماويات مصدرا رئيسا للمواد الخام المستخدمة في العديد من هذه الصناعات، وكان من شأن انخفاض أسعار المنتجات البتروكيماوية خفض تكلفة الإنتاج والمساهمة في زيادة الربحية، وبالتالي، تقديم منتجات غذائية بأسعار أقل للمستهلكين، مما قد يؤدي إلى زيادة الطلب على هذه المنتجات. ولكن من الواضح أن هناك عوامل أخرى تؤثر على الصناعات التحويلية وإنتاج الأغذية، مثل التكنولوجيا والطلب العالمي والسياسات الحكومية، ويبقى العامل الأهم الذي أدى إلى زيادة الأسعار هو التضخم الناجم عن رفع البنوك المركزية لأسعار الفائدة.

font change