"البحري"... قوة تنافسية سعودية على خريطة النقل البحري العالمي

هل تحقق إيرادات قياسية جديدة في 2025 مع تفوق ناقلاتها وأسطولها؟

Shutterstock
Shutterstock
حركة الشحن السعودية تعزز تقدم المملكة في السوق اللوجستية الدولية

"البحري"... قوة تنافسية سعودية على خريطة النقل البحري العالمي

تعتبر الشركة الوطنية السعودية للنقل البحري، "البحري"، من أكثر اللاعبين تأثيرا في المشهد العالمي للخدمات اللوجستية البحرية والطاقة. تأسست عام 1978، وأُدرجت أسهمها في السوق المالية السعودية (تداول) منذ عام 1993، وتلعب دورا مهما في دعم صادرات المملكة العربية السعودية من الطاقة وسلاسل التوريد العالمية.

تحظى الشركة بدعم استراتيجي من مؤسسات وطنية كبرى، حيث يمتلك صندوق الاستثمارات العامة نحو 22,55 في المئة من أسهمها، وتمتلك "أرامكو" السعودية 20 في المئة، بينما تطرح بقية الأسهم للتداول العام في البورصة السعودية المحلية. ويؤكد هيكل الملكية هذا، أهمية "البحري" كأحد الأصول الوطنية التي تتوافق بشكل وثيق مع الاستراتيجيات الاقتصادية واستراتيجيات الطاقة الطويلة الأجل للمملكة.

تدير الشركة حاليا، وفقا لـ"البحري" لإدارة السفن، أسطولا مكونا من 95 سفينة، منها 42 ناقلة نفط عملاقة، و38 ناقلة كيماويات ومشتقات النفط، و6 سفن متعددة الأغراض، و9 ناقلات بضائع سائبة (غير معبأة) جافة. وعلى مستوى المجموعة، يشير أحدث البيانات الى أن أسطول "البحري" مملوك ويضم مئة سفينة ونيفا، مما يعكس التوسع الأخير في الحجم. وهذا الأسطول الضخم يسمح لـ"البحري" بنقل النفط الخام والمنتجات المكررة والبتروكيماويات والمواد السائبة الجافة والمعدات الصناعية إلى الموانىء والأسواق في مختلف أنحاء العالم. وتدير الشركة أيضا ذراعا لوجستية رئيسة تقدم خدمات شحن شاملة وحلولا لسلسلة التوريد وخدمات بحرية متكاملة. وبفضل هذا التنوع، تتبوأ "البحري" مكانة بارزة كركيزة أساسية في منظومة الطاقة في السعودية، وكذراع لا غنى عنها في حضور المملكة التجاري العالمي.

في عام 2024، وصلت إيرادات "البحري" إلى نحو 2,53 مليار دولار، وهو ما يمثل أحد أعلى أرقام الإيرادات في تاريخها. فما الذي ستحمله نتائج 2025؟

ومع الاخذ في الاعتبار البعد الاستراتيجي للشركة، يكتسب أداؤها المالي في الفترة الممتدة من 2018 إلى 2024 أهمية خاصة. فالشركة لا تلعب دور شركة شحن عادية فحسب، بل تعتبر مساهما رئيسا في موثوقية صادرات الطاقة السعودية، وحلقة وصل حيوية في تدفقات النفط والبتروكيماويات العالمية.

ماذا في تفصيل إيرادات "البحري" 2018 – 2024؟

تظهر إيرادات "البحري" على مدى السنوات السبع المنصرمة قدرتها على التكيف والصمود في مواجهة تقلبات السوق العالمية. ففي عام 2018، بلغت الإيرادات نحو 1,63 مليار دولار، وارتفعت إلى نحو 1,75 مليار دولار في عام 2019. وشهد عام 2020 إنجازا استثنائيا حيث حققت الإيرادات قفزة نوعية بوصولها إلى نحو 2,24 مليار دولار خلال واحدة من أكثر الفترات اضطرابا في التجارة العالمية.

شركة "البحري"
شعار شركة "البحري" السعودية

أما في عام 2021، فقد شهدت الإيرادات انخفاضا حادا لتصل إلى 1,43 مليار دولار تقريبا قبل أن تعود الى الانتعاش في عام 2022 محققة نحو 2,29 مليار دولار، ونحو 2,34 مليار دولار في 2023. وفي عام 2024، وصلت إيرادات "البحري" إلى نحو 2,53 مليار دولار، وهو ما يمثل أحد أعلى أرقام الإيرادات في تاريخها. فما الذي ستحمله نتائج 2025، وهل "البحري" قادرة على مواصلة زخم النمو نفسه؟

كيف استفادت "البحري" من طلبات التخزين؟

يوضح التباين بين عامي 2020 و2021 الديناميكيات الحقيقية لأسواق ناقلات النفط العالمية. ففي عام 2020، أدى مزيج من الطلب الشديد على التخزين العائم، وتعطل تدفقات التجارة، ودورات الشحن المتقلبة بحدة، إلى إيجاد بيئة غير عادية، ولكن مربحة بشكل لافت، لشركات ناقلات النفط الخام الكبيرة. وتقاضى مشغلون عالميون كبار، مثل "فرونتلاين" و"يوروناف" وأعضاء تجمع ناقلات النفط العملاقة وأساطيل ناقلات النفط الآسيوية الكبيرة، أسعار تأجير استثنائية أيضا. ولم تكن "البحري" استثناء. فقد استفادت الشركة من أسطولها الضخم من ناقلات النفط العملاقة، وحققت واحدة من أقوى السنوات المالية في تاريخها.

أما في عام 2021، فشهد الوضع تراجعا حادا. أدى تفكيك المخزون العائم (وهو عملية إعادة النفط والمنتجات المكررة المخزنة على متن ناقلات النفط إلى السوق)، وعودة أسواق الشحن إلى طبيعتها، واستعادة التوازن في سلاسل التوريد العالمية، إلى انخفاض حاد في أرباح ناقلات النفط عالميا.

وشهدت إيرادات شركات النقل الكبرى، بما في ذلك "يوروناف" و"فرونتلاين" و"هافنيا" و"سكوربيو تانكرز"، انخفاضا حادا مع تضييق ظروف السوق، وانسحب ذلك على "البحري"، فواجهت الضغوط العالمية نفسها، وهو ما يعكس انخفاضا على مستوى السوق ككل وليس عوامل خاصة بالشركة.

تظهر مقارنة أداء شركة "البحري" مع كبرى مشغلي ناقلات النفط عالميا، متانة موقعها التنافسي الدولي

بيد أن "البحري" تميزت بسرعة تعافيها ابتداء من عام 2022. ففي حين اعتمدت معظم الأساطيل الدولية بشكل كبير على قطاع شحن واحد وظلت عرضة لتقلبات دورات السوق، أسهمت البنية المتنوّعة لـ"البحري"، والمدعومة بقاعدة عملاء واسعة، في استعادة زخم الشركة بسرعة. ويؤكد هذا التعافي مرونة استراتيجية "البحري" التجارية وقدرتها على التكيّف مع التحولات الهيكلية في قطاع الشحن العالمي بكفاءة أكبر من العديد من نظيراتها الدولية.

أداء "البحري" بالمقارنة مع رواد النقل البحري

تظهر مقارنة أداء شركة "البحري" مع كبرى مشغلي ناقلات النفط عالميا بوضوح، متانة موقعها التنافسي. وفي عام 2024، أعلنت "فرونتلاين" في النروج، إحدى أشهر الشركات في قطاع ناقلات النفط الخام عالميا، إيرادات إجمالية وإيرادات تشغيلية أخرى بلغت نحو 2,16 مليار دولار. وفي العام نفسه، حققت "البحري" إيرادات قياسية بلغت نحو 2,53 مليار دولار. وعلى الرغم من اختلاف نماذج أعمال الشركتين، فإنهما تشغلان أساطيل ضخمة من ناقلات النفط الخام ومشتقات النفط على نطاق عالمي. ويضع تفوق إيرادات "البحري" الطفيف على إيرادات "فرونتلاين" في عام 2024، الشركة السعودية في مصاف الشركات الرائدة من حيث الإيرادات في سوق ناقلات النفط العالمية.

وخلافا للعديد من مشغلي ناقلات النفط الخام، تضم "البحري" أسطولا ضخما من ناقلات النفط الخام العملاقة، إلى جانب ناقلات المشتقات المكررة، وناقلات الكيماويات، وسفن البضائع السائبة الجافة، وسفن الشحن العامة، بالإضافة إلى ذراع لوجستية متكاملة.

شركة "البحري"
ناقلة تابعة لشركة "البحري"

وتدير "هافنيا" في سنغافورة أسطولا ضخما من ناقلات المنتجات والكيماويات. وتشير الإفصاحات المالية لعام 2024 إلى أن "هافنيا" حققت إيرادات بلغت نحو 2,9 مليار دولار. وبحسب بيانات أسطول الشركتين، تدير "هافنيا" نحو 194 سفينة، أي ضعف أسطول "البحري" تقريبا. أما شركة "سكوربيو تانكرز"، التي تدير أسطولا يضم نحو 100 ناقلة منتجات مكررة، فأعلنت إيرادات بلغت نحو 1,24 مليار دولار في عام 2024، وفقا للبيانات المالية العامة.

سوق شركات وساطة السفن

إلى جانب مقارنة "البحري" مع كبرى شركات تشغيل ناقلات النفط العالمية، من المفيد أيضا النظر في أداء شركات وساطة السفن الرائدة مثل "كلاركسونز" و"بريمار" و"سيمبسون سبنس يونغ". لا تمتلك هذه الشركات سفنا، إلا أن إيراداتها تعكس بشكل وثيق دورات سوق ناقلات النفط العالمية، لأنها تتوسط في عقود استئجار أعداد كبيرة من ناقلات النفط الخام والمنتجات المكررة. وقد شهد عام 2020، ارتفاعا لافتا في إيرادات وسطاء السفن مدفوعا بالزيادة في التخزين العائم وارتفاع الطلب على ناقلات النفط. وفي عام 2021، انخفضت إيراداتهم بشكل حاد مع عودة أسواق الشحن إلى طبيعتها.

ارتباط "البحري" الوثيق بـ"أرامكو" السعودية ووصولها إلى تدفقات النفط الخام والمنتجات الاستراتيجية، يمنح الشركة استقرارا ورؤية بعيدة المدى، وهو أمر نادر في قطاع ناقلات النفط

وقد أعلنت شركة "كلاركسونز"، وهي أكبر شركة وساطة بحرية في العالم، إيرادات بلغت نحو 800 مليون دولار في عام 2024، في حين حققت "برايمار" نحو 200 مليون دولار. لا تكشف شركات الوساطة الخاصة، مثل "سيمبسون سبنس يونغ" عن أرقام الإيرادات الكاملة للمجموعة، إلا أن نشاطها يقاس عموما بعشرات أو مئات الملايين من الدولارات لا المليارات.

تعمل شركات الوساطة ذات الأصول الخفيفة هذه، وفق نموذج مختلف كليا عن نموذج "البحري"، ومع ذلك، تؤكد نتائج 2024 تفوق الشركة، بما يعزز قوة منصة "البحري" اللوجستية والبحرية المتنوعة.

هل تحقق "البحري" إيرادات قياسية في 2025؟

تظهر الميزة التنافسية لشركة "البحري" في نموذج أعمالها المتنوع، الذي يحد من أثر تقلبات السوق ويوفر قاعدة إيرادات أكثر استقرارا وديمومة. وتلعب الكفاءة التشغيلية دورا محوريا أيضا، إذ تستفيد "البحري" من قوة استخدام السفن، والتخطيط الفاعل للرحلات، وتدفقات البضائع الطويلة الأجل الموثوق بها، المرتبطة بصادرات الطاقة السعودية.

Shutterstock
ميناء مدينة ينبع المطلة على البحر الأحمر غرب السعودية

كما تتبوأ "البحري" مكانة فريدة كامتداد بحري للحضور العالمي للمملكة العربية السعودية في قطاع الطاقة. إذ إن ارتباطها الوثيق بـ"أرامكو" السعودية ووصولها إلى تدفقات النفط الخام والمنتجات الاستراتيجية، يمنح الشركة استقرارا عميقا ورؤية بعيدة المدى، وهو أمر نادر في قطاع ناقلات النفط. ولا تقتصر هذه المكانة على ترسيخ "البحري" كمشغل شحن تجاري، بل تجعل منها أصلا استراتيجيا يدعم أمن الطاقة والبنية التحتية للتصدير في المملكة.

يهتم المحللون والمسؤولون التنفيذيون في مجال الشحن والمهتمون بسوق الطاقة بمراقبة شركة "البحري" بشكل متزايد. في الوقت نفسه، بدأت "أوبك+" في التراجع عن خفوضات الإنتاج السابقة، مع زيادة السعودية إنتاج النفط الخام في عام 2025، مقارنة بالعام المنصرم، الأمر الذي وفر خلفية داعمة لزيادة التدفقات المنقولة بحرا من المملكة. وإذا واصلت الشركة الاستفادة من أسطولها المتنوع وعملياتها الفاعلة والتوافق الاستراتيجي مع صادرات الطاقة السعودية، فستكون لديها القدرة على تحقيق عام قوي آخر، وربما الاقتراب من تسجيل رقم قياسي جديد في الإيرادات.

font change