موانئ الخليج شرايين لوجستية تربط التجارة الدولية

عشرة مرافئ منها صنفت ضمن أفضل 70 منها عالميا في الكفاءة التشغيلية

المجلة
المجلة

موانئ الخليج شرايين لوجستية تربط التجارة الدولية

ظهرت الموانئ في منطقة الخليج العربي منذ القدم كحاجة اقتصادية أساسية لا غنى عنها، فرضت التضاريس ومتطلبات الحياة إقامة المرافئ للتواصل مع الدول القريبة والبعيدة والتمكن من تبادل السلع والبضائع بين مختلف الثغور البحرية، وكان البحر المسار الأساس للتواصل والتجارة.

نشطت الموانئ الخليجية منذ القرن السادس عشر بعد أن تعاظم الوجود البرتغالي ثم البريطاني. ظل البرتغاليون في المنطقة لمدة تقارب القرن في محاولة للسيطرة على الممرات البحرية التي شكلت أهمية للتجارة الدولية آنذاك. وعملوا على إنشاء الموانئ والمراسي البحرية التي تخدم متطلباتهم العسكرية والتجارية. لكن الوجود البرتغالي تهمش ثم اختفى بعد أن أصبح البريطانيون يولون أهمية للخليج وبدأوا بإبرام معاهدات حماية مع إمارات المنطقة. كذلك، أقام البريطانيون قواعد بحرية في البحرين ومناطق خليجية أخرى. بيد أن الموانئ الخليجية كانت ذات أهمية لسكان المنطقة الذين ابتدعوا أنشطة اقتصادية مثل الغوص والسفر إلى مناطق قريبة وبعيدة مثل البصرة ومسقط وصور وبومباي في الهند.

موانئ الخليج

أصبحت الموانئ منذ بداية القرن التاسع عشر شريان الحياة الاقتصادية في منطقة الخليج. كانت البدايات متواضعة حيث أن سفن الغوص والسفر كانت مصنوعة من الخشب والبعض منها صغير جدا مثل القوارب، قبل أن تتطور صناعة السفن الشراعية (أو ما كان يعرف بالأبوام)، ذات الأحجام الكبيرة التي تتطلب مراسي ملائمة.

عززت الموانئ الدور الاقتصادي لعدد من دول الخليج حيث أثرى التجار من التبادل التجاري بين دول المنطقة ودول أخرى قريبة وبعيدة مثل إيران والهند ومناطق الساحل الشرقي من أفريقيا

لا تخلو أي منطقة خليجية من ميناء أو أكثر، امتدادا من الكويت شمالا حتى عمان جنوبا، بما يعني أن الامتداد يشمل خليج عمان والبحر العربي أيضا. قبل بداية عصر النفط كانت وظيفة الموانئ، أو البنادر كما يُطلق عليها في اللهجات المحلية، توفير المراسي للسفن الشراعية مثل "البوم" و"البغلة" و"الجالبوت"، وهي وسائط النقل البحري المتاحة في ذلك الوقت.

Shutterstock
برج ميناء جدة، ديسمبر 2018

تنطلق سفن الغوص والصيد والسفر من تلك الموانئ البسيطة لتعود بسلع ذات أهمية لسكان مختلف مناطق الخليج العربي. هناك موانئ كانت ذات دور مهم في اقتصادات دول المنطقة، أهمها ميناء العقير في المنطقة الشرقية وميناء الكويت الذي يعد من أقدم الموانئ في الخليج، كذلك ميناء رأس تنورة الذي عرف بأهميته لصائدي الأسماك، وهو ميناء مهم لتجارة النفط السعودي في الوقت الحاضر. البحرين أيضا امتلكت مراسي بمثابة موانئ صغيرة حيث كان هناك الغوص والصيد والسفر الذي تفنن به البحرينيون.

شرايين الخليج البحرية

عززت الموانئ الدور الاقتصادي لعدد من دول الخليج حيث أثرى التجار من التبادل التجاري بين دول المنطقة ودول أخرى قريبة وبعيدة مثل إيران والهند ومناطق الساحل الشرقي من أفريقيا. مكنت الموانئ في الخليج قبل النفط من تحسين قدرة الدول على تحقيق إيرادات ملائمة لمواجهة استحقاقات المعيشة. وإلى جانب جلب المواد الغذائية والأساسية وتصدير المنتجات المحلية ومنها اللؤلؤ والتمور من مزارع البصرة، فإن تلك الموانئ شكلت البنية التحتية المناسبة لاستيراد المواد الإنشائية اللازمة للبناء.

بعد أن تمكنت دول الخليج من تحقيق إيرادات مجزية من النفط، قررت أن توفر بنية تحتية ملائمة للتنمية الاقتصادية وتوسع نطاق الأعمال التجارية والصناعية والعقارية والخدمية. ولذلك، وظفت مبالغ كبيرة في أعمال تشييد الموانئ التي أصبح البعض منها يضاهي أهم الموانئ في العالم مثل أمستردام وليفربول ونيويورك. يذكر تقرير للمركز الإحصائي الخليجي أن 10 موانئ خليجية للحاويات تعد من ضمن أهم 70 ميناء في عام 2024 من حيث الكفاءة التشغيلية من بين 405 موانئ في العالم. تعتمد هذه الموانئ على أساطيل بحرية تملكها دول المنطقة وتعزز مستوياتها التشغيلية. ودفع تصدير النفط دول الخليج منذ خمسينات القرن الماضي إلى التوسع في تطوير الموانئ المخصصة لتصدير النفط.

تثبت "موانئ دبي العالمية" أن مؤسسات الأعمال في هذه المنطقة قادرة على تحويل تجاربها المحلية إلى فرص أعمال مجدية على المستوى العالمي

تضم منطقة الخليج العربي موانئ نفطية مهمة على المستوى العالمي ومنها ميناء رأس تنورة وميناء الملك فهد في الجبيل في السعودية وميناء خورفكان والفجيرة في الإمارات وميناء الدوحة في قطر وميناء الزور وميناء الأحمدي في الكويت. تعد هذه الموانئ متخصصة في تصدير النفط وهي ذات أهمية بالغة لاقتصادات دول الخليج، ولذلك تتم صيانتها وتعزيز قدراتها التصديرية دوريا لكي تواكب مستجدات الطلب على النفط. معلوم أن دول الخليج المصدرة للنفط تقوم بتصدير نحو 17 مليون برميل يوميا، وهذا المستوى من التصدير قابل للارتفاع بحسب توقعات العاملين في قطاع الطاقة، حيث أن البدائل لا تزال بعيدة عن توفير احتياجات الدول المستهلكة على الرغم من الجهود المبذولة في هذه الدول لتوفير مصادر الطاقة البديلة وارتفاع إنتاج النفط في الولايات المتحدة والبرازيل من خارج منظومة "أوبك".

موانئ جديدة استراتيجية

هناك مشاريع قيد التنفيذ لبناء موانئ في دول الخليج، أهمها ميناء مبارك في الكويت وميناء الملك عبد الله في السعودية وميناء حمد في قطر وميناء صحار في عمان. ويعد ميناء مبارك مشروعا قديما طال انتظاره وهو حاليا قيد التنفيذ بعد أن تم التوافق مع جهات صينية لإكمال بنائه وتشغيله.

Shutterstock
ميناء مدينة الدوحة، قطر 19 مارس 2023

واجه ميناء مبارك الكبير في الكويت منافسة من مشروع ميناء الفاو، البكر سابقا، الذي أنجزته الحكومة العراقية بالتعاون مع شركات كورية جنوبية، بتكلفة بلغت 17 مليار دولار. وعملت الحكومة العراقية على ربط هذا الميناء بمشروع السكك الحديد التي تربط الخليج بتركيا لتعزيز دور الميناء في صناعة التكامل الاقتصادي بين دول المنطقة. وقد أعلنت الشركة العامة لموانئ العراق في أواخر يونيو/حزيران الماضي أن أعمال الحفر والتكريك بالقناة الملاحية الخارجية ضمن مشروع ميناء الفاو قد بلغت 91,34 في المئة.

 أما ميناء مبارك فسيضم 60 رصيفا، وسيكون جاهزا للتشغيل في عام 2026، بناء على تصريحات وزارة الأشغال. تقدر تكلفة ميناء مبارك الكبير 990 مليون دينار كويتي أو 3,2 مليارات دولار.

موانئ دبي من الأهم في العالم

أهم التطورات المتعلقة بالموانئ في الخليج، هي تلك التجربة في إدارة الموانئ في دبي في دولة الإمارات، التي تعززت بتأسيس شركة "موانئ دبي العالمية" (DP WORLD) وأصبحت من أهم الشركات المديرة للموانئ على المستوى العالمي. تأسست الشركة عام 1999 وتخصصت في المواصلات البحرية والبرية والجوية والخدمات اللوجستية ذات الصلة. عملت الشركة على توسيع نطاق أعمالها واستحوذت على شركات متخصصة مثل شركة "بي. أند أو." (Peninsular & Oriental Steam Navigation Company – P&O) البريطانية عام 2006، التي كانت تعد رابع أكبر شركة إدارة موانئ في العالم. وبلغت قيمة الصفقة 6,8 مليارات دولار شملت أكثر من 100 موقع حول العالم. وقد عززت هذه الصفقة مكانة موانئ دبي العالمية على الساحة الدولية، لتصبح ثالث أكبر شركة إدارة موانئ في العالم.

أثار اقتصاديون كويتيون وعراقيون أهمية التوافق بين الكويت والعراق في تطوير الموانئ وتفادي المنافسة غير المجدية، خصوصا لقرب ميناء مبارك الكويتي من ميناء الفاو العراقي

عملت شركة "موانئ دبي العالمية" على تقديم خدماتها في موانئ المنطقة حيث بدأت في ميناء جدة بالشراكة مع مشغل محلي، بعد ذلك تمكنت من التعاقد لإدارة ميناء جيبوتي في عام 2000 وتوسعت في أعمالها لتشمل موانئ في الهند ورومانيا. حاولت شركة "موانئ دبي العالمية" أن تدير موانئ نيويورك، لكن الصفقة التي أبرمتها في عام 2006 واجهت معارضة سياسية في الكونغرس وتم إلغاؤها على الرغم من موافقة الرئيس الأميركي جورج بوش الابن عليها. تمثل شركة "موانئ دبي العالمية" أهمية للاقتصادات الخليجية حيث تؤكد أن مؤسسات الأعمال في هذه المنطقة قادرة على تحويل تجاربها المحلية إلى فرص أعمال مجدية على المستوى العالمي.

Shutterstock
أليات للتنزيل البضائع في ميناء جبل علي، إلامارات 16 أبريل 2025

لا شك أن الخليجيين الذين مارسوا العمل في البحار لأمد طويل، أبدعوا في تطوير الموانئ وأحسنوا إدارة اقتصاديات هذه الموانئ، ومن ثم تمكنوا من تطوير شركة "موانئ دبي" لتصبح نموذجا مهما للنجاح الاقتصادي.

أهمية التعاون وتفادي المنافسة السلبية

الموانئ، كسائر الأعمال الاقتصادية، معرضة لأخطار أمنية واقتصادية شتى، ومن المفيد تفادي المنافسة السلبية في ما بينها والعمل على تخصيص الموانئ بحسب الصادرات والواردات إليها. على سبيل المثل، لا بد من تحديد الموانئ الخاصة بالنفط والغاز ومشتقاتهما والمواد الكيميائية. وفي ظل الأوضاع الأمنية والسياسية غير المستقرة، هناك فرصة لتطوير الموانئ العُمانية جنوب مضيق هرمز بهدف تقليص الأخطار المحتملة وتفادي أي ظروف غير مواتية مستقبلا. كذلك يتعين على الكويت والعراق تطوير علاقات اقتصادية مفيدة وتوزيع العمل بين ميناءي مبارك والفاو بما يعزز الكفاءة الاقتصادية لكل من العراق والكويت. كذلك، يجب أن يتم توزيع نشاط الاستيراد السلعي من الدول الآسيوية وغيرها على الموانئ الخليجية وفق آليات تضمن سرعة وصول السلع إلى المستوردين في دول الخليج والاستفادة من القدرات التخزينية المتاحة لدى كل ميناء.

بعد كل ما سبق، ينبغي للأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي إعداد دراسة بالتعاون مع الجهات المختصة الأكثر خبرة لتقديم مقترحات فاعلة لتطوير خدمات الموانئ في هذه المنطقة من العالم.

font change

مقالات ذات صلة