صارت الرافعات والفولاذ من أبرز علامات التحول الاقتصادي في جميع أنحاء الشرق الأوسط. فمن سواحل البحر الأحمر إلى صحاري دولة الإمارات وممرات البنية التحتية التي تربط العراق بالخليج – وهي المناطق التي طالما تأثرت بتدفقات الطاقة والتجارة – تعيد نشاطات البناء تشكيل المشهد – وهي ليست غاية في حد ذاتها، وإنما أساس للتنوع الاقتصادي على المدى الطويل.
وتأتي طفرة البناء بوصفها النتيجة المباشرة لتنفيذ الاستراتيجيات الوطنية والجهود التي تبذلها المنطقة لفصل النمو الاقتصادي عن الهيدروكربونات. وتتسابق دول الخليج لتحقيق رؤاها الوطنية الطموحة، حيث تمهد المشاريع الإنشائية الطريق أمام قطاعات مثل السياحة والتكنولوجيا والخدمات اللوجستية والتصنيع المتقدم. ووفقا لتقرير "معلومات سوق الإنشاءات العالمية 2025" الصادر عن شركة "تيرنر أند تاونسند"، فإن الزخم لا يتزايد فحسب، بل يتسارع حاليا.
ما العوامل التي تقف خلف هذه الطفرة؟
لا تحدث طفرة البناء التي تشهدها المنطقة بمعزل عما يحيط بها، بل هي ثمرة لتقاطع ثلاثة عوامل: التنويع، انخفاض تكاليف المدخلات، والشراكات بين القطاعين العام والخاص. أولا، تقوم خطط التنويع الوطنية مثل "رؤية السعودية 2030"، وخطة "مئوية الإمارات" 2071، و"رؤية عمان 2040"، بترجمة السياسات إلى بنية تحتية. وهكذا تحولت المشاريع الكبرى - التي كانت تعد طموحات في السابق - إلى حقائق ملموسة. وبدأت مشاريع التطوير مثل القدية وبوابة الدرعية في الرياض، والمنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم في عمان، وجزيرة الريم في أبوظبي بإعادة تشكيل المشهدين العمراني والاقتصادي.