الفصل الأخير لمصير التعريفات الجمركية في 2026

أربعة سيناريوهات محتملة لقرار المحكمة العليا وبدائل قانونية يستعد لها ترمب

ناش
ناش

الفصل الأخير لمصير التعريفات الجمركية في 2026

بعد عام صاخب من النزاعات التجارية التي خاضتها الولايات المتحدة مع شركائها ومنافسيها حول العالم، بقيادة الرئيس دونالد ترمب وسياساته الانقلابية على التعريفات الجمركية كما هو متعارف عليها لعقود طويلة، تبدو الساحة الدولية مع أفول السنة مثقلة بالاتفاقات المعلقة، والمراجعات المتتالية، وانتظار نتائج الإحصاءات لتقييم الارتدادات الاقتصادية والسياسية المضطربة.

وعلى الرغم من التحليلات التي تتحدث عن تغير قواعد التجارة الأميركية إلى الأبد، فإن الفصل الأهم في هذه المواجهة لم يكتب بعد. فالميدان الحاسم لم يعد في غرف التفاوض الدولية ولا على طاولات القمم الاقتصادية، بل داخل قلب النظام الدستوري الأميركي نفسه: بين السلطة التنفيذية التي وسّع ترمب حدودها، والمحكمة العليا التي تنتظرها في عام 2026 لحظة فارقة قد تعيد رسم ميزان القوة بين الرئيس والكونغرس، وتحدد مستقبل التعريفات الجمركية لعقود مقبلة.

عام 2026 سيكون سنة الحسم في معركة التعريفات: فهل تنتصر حجة الأمن القومي، أم تستعيد سلطة الكونغرس المالية مكانتها؟ المعركة القانونية الكبرى على وشك الانطلاق، ومن واشنطن، من محرابها الدستوري والقانوني، سيتحدد مستقبل التجارة العالمية.

في الدفاع عن صلاحيات ترمب

في الخامس من نوفمبر/ تشرين الثاني المنصرم، استمعت المحكمة العليا في الولايات المتحدة إلى المرافعات الشفوية في الطعن بقرار محكمة الاستئناف للدائرة الفيديرالية في واشنطن الصادر في 29 أغسطس/آب المنصرم، الذي قضى بعدم قانونية معظم التعريفات الجمركية التي فرضها الرئيس دونالد ترمب في ما عرف بـ"يوم التحرير"، في 2 أبريل/نيسان 2025، على شركاء واشنطن التجاريين وعلى دول أخرى، بحجة دورها المفترض في تدفق المخدرات إلى الأراضي الأميركية. وقد مثل الرئيس ترمب والإدارة العامة في هذه المرافعات المحامي العام جون ساور، والأطراف الخاصة المحامي نيل كاتيال، والولايات المحامي العام بنجامين غوتمان.

إن اختلال التوازن التجاري لمصلحة المصدرين إلى الولايات المتحدة، قوض الصناعة المحلية وتحول إلى "تهديد غير عادي واستثنائي للأمن القومي والاقتصاد الأميركي"، وهو ما يمنح الرئيس، بحسب قوله، الحق في تفعيل الصلاحيات التي يتيحها قانون سلطات الطوارئ الاقتصادية الدولية لعام 1977

ركزت مداخلة ساور دفاعا عن الرئيس ترمب وإدارته، على أن تهريب المخدرات من الصين والمكسيك وكندا إلى الولايات المتحدة يعد حالة طوارئ تبرر فرض ضرائب ضاغطة على هذه الدول. كما ان اختلال التوازن التجاري لمصلحة المصدرين إلى الولايات المتحدة، قوض الصناعة المحلية وتحول إلى "تهديد غير عادي واستثنائي للأمن القومي والاقتصاد الأميركي"، وهو ما يمنح الرئيس، بحسب قوله، الحق في تفعيل الصلاحيات التي يتيحها قانون سلطات الطوارئ الاقتصادية الدولية لعام 1977 (IEEPA).

ناش

فالمادة 1701 من هذا القانون تنص على أن للرئيس أن يلجأ إليه "لمواجهة أي تهديد غير عادي واستثنائي، يكون مصدره كليا أو جزئيا خارج الولايات المتحدة، ويهدد الأمن القومي أو السياسة الخارجية أو اقتصاد الولايات المتحدة". أما المادة 1702، فتنص على أنه في حالات الطوارئ، يجوز للرئيس "تنظيم عمليات الاستيراد أو التصدير" مع أي دولة أجنبية يكون لأحد رعاياها مصلحة في تلك العمليات.

وأوضح ساور أن تفويض الكونغرس للرئيس سلطة "تنظيم الاستيراد"، يخوله ضمنا وبشكل واضح فرض التعريفات الجمركية، باعتبارها "أداة تقليدية وشائعة لتنظيم الواردات".

جدير بالذكر أن عددا من أبرز الدستوريين الأوائل، مثل جيمس ماديسون وجون مارشال، تناولوا التعريفات الجمركية بوصفها إحدى وسائل "تنظيم" التجارة. ففي قضية جيبونز ضد أوجدن عام 1824، على سبيل المثل، أشار رئيس المحكمة العليا آنذاك، جون مارشال، إلى "حق السلطة في تنظيم التجارة من خلال فرض التعريفات الجمركية".

"قانون التجارة مع العدو"

كما سبق للرئيس ريتشارد نيكسون، في أغسطس/آب 1971، فرض تعريفات جمركية موقتة بنسبة 10 في المئة، استنادا إلى بند يكاد يطابق أحكام قانون (IEEPA)، وهو "قانون التجارة مع العدو"، بهدف حماية المنتجات الأميركية من أسعار الصرف غير العادلة. وفي خطابه المتلفز الذي أعلن فيه هذه الرسوم الإضافية، قال نيكسون: "عندما تنتهي المعاملة غير العادلة، ستنتهي ضريبة الاستيراد أيضا". وقد أيدت محكمة الاستئناف لاحقا موقفه في الدعوى التي رفعها ضد شركة "يوشيدا" الدولية.

أي قرار من المحكمة بإلغاء التعريفات الجمركية سيشكل، إن حصل تدخلا قضائيا غير مقبول في مسؤولية الرئيس عن إدارة العلاقات الخارجية والتجارة

جون ساورن، المحامي الذي يمثل الرئيس ترمب لدى المحكمة العليا

ورأى ساور أن المحكمة العليا لا تستطيع  الخوض بعيدا في الأمور "لأن القضاة يفتقرون إلى الكفاءة المؤسسية لتحديد متى تكون التهديدات الأجنبية غير عادية أو استثنائية وتستدعي استجابة طارئة".

وخلص إلى أن أي قرار من المحكمة إلغاء التعريفات الجمركية سيشكل، إن حصل، "تدخلا قضائيا غير مقبول في مسؤولية الرئيس عن إدارة العلاقات الخارجية والتجارة".

القيود الدستورية على التعريفات

تعقيبا على حجج ترمب وإدارته، أشار المحاميان كاتيال وغوتمان إلى أن المادة الأولى من الدستور تمنح الكونغرس سلطة "فرض وتحصيل الضرائب والرسوم الجمركية والرسوم غير المباشرة"، وتشترط أن "تصدر مشاريع قوانين زيادة الإيرادات من مجلس النواب". كما لفتا إلى أن قانون "IEEPA" لا يذكر التعريفات الجمركية على الإطلاق، على عكس قوانين أخرى تناولت التعريفات بشكل صريح، مثل قانون التجارة لعام 1974.

أ.ف.ب.
مبنى المحكمة العليا الأميركية، 1 يوليو 2024، في واشنطن

وفي إطار قانون "IEEPA"، يمنح الكونغرس الرئيس سلطات واسعة للتعامل مع أي "تهديد غير عادي واستثنائي أُعلنت في شأنه حالة طوارئ وطنية"، تشمل من بين صلاحياته "التحقيق" و"تنظيم" و"حظر" الواردات، إلا أن القانون لا يذكر مطلقا عبارة "تعريفة جمركية" أو "ضريبة". ولم يعتمد أي رئيس قبل ترمب على هذا القانون لفرض تعريفات جمركية لتحقيق أهداف السياسة الخارجية أو الأمن القومي، بل اقتصرت التطبيقات السابقة على استخدام العقوبات المالية، مثل تجميد الأصول أو حظر التجارة.

التعريفات الجمركية تنتظر الفصل الأخير

ويرى المعنيون أن تفسير قانون "IEEPA" بهذا الشكل يقوض ضوابط وتوازنات دستورية أساسية، أبرزها مبدأ "الأسئلة الرئيسة"، الذي يشترط أن يستخدم الكونغرس لغة واضحة لإجازة إجراءات تنفيذية قد تحدث تحولا اقتصاديا. كما يتعارض مع مبدأ "عدم التفويض"، الذي يمنع الكونغرس من نقل سلطات تشريعية غير محدودة، مثل سلطته الضريبية، إلى السلطة التنفيذية. فالسلطة الضريبية حق أصيل للكونغرس بموجب الدستور، و"سلطة الكونغرس المالية" هي الأداة الرئيسة لضبط صلاحيات الرئيس. لذلك، يجب على المحكمة توخي الحذر في تفسير نص يظهر أن الكونغرس يعرف متى وكيف يفوض الرئيس صلاحية فرض التعريفات الجمركية، وقد فعل ذلك مرارا وبشكل صريح، أهمها في قانون التجارة لعام 1974. وأخيرا، قانون IEEPA هو في جوهره قانون لزمن الحرب.

سيتعين على قضاة المحكمة العليا أن يحسموا، استنادا إلى طروحات الأطراف المتداعية أمامها، الجواب عن سؤال محوري: هل تصنف صلاحية الرئيس الاستثنائية في فرض التعريفات الجمركية كأمر يتعلق بـ"السياسة الخارجية" للسلطة التنفيذية، أم كمسألة "سلطة الكونغرس المالية"؟ فإذا رأت المحكمة أنها تتعلق أساسا بالسياسة الخارجية، فقد تميل الى تأييد تفسير ترمب إلى حد كبير. أما إذا اعتبرتها مرتبطة في المقام الأول بالسلطة المالية للكونغرس، فمن المرجح أن يصدر قرار يعارض تفسير الرئيس لقانون  IEEPA.

ثمة سيناريوهات محتملة لقرار المحكمة العليا في شأن التعريفات: إما تأييد كامل لها، أو النجاح الجزئي أو الخسارة من دون بتّ ردّ مدفوعات الرسوم الجمركية التي سبق للمستوردين دفعها

يعتبر ترمب أن قرار المحكمة العليا في شأن صلاحياته الاستثنائية في فرض التعريفات الجمركية سيكون من أهم وأخطر القرارات في تاريخ الولايات المتحدة. ويحذر من أنه في حال خسارته القضية، فإن البلاد "ستكون في حالة من الضعف والاضطراب والفوضى المالية لسنوات طويلة"، وستتراجع "إلى مرتبة دول العالم الثالث"، سائلا الله ألا يحدث ذلك. أما في حال الفوز، فيرى أن الولايات المتحدة "ستصبح أغنى وأكثر دول العالم أمنا".

ما هي السيناريوهات المحتملة لقرار المحكمة العليا؟

ثمة أربعة سيناريوهات محتملة لقرار المحكمة العليا في شأن التعريفات الجمركية التي فرضها ترمب:

1. تأييد كامل لكل التعريفات يمنح ترمب هامشا توسعيا هائلا وغير مسبوق ضمن سلطاته التنفيذية.

2. النجاح الجزئي من خلال كسب القضية في شأن التعريفات المتعلقة بالفنتانيل فقط، مع إلغاء التدابير التجارية الأوسع نطاقا.

3. الخسارة من دون بتّ ردّ مدفوعات التعريفات الجمركية التي سبق للمستوردين دفعها، تاركا الأمر لمحكمة أدنى للنظر فيه.

4. خسارة القضية مع إلزام الخزانة رد المدفوعات الجمركية المستوفاة من المستوردين، مما يؤدي إلى مطالبات بمليارات الدولارات من الخزانة.

بدائل ترمب التجارية القانونية

أمام ترمب، في حال الخسارة، ثلاثة بدائل قانونية تمكنه من مواصلة حربه التجارية المعلنة هي الآتية:

أولا: البند 232 من قانون توسيع التجارة لعام 1962 (The Trade Expansion Act)، الذي يمنح الرئيس صلاحية فرض التعريفات الجمركية لأسباب تتعلق بالأمن القومي، استنادا إلى تقرير يصدر عن مكتب الصناعة والأمن التابع لوزارة التجارة.

ثانيا: قانون التجارة لعام 1974 (The Trade Act) البند 201: يسمح بفرض تعريفات جمركية لا تتجاوز 50 في المئة أو تمتد لأكثر من 8 سنوات، إذا قررت لجنة التجارة الدولية الأميركية (USITC) أن زيادة الواردات تشكل سببا جوهريا لضرر جسيم، أو تهديدا بضرر جسيم، لصناعة محلية تنتج منتجا مشابها أو منافسا مباشرا. ويستند هذا الإجراء إلى المادة التاسعة عشرة من الاتفاقية العامة للتعريفات الجمركية والتجارة  (GATT)، التي تسمح للدول بالامتناع مؤقتا عن الالتزامات التجارية في ظروف معينة. 

البند 301: يتيح فرض تعريفات جمركية على الدول التي تمارس سياسات تمييزية ضد الشركات الأميركية، استنادا إلى تحقيق يقوم به ممثل التجارة الأميركية (USTR) حول ممارسات التجارة الخارجية غير العادلة.

البند 122: يسمح بفرض تعريفات جمركية مؤقتة بنسبة 15 في المئة ولمدة 150 يوما، مع اشتراط موافقة الكونغرس على أي تمديد لهذه المدة، لمعالجة اختلالات كبيرة وخطيرة في ميزان المدفوعات.

ثالثا: البند 338 من قانون "سموت-هاولي" لعام 1930  (The Smoot-Hawley Tariffs) الذي يتيح للرئيس فرض رسوم تصل إلى 50 في المئة دون حد أقصى لمدة سريان هذه الرسوم، على الدول التي تفرض قيودا أو ضرائب مجحفة ضد الشركات الأميركية. وقد صرح وزير الخزانة سكوت بيسنت لوكالة "رويترز" في أيلول/سبتمبر الماضي أن الإدارة تدرس الاستناد إلى هذا البند لمواصلة سياساتها التجارية، في حال صدور قرار من المحكمة العليا يقضي بعدم جواز استخدام ترمب لصلاحيات الطوارئ في فرض الرسوم الجمركية.

font change

مقالات ذات صلة