التعريفات الجمركية في انتظار كلمة المحكمة العليا الأميركية

الأسواق تترقب بحذر والقضاء أمام اختبار اقتصادي وسياسي مصيري

سارة بادوفان
سارة بادوفان

التعريفات الجمركية في انتظار كلمة المحكمة العليا الأميركية

قضت محكمة الاستئناف الاميركية للدائرة الفيديرالية في واشنطن في نهاية آب/أغسطس الماضي بغالبية سبعة قضاة في مقابل أربعة، بعدم قانونية معظم التعريفات الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترمب في "يوم التحرير" على عشرات الدول، موضحة أنه تجاوز في ما قرر قانون سلطات الطوارئ الاقتصادية الدولية لعام 1977 – (IEEPA) International Emergency Economic .Powers Act

وأوضحت المحكمة أن "قانون IEEPA يمنح الرئيس صلاحيات واسعة لاتخاذ عدد من الإجراءات استجابة لحالة طوارئ وطنية معلنة، لكن لا يتضمن أي من هذه الإجراءات صراحة سلطة فرض تعريفات جمركية وضرائب أخرى"، وانه "لا ينص صراحة على سلطة الرئيس في فرض تعريفات كهذه عشوائيا لأسباب اقتصادية أو أمنية من دون تكليف واضح من الكونغرس".

يشكل هذا الحكم انتكاسة كبيرة لترمب، الذي هزّت سياساته التجارية المتقلبة الأسواق المالية، مع ذلك، ستظل هذه التعريفات سارية حتى 14 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، مما يمنح إدارته مهلة للاستئناف أمام المحكمة العليا.

أ.ف.ب.
الرئيس الأميركي دونالد ترمب يلقي كلمة حول أهمية التعريفات الجمركية خلال حدث "لنجعل أميركا عظيمة مجددا"، في البيت الأبيض، 2 أبريل 2025

يؤيد قرار محكمة الاستئناف قرارا أصدرته محكمة التجارة الدولية (CIT) في نهاية أيار/مايو المنصرم، في قضية رفعتها خمس شركات واثنتا عشرة ولاية أميركية، ورفضت المحكمة في قرارها حجة ترمب بأن صلاحية فرض التعريفات الجمركية العالمية تعود "لتقديره المنفرد" وتندرج من ضمن قانون الطوارئ الاقتصادية "IEEPA" وقد قررت انه "لا يجوز فرض التعريفات الجمركية إلا لمواجهة تهديد غير عادي واستثنائي أعلنت بسببه حالة طوارئ وطنية"، وهي، أي التعريفات الجمركية "تتجاوز أي سلطة ممنوحة للرئيس".

سيعتمد الرئيس ترمب على مساعدة المحكمة العليا الأميركية له بعد الهزيمة القضائية المزدوجة التي مني بها في هذا الخصوص، من محكمتي التجارة الدولية (CIT) والاستئناف في واشنطن

قرار محكمة الاستئناف يُعد ضربة قوية لأجندة ترمب التجارية التي يرمي من خلالها الى إعادة تشكيل الاقتصاد العالمي بما يعود بالنفع على الولايات المتحدة من خلال تعريفات جمركية تقلص العجز التجاري لبلاده. كما يعيد القرار الجدل حول صلاحيات الرئيس في فرض الضرائب دون موافقة الكونغرس. 

هل تنتصر المحكمة العليا لتعربفات ترمب؟

سيعتمد الرئيس ترمب على مساعدة المحكمة العليا له في موضوع التعريفات الجمركية بعد الهزيمة القضائية المزدوجة التي مني بها في هذا الخصوص. 

فقد سبق للمحكمة العليا المكونة من غالبية محافظة معينة من الجمهوريين (ستة من أصل تسعة قضاة، ثلاثة من الستة عيّنهم ترمب) أن اصدرت قرارات عدة مؤيدة لقرارات الرئيس في قضايا أثيرت أمامها. منها قضايا ترحيل المهاجرين والمتحولين جنسيا من الخدمة العسكرية وتوسيع صلاحيات الرئيس على الوكالات الفيديرالية وموظفيها وموازناتها، كما حصل في قضية فصل جوين ويلكوكس من مجلس علاقات العمل الوطني.

.أ.ف.ب

في المقابل يعتقد قانونيون آخرون من بينهم جون فيرونو، الشريك في شركة "كوفينجتون آند بيرلينج للمحاماة" أن "هناك صعوبة بالغة في تصور أن المحكمة العليا ستفسر قانون IEEPA تفسيرا واسعا الى درجة أن الرئيس قد يعيد صوغ قانون الجمارك كما يشاء في أي وقت ولأي سبب". 

ما هي التعريفات الجمركية التي ألغتها محكمة الاستئناف؟

هي ما أطلق عليها ترمب اسم التعريفات الجمركية "المتبادلة" وتتراوح بين 10 و50 في المئة بحسب الوضع والبلد. وفُرضت للمرة الأولى في مطلع نيسان/أبريل 2025 . بالإضافة إلى مجموعة من التعريفات فرضت قبل ذلك في شباط على الصين وكندا والمكسيك والمتعلقة بمكافحة الاتجار بالفنتانيل.

ولا يطال قرار محكمة الاستئناف التعريفات الصادرة بموجب أسس قانونية أخرى، مثل تلك المفروضة على واردات الصلب والألومنيوم والنحاس والسيارات وغيرها، ولا التعريفات الجمركية التي فرضها ترمب على الصين خلال ولايته الأولى، والتي أبقاها الرئيس السابق جو بايدن.

يرى الرئيس ترمب ان العجز التجاري والتدفق غير المشروع للمهاجرين والمخدرات الى بلاده يشكلان "حالة طوارئ وطنية" تهدد الاقتصاد الوطني والأمن القومي 

لقد ندد الرئيس ترمب بقرار محكمة الاستئناف واصفا اياه بأنه "غير صحيح"  وصادر عن "محكمة متحيزة للغاية"، وبأن من أصحاب الشكوى دولا أجنبية.

ترمب يلوح للمحكمة بكارثة وخراب مالي

وأعلن على صفحته "تروث سوشيال بأنه سيطعن بالقرار المذكور أمام المحكمة العليا ويطلب منها بت الطعن بقرار عاجل، آملا "ان تؤدي مساعدتها الى خدمة الامة واستعادتها لثروتها وقوتها وسلطتها"، ومحذرا في الوقت نفسه من انه في حال تأييد الأخيرة قرار محكمة الاستئناف فإن ذلك "سيكون كارثة كاملة للبلاد اذ سيدمرها  وسيؤدي الى خراب مالي وفقر مدقع" والى" تحول الولايات المتحدة الى دولة من دول العالم الثالث". وفسرت هذه التهديدات على انها من قبيل الضغط على المحكمة لإقناعها بأن إلغاء التعريفات الجمركية سيؤدي إلى فوضى اقتصادية كبيرة.

يرى ترمب ان العجز التجاري والتدفق غير المشروع للمهاجرين والمخدرات الى بلاده يشكلان "حالة طوارئ وطنية" تهدد  الاقتصاد الوطني والأمن القومي وتمكنه من اللجوء الى قانون الصلاحيات الاقتصادية الطارئة الدولية لعام 1977 (IEEPA)  لفرض ما يراه مناسبا من تعريفات جمركية ستجبر الصناعيين على إعادة الوظائف إلى الولايات المتحدة وتوليد إيرادات كافية لخفض عجز الموازنة الفيديرالية. وكان سبق له ان فرض خلال ولايته الاولى تعريفات جمركية مشددة على مئات السلع المستوردة من الصين والاتحاد الأوروبي واليابان وكوريا الجنوبية وغيرها، تحت شعار حماية الصناعات الأميركية.

ويرى مدافعون عن قرار ترمب "ان العجوزات التجارية تسببت بحال طوارئ وطنية أتعبت المجتمع وأضعفت قاعدته الصناعية وهذه حقائق لم تتعرض لها المحكمة"، وان "ليس من شأن القضاة غير المنتخبين من الشعب أن يقرروا كيفية التعامل مع حالة الطوارئ الوطنية بشكل صحيح. لقد تعهد الرئيس ترمب بجعل أميركا أولا، والإدارة ملتزمة استخدام كل سلطة تنفيذية ممكنة لمعالجة هذه الأزمة واستعادة عظمة أميركا".

في حال مصادقة المحكمة العليا على قرار محكمة الاستئناف فإنه "سيهدد المصالح الاستراتيجية الشاملة للولايات المتحدة محليا ودوليا، ومن المرجح أن يؤدي إلى رد انتقامي وإلغاء اتفاقات مع شركاء تجاريين" 

هوارد لوتنيك، وزير التجارة الأميركي

في المقابل، يجادل منتقدو قرار ترمب ومن بينهم محامي ائتلاف الأعمال جيفري شواب، من مركز "ليبرتي" للعدالة، بأن "السماح ببقاء تعريفاته الجمركية سيعد تفويضا غير مقبول لسلطة الكونغرس، وسيسمح له بفرض تعريفات جمركية على أي دولة في أي وقت ولأي سبب تقريبا"، وبأن "تفويضا غير محدود لسلطة فرض التعريفات الجمركية يشكل تنازلا غير دستوري عن السلطة التشريعية لفرع آخر من فروع الحكومة". 

أ.ف.ب
المحكمة العليا الأميركية

ماذا سيحدث إذا أقرّت المحكمة العليا قرار محكمة الاستئناف؟ سيشكل ذلك ضربة موجعةً لقرارات ترمب، وللخزانة الأميركية. فقد بلغت إيرادات التعريفات الجمركية 159 مليار دولار في تموز/يوليو، أي أكثر من ضعف ما كانت عليه في الفترة نفسها من العام المنصرم. وقد حذرت وزارة العدل من أن إلغاء التعريفات الجمركية قد يؤدي إلى "خراب مالي" للولايات المتحدة. اذ "ستضطر الحكومة حينها إلى رد جزء من ضرائب الاستيراد المحصلة منذ سريان التعريفات الجمركية".

وقد يضع هذا الامر ترمب في موقف صعب يضعف موقعه التفاوضي عند محاولته فرض تعريفات جمركية مستقبلية، اذ سيشجع الحكومات الأجنبية على مقاومة مطالب كهذه، وحتى السعي لإعادة التفاوض حول تعريفات جمركية تم الاتفاق عليها، كتلك التي تعاقد عليها ترمب مع الاتحاد الأوروبي وتقرب من تريليون دولار حسب قوله حيث سيتعين إلغاؤها في حال مصادقة المحكمة العليا على قرار محكمة الاستئناف.

إلغاء التعريفات سيكون كارثة شاملة

ويحذر وزير التجارة هوارد لوتنيك من أن "مثل هذا القرار سيهدد المصالح الاستراتيجية الشاملة للولايات المتحدة محليا ودوليا، ومن المرجح أن يؤدي إلى رد انتقامي وإلغاء اتفاقيات مع شركاء تجاريين". وقال زميله في وزارة الخزانة سكوت بيسنت إن الغاء قرار التعريفات الجمركية سيضع الولايات المتحدة في "موقف ديبلوماسي محرج وخطير".  
 
أما  ترمب فيخشى قتل الدجاجة التي تبيض ذهبا، وحذر من ان "إلغاء التعريفات الجمركية، سيكون كارثة شاملة على البلاد. فهو سيضعفنا ماليا، في الوقت الذي نحتاج فيه إلى أن نكون أقوياء". وفي حال الهزيمة، سيتحمل دافعو الضرائب التكلفة.

إن إلغاء قرار التعريفات الجمركية سيضع الولايات المتحدة في "موقف ديبلوماسي محرج وخطير"

سكوت بيسنت، وزير الخزانة

وقد أشارت وكالة "ستاندرد آند بورز" صراحة إلى تأثير التعريفات الجمركية لتبرير الحفاظ على التصنيف الائتماني AA+ للديون الأميركية. وقد تكون العواقب وخيمة على الأسواق مع ارتفاع أسعار الفائدة الطويلة الأجل في الولايات المتحدة.

ويأتي التهديد للمالية العامة في سياق متوتر أصلا بسبب هجمات ترمب على استقلالية بنك الاحتياطي الفيديرالي. وقد قدمت حاكمة الاحتياطي الفيديرالي ليزا كوك التي أقالها الاخير طعنا بقرار الإقالة أمام القضاء. ومن شبه المؤكد ان يحال الملف امام المحكمة العليا في النهاية، مما ينذر بعام قضائي حافل بالأحداث الأخيرة حيث سيتعين عليها بت صلاحيات الرئيس في موضوعين حساسين وبمنتهى الخطورة، فرض التعريفات الجمركية وإقالة حاكم من الاحتياطي الفيديرالي . 

قوانين أخرى يمكن لترمب الاستناد اليها

يشار الى أن إدارة ترمب بدأت توسيع نطاق تحقيقاتها في التعريفات الجمركية على أسس قانونية أخرى تحسبا لتأييد المحكمة العليا لقرار محكمة الاستئناف. والخيارات أمامها متنوعة. فهناك المادة 232 من قانون توسيع التجارة (The Trade Expansion Act of 1962) وكان سبق لترمب ان استند اليها عام 2018 لفرض عدد من التعريفات الجمركية على الواردات الى بلاده استنادا لتحقيق من وزارة التجارة.

.أ.ف.ب
سفن حاويات، في مرفأ نيويورك ونيوجرسي وسط احتدام حرب التعريفات بين الصين والولايات المتحدة الأميركية، 8 أبريل 2025

وهناك أيضا قانون سموت-هاولي للتعريفات الجمركية (The Smoot-Hawley Tariff Act of 1930) حيث تخول المادة 338 منه الرئيس فرض تعريفات جمركية سريعة تصل إلى 50 في المئة على الواردات من الدول التي تعتمد التمييز في تعاملاتها ضد التجارة الأميركية. 

وكان محكمة التجارة الدولية (CIT) اشار في قراره الصادر في مايو/أيار المنصرم إلى امكان لجوء الادارة  الى المواد 122و232 و301 من قانون التجارة لعام 1974 لفرض تعريفات جمركية لمعالجة العجز التجاري بنسبة 15في المئة ولمدة  150 يوما للدول التي تواجه الولايات المتحدة عجزا تجاريا كبيرا معها.

font change

مقالات ذات صلة