زيارة مودي إلى الصين... "رسائل دبلوماسية" إلى ترمب

الملفات العالقة بين نيودلهي وبكين لا تزال تفرض تحديات مستمرة

ا ف ب
ا ف ب
رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي والرئيس الصيني شي جين بينغ يتصافحان خلال حفل الترحيب بقمة منظمة شنغهاي للتعاون في تيانجين في 31 أغسطس 2025

زيارة مودي إلى الصين... "رسائل دبلوماسية" إلى ترمب

استغلت الهند مشاركة رئيس وزرائها ناريندرا مودي في قمة منظمة شنغهاي للتعاون الأخيرة، التي عُقدت في الصين، لإرسال رسائل حول قوتها الدبلوماسية إلى الولايات المتحدة. وقد حظيت تفاعلات مودي مع قادة المنظمة، بما في ذلك اجتماعه الثنائي مع الرئيس الصيني شي جين بينغ، بمتابعة دقيقة، تحسّبا لأي تحرّكات هندية تهدف إلى تجاوز الصدمة الوطنية التي خلفها قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب بفرض رسوم جمركية بنسبة خمسين في المئة على السلع الهندية. وبما أن القمة متعددة الأطراف في مدينة تيانجين كانت مُقررة منذ فترة طويلة، أي قبل فرض تلك الرسوم، فلا توجد علاقة مباشرة بين اجتماعات مودي في الصين والتحسن الأخير في العلاقات الصينية-الهندية، التي شهدت تدهورا حادا عقب الاشتباك العسكري بين البلدين في وادي نهر غالوان بمنطقة لاداخ عام 2020.

استقرت العلاقات بين البلدين اليوم إلى درجة تتيح للهند استثمار هذا الاستقرار في إيصال رسالة غير مباشرة إلى واشنطن، مفادها أنها لن ترضخ للضغوط الأميركية المتعلقة بالشروط التجارية. ومن خلال مشاركته في قمة شنغهاي، حرص مودي على تأكيد أن الهند ليست معزولة دوليا، بل تحظى بدعم من حلفاء نافذين. وبما أن ربع الرسوم الأميركية فُرض كعقوبة على شراء شركات هندية كميات كبيرة من النفط الخام الروسي، فقد عمد مودي إلى إرسال إشارات رمزية محسوبة، تلقى اهتماما كبيرا في الأوساط الأميركية.

حيث استقل مودي سيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ليتوجها معا إلى اجتماعهما الثنائي على هامش القمة. وبحسب ما أفادت به التقارير، أجرى الزعيمان محادثة استمرت نحو خمس وأربعين دقيقة داخل السيارة قبل بدء اللقاء الرسمي. ومن المقرر أن يزور بوتين الهند في ديسمبر/كانون الأول المقبل للمشاركة في القمة السنوية الروسية-الهندية. وفي ما يتعلق بالشراكة مع موسكو، توجّه الهند رسالة واضحة تؤكد من خلالها أن قراراتها مبنية على رؤيتها الخاصة لمصالحها الاقتصادية والاستراتيجية بعيدة المدى، وليست استجابة لإملاءات أميركية.

التحسن في العلاقات بين الهند والصين لا يُشير إلى إعادة ضبط شاملة في المسار الدبلوماسي، بقدر ما يعكس رغبة متبادلة في الحفاظ على علاقة مستقرة

وفي مشهد آخر، انتشر على نطاق واسع مقطع مصوّر يظهر مودي وهو يمسك بيدي الرئيسين شي جين بينغ وفلاديمير بوتين، في لقطة عكست مشهدا من التناغم، يتناقض مع الصورة النمطية السائدة حول التنافس الصيني الهندي. لكن هذا المشهد يظل رمزيا بالدرجة الأولى، وقد حظي بأهمية متزايدة على صعيد العلاقات العامة داخل الهند، خاصة في ظل الانتقادات الحادة التي وجّهها مستشار التجارة في البيت الأبيض بيتر نافارو، إلى جانب الضغوط التي مارسها ترمب لخفض الحواجز الجمركية وغير الجمركية المفروضة على المنتجات الأميركية. ومع ذلك، فإن هذا التقارب الظاهري بين مودي وشي قد لا يُفضي إلى تأثير ملموس في مسار المفاوضات المعقدة بين واشنطن ونيودلهي، الهادفة إلى تخفيف التوترات التجارية والتوصل إلى اتفاق.

أ ف ب
عاملة ملابس تخيط ملابس في وحدة تصنيع ملابس في بنغالورو، 25 أغسطس 2025. وهدد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بمضاعفة الرسوم الجمركية على الواردات الهندية بحلول 27 أغسطس/آب، عقابًا لنيودلهي على شراء النفط من روسيا

فالتحسن في العلاقات بين الهند والصين لا يُشير إلى إعادة ضبط شاملة في المسار الدبلوماسي، بقدر ما يعكس رغبة متبادلة في الحفاظ على علاقة مستقرة رغم التباين في الرؤى والأهداف الاستراتيجية داخل القارة الآسيوية. وكانت المواجهة العسكرية في وادي غالوان خلال يونيو/حزيران قد أدت إلى حشد مكثف للقوات والأسلحة على طول المناطق الحدودية. وتبدو الهند اليوم حريصة على استعادة الوضع السابق على خط السيطرة الفعلية، كما كان عليه في صيف 2020.

وساهمت سلسلة من الاتصالات السياسية والعسكرية بين البلدين في تهيئة أجواء مواتية، مكّنت مودي من تنفيذ تحركات دبلوماسية بارزة في الصين. وفي منشور له على وسائل التواصل الاجتماعي بتاريخ 19 أغسطس/آب، عقب لقائه وزير الخارجية الصيني وانغ يي في نيودلهي، أشار مودي إلى أنه منذ لقائه الرئيس شي في قازان خلال أكتوبر/تشرين الأول 2024، "شهدت العلاقات بين الهند والصين تقدما مستمرا يستند إلى احترام المصالح والحساسيات المتبادلة".

رغم اتفاق الهند والصين على أن تهدئة التوترات الحدودية، وتسهيل حركة التجارة والتنقل، وبناء علاقة "مستقرة وتعاونية وتطلعية" يصب في مصلحة الطرفين، فإن الملفات العالقة لا تزال تفرض تحديات مستمرة

وفي الوقت نفسه، بدأ البلدان خطوات تحضيرية لاستئناف الرحلات الجوية التي توقفت في مارس/آذار 2020 بسبب جائحة كورونا، وظلت معلقة لأكثر من خمس سنوات نتيجة التوترات على خط السيطرة الفعلية. وسيظل شعار "احترام المصالح والحساسيات المتبادلة" يشكل الأساس في إجراءات بناء الثقة، رغم استمرار التباينات الجوهرية في مواقف البلدين إزاء آسيا والنظام العالمي الناشئ.

وتؤثر القوة المتنامية للصين، إلى جانب تحالفها الوثيق مع باكستان، بشكل ملموس في الرؤية الاستراتيجية للهند وموقعها في المعادلة الدولية. وعلى الرغم من أن مودي حظي باهتمام دبلوماسي كبير خلال قمة منظمة شنغهاي، فإن الهند امتنعت عن تلبية دعوة بكين للمشاركة في العرض العسكري الضخم الذي أُقيم في ساحة تيانانمن بتاريخ 3 سبتمبر/أيلول.

رويترز
رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يتحدث مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الصيني شي جين بينج قبل قمة منظمة شنغهاي للتعاون 2025 في مركز ميجيانغ للمؤتمرات والمعارض في تيانجين، الصين، 1 سبتمبر 2025

وقد نُظّم العرض بمناسبة الذكرى الثمانين لانتصار الصين على اليابان الإمبراطورية في الحرب العالمية الثانية، وشهد استعراضا لأحدث الأسلحة وأكثرها فتكا ضمن ترسانة جيش التحرير الشعبي الصيني. وحضره أكثر من خمسة وعشرين زعيما أجنبيا، من بينهم قادة روسيا، وباكستان، وأوزبكستان، وإيران، وكوريا الشمالية، وإندونيسيا، وماليزيا، ونيبال، وسلوفاكيا، وأذربيجان.

لا تتيح الطبيعة المعقدة للعلاقات بين الهند والصين، إلى جانب التشظي الجيوسياسي الراهن، مجالا يسمح بتقارب فعلي بين قادة البلدين. وكانت اليابان قد دعت الدول الأوروبية والآسيوية إلى مقاطعة العرض العسكري. ومن اللافت أن مودي وصل إلى قمة منظمة شنغهاي مباشرة من اليابان، حيث اتفق مع رئيس الوزراء الياباني شيغيرو إيشيبا على مجموعة من المبادرات لتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين.

ورغم اتفاق الهند والصين على أن تهدئة التوترات الحدودية، وتسهيل حركة التجارة والتنقل، وبناء علاقة "مستقرة وتعاونية وتطلعية" يصب في مصلحة الطرفين، فإن الملفات العالقة لا تزال تفرض تحديات مستمرة. ويمكن الاستدلال على ذلك بمثالين بارزين: تسعى الصين إلى منح أذربيجان عضوية دائمة في منظمة شنغهاي، إلا أن الهند تعارض هذه الخطوة بسبب تحالف أذربيجان الوثيق مع باكستان. وفي سياق آخر، اتفقت الهند والصين خلال زيارة وزير الخارجية الصيني إلى نيودلهي الشهر الماضي على فتح ثلاث نقاط حدودية للتجارة، غير أن نيبال تطالب بالسيادة على إحدى هذه النقاط المعروفة باسم ممر ليبولخ، وهو ما ترفضه الهند. وقد أعرب رئيس الوزراء النيبالي خادجا براساد أولي عن اعتراض بلاده الشديد على الاتفاق الصيني الهندي بشأن التجارة عبر هذا الممر، خلال لقائه الرئيس الصيني في مدينة تيانجين بتاريخ 30 أغسطس. ويبدو أن العروض الدبلوماسية التي قدمتها الهند في إطار منظمة شنغهاي للتعاون، رغم ما حملته من رسائل محسوبة، لن تكون كافية لتجاوز هذه التحديات المعقدة.

font change

مقالات ذات صلة