أثارت قمة ألاسكا التي عقدت الشهر الماضي بين الرئيسين الأميركي دونالد ترمب والروسي فلاديمير بوتين، عاصفة قلق وجدل في شتى الاتجاهات. ويمكن القول، بكثير من اليقين وربما ببعض التفاؤل أيضاً إن عدد الدول التي استقبلت هذا اللقاء النادر بشيء من الارتياح لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة. وإن كان المعسكر الغربي هو المركز الرئيس لتلك العاصفة، خصوصاً أن دول الاتحاد الأوروبي معنية مباشرة بالقضية الأوكرانية، فإن الصين تأتي في المرتبة الثانية بين الدول التي راقبت القمة وتداعياتها المحتملة باهتمام وحذر.
وتنبع متابعة بكين الدقيقة للقمة من عاملين متداخلين: أولهما، إدراكها أن أحد أهداف ترمب المحتملة من تسريع إغلاق الملف الأوكراني هو التفرغ لاستراتيجية "التحول نحو الصين" وإعادة تكثيف المواجهة مع ما تعتبره واشنطن "الخطر الصيني". أما ثانيهما، وهو الأشد خطورة من منظور صيني، فيكمن في احتمال أن تسعى الولايات المتحدة إلى مقايضة التسوية مع روسيا بخلق مسافة استراتيجية بينها وبين بكين، بما يعيد إنتاج مشهد سبعينات القرن الماضي لكن بصورة معكوسة: حينها نجح وزير الخارجية الأميركي الأيقوني هنري كيسنجر في جذب الزعيم الصيني ماو تسي تونغ إلى واشنطن على حساب موسكو، أما اليوم فالمخاوف الصينية تتلخص في محاولة ترمب إغراء الكرملين بالابتعاد عن بكين في إطار ما يسميه البعض "مثلث كيسنجر المعكوس" بمعنى استخدام روسيا لاحتواء الصين.