رحيل محمد علي علوان: رائد القصة القصيرة السعودية

أصدر علوان ستّ مجموعات قصصية هي على التوالي: "الخبز والصمت" (1977)، "الحكاية تبدأ هكذا" (1983)، "دامسة" (1998)، "هاتف" (2014)، "إحداهن" (2019)، "طائر العشا" (2020). وقد جمع الراحل عددا من مقالاته في كتاب "لذاكرة الوطن".

هنا شهادات من كتاب وأدباء عرفوا علوان وعايشوا تجربته الإبداعية والإنسانية عن كثب.

جبير المليحان: نقلة نوعية

منذ بداية رحلته في القصة القصيرة مع "الخبز والصمت" كان الإنسان هو همّ الصديق الراحل محمد علي علوان الأول. ركض كثيرا في طرق الكلمات راسما معاناة الآخرين، معاناة ناسه وأهله ومواطنيه، بنصوص قصصية حديثة ابتعدت عن المباشرة والحشو الزائد، ولامست الوجدان قبل العقل، لتوصل رسالتها دونما تدخل أو إملاء من كاتبها. لقد فهم محمد علي علوان الفن القصصي الجديد كما هو واستطاع إحداث نقلة نوعية في هذا الفنّ.

رحل الرائد الأنسان النبيل المتواضع في طريق الغياب المفتوح لنا جميعا. لكنه ترك لنا ذكراه الطيبة، وحسن معشره، وإبداعه القصصي، ومقالاته.
رحل الرجل المتواضع، سريع البديهة الذي لا تفارق البسمة وجهه.
عندما كان مسؤولا في وزارة الإعلام، أذكر مواقفه النبيلة التي لا ليست بخافية على أحد.
رحم الله الرجل الفذ، المبدع الحامل لهموم الآخرين، المتواضع مع الجميع. عزائي لأسرته الكريمة، ولأصدقائه ومحبيه، وللمشهد الثقافي السعودي. ولروحه السلام".

إبراهيم شحبي: شعلة الحداثة

محمد علي علوان هو أحد أهم كتاب القصة القصيرة الذين التقطوا شعلة الحداثة التي بدأت جذورها في الحجاز على يد محمد حسن عواد وآخرين ممن استفادوا من تواصلهم مع الإبداع المصري والعربي منذ ما يقرب من قرن.

إن علوان وجيله الذين غاب معظمهم عن دنيانا، عمدوا بجدية إلى تجويد نتاجهم الإبداعي من خلال الانغماس في المحلي وتقديمه بلغة عصرية.وعلى سبيل المثال فإن علوان استلهم القرية الجنوبية في مجمل أعماله على الرغم من بعده عنها لأكثر من نصف قرن، وفضلا عن شجاعة علوان في إنجاز كتابة متجاوزة للتقليدية السائدة وقدرته على تحمل تبعات ذلك، فإن هاجس الوصول إلى الآخر العربي كان مَهيمنا على فكره. فكانت بطاقة عبور علوان الأولى، تلك المقدّمة الشفافة والموضوعية التي كتبها الأديب المصري الشهير يحيى حقي عن مجموعته الأولى "الخبز والصمت"، وكأنه كان يبارك تلك المجموعة بيقين العارف والخبير، مضيفا عليها بذلك انطباعا تجاوز الحدود.
ثم أن الميزة الأخرى في تجربة محمد علي علوان أنه قصر كتابته على القصة باستثناء بعض المقالات التي كان يكتبها بين حين وآخر. وهو لم يصدر سوى ست ذلك مجموعات طوال أكثر من نصف قرن، وهذا ما يحيلنا إلى حرصه على جودة إصداراته القصصية.
وهذا كله يجعل محمد علي علوان رائدا من رواد القصة السعودية ليس باعتبار الزمن بل باعتبار جودة ما كتبه وجدته وخصوصيته.

طالب الرفاعي: الحقيقة العارية

الفقد أمر في صميم العيش الإنساني، لكن فقد مبدع لا يخصّه وأسرته الصغيرة، بل هو مصاب مؤلم يمسّ بظلاله أبناء شعبه ووطنه وقرائه أينما كانوا. محمد علي علوان لم يكن يحمل همّ القضايا الإنسانية في المملكة العربية السعودية فحسب، بل هو متيم بقضية الإنسان أينما كان، لذا فإن من يقرأ قصصه يعثر على حسّ مرهف يلتقط ما لا يراه الإنسان العادي في خضم ممارسة عيشه الراكض.

‏وقد جاء محمد علوان في لحظة تاريخية عربية كانت فيها منطقة الخليج أحوج ما تكون إلى كتّاب شجعان يحملون الهمّ الإنساني، وهم في الوقت نفسه يحملون موهبة عالية، وقدرة كبيرة على رؤية ما لا يرى، وجراءة قول الحقيقة العارية والمؤلمة.
عاش علوان وأبناء جيله أوجاع أوطانهم مثلما عاشوا أوجاع العالم العربي الكبير، و كتبوا عن حيواتهم مثلما كتبوا عن حياة المواطن العربي في كل مكان في جميع أقطار الوطن العربي.
‏وحتى في آخر أيامه ظل مشغولا بهم الكتابة والإنجاز والثقافة، ولنا في عزاء فقده تلك المجاميع القصصية التي كتبها، وستبقى حاضرة ما بقي "الخبز والصمت"، وما بقي "هاتف" ينادي على الإنسان لكي يعيش بكرامة وحرية.
 

علي فايع الألمعي: لا يجاريه أحد

كان الراحل الكبير صاحب نَفَس في كتابة القصة لا يجاريه فيه إلاّ أمثاله من المجيدين والعاشقين لهذا الفن. كثير من كتاب القصة لدينا تتلمذوا على نصوص علوان. وما أدركته في أوقات متأخرة أنّ محمد علوان كان مسكونا بالقصة، فكانت تأخذه إلى أبعد مدى، وتخلع عليه وقارها، وتحط بين مفرداته وكأنها غيمة ماطرة.
لم يكن محمد علوان ممن يتكلفون في كتابة النص القصصي، كل كلمة داخل النص لا يمكن الاستغناء عنها، ولا تقديمها أو تأخيرها، في كل مجموعة قصصية يختلف نص علوان عن النصوص السابقة، لذلك لا تتكرر نصوصه ولا تجربته، بل تتقدّم وتتطوّر باستمرار.
قبل أسبوع كان يتحدث معي، كعادته الجميلة في التواصل والسؤال، عن مجموعة قصصية جديدة أوشك على الانتهاء منها، كان مسكونا بالنص القصصي، ومأخوذا بعوالم الناس، لم يتغرّب النص القصصي لديه، بل هو من أوائل كتاب القصة الذين وطّنوا النصّ القصصي، ولا تزال نصوصه تسكن أفئدتنا، وتتحرّك معنا على الرغم من تبدّل الأزمنة.
إنّ ريادة محمد علوان في كتابة النص القصصي لا يختلف عليها، وكلي ثقة أن نصوصه القصصية ستظلّ موضع دهشة القراء، مثلما كانت في اللحظات الأولى عندما أدهشت كاتبا كبيرا ورائدا مثل يحيى حقي.