من يخلُف الرجل الأقوى في العراق؟

وصول "الإيرواني" ليس قطعيا في ظل وجود السيستاني

AFP
AFP
مصلون شيعة في باحة مسجد الكوفة الكبير خارج مدينة النجف، خلال إحياء ذكرى مقتل الإمام علي، في 13 أبريل/ نيسان

من يخلُف الرجل الأقوى في العراق؟

تنشغل الأوساط الدينية بمدينة النجف، في تلمس مآلات مرحلة ما بعد وفاة الرجل الأقوى في العراق، المرجع الشيعي الأعلى السيد علي السيستاني، الذي يبلغ من العمر 92 عاما.

ويجري الحديث، في داخل الحوزات والبيوتات الدينية، عن كيفية اختيار مرجع يشبه، في مواقفه، السيستاني، ليقف ندا لإيران التي تحاول ابتلاع المنظومة الدينية الشيعية في العراق.

وتعتبر النجف، مركزا دينيا عند الشيعة، لكونها تضم قبر الإمام علي بن أبي طالب، فضلا عن مقر المرجع الأعلى للطائفة الشيعية في العراق في "شارع الرسول"، حيث يسكن السيستاني، على بعد أمتار من القبة الذهبية، التي يزورها آلاف الشيعة يوميا.

صعود السيستاني

تولى السيستاني، وهو من أصول إيرانية، يتقن اللغتين الفارسية والعربية، شؤون الطائفة الشيعية في العراق سنة 1992، بالرغم من ظهور تيار داخل حوزة النجف، وقتذاك، يدعم وصول أحد رجال الدين، ممن كانوا ينافسون رجل الدين العراقي محمد صادق الصدر، والد زعيم "التيار الصدري" مقتدى الصدر، والذي اغتيل عام 1999. وقد تنامت شعبية السيستاني، بعد سقوط نظام صدام حسين، ووصول الأحزاب الإسلامية الشيعية إلى سدة الحكم.

وقد اتبع السيستاني منهجا واضحا في الحفاظ على النجف مقرا لقيادة شؤون الشيعة في العراق والعالم، وإن كان، أحيانا، في صراع خفي مع إيران، التي تطمح، بدورها، إلى أن تكون مرجعا للشيعة في العالم.

AFP
السيد السيستاني مستقبلا البابا فرنسيس والوفد المرافق، في مقره بمدينة النجف، في 6 مارس/آذار 2021

وخاض السيستاني صراعا مضمرا، مع حوزة مدينة قم الإيرانية التي يسيطر عليها المرشد الإيراني علي خامنئي؛ إذ حاول الأخير، مرارا، سحب البساط من تحت مرجعية النجف، وجعلها تابعة لولاية الفقيه، وذلك من خلال إرسال رئيس السلطة القضائية الإيرانية محمود الهاشمي الشاهرودي (توفي عام 2018)، إلى النجف ليكون خليفة للسيستاني؛ وكان الشاهرودي قد افتتح مكتبا خاصا، يمثله فيه رجل الدين مجتبى الحسيني، ومنح الطلاب في المدارس الإيرانية في النجف، امتيازات أكبر من تلك التي تُمنح لهم في المدارس النجفية.

حائط الصد

تمثل مرجعية النجف حائط الصد، أمام مساعي ولاية الفقيه للهيمنة على المؤسسة الدينية الشيعية. فعلى الرغم من اتخاذ جزء من الإسلام السياسي الشيعي خامنئي مرجعا له، إلا أن السيستاني دعم أي جهد لتقويض نفوذ إيران في العراق، إذ دعم الاحتجاجات الشعبية في أكتوبر/تشرين الأول 2019، والتي دعت إلى قيام دولة المواطنة بديلا من دولة المكونات الطائفية، ووقف تدخلات طهران في الشؤون العراقية، وقد أُحرقت، وقتذاك، القنصليات الإيرانية في جنوب العراق، وأُجبرت حكومة عادل عبد المهدي على الاستقالة. كذلك أحبط السيستاني، طموح نوري المالكي لولاية حكومية ثالثة عام 2014، في ظل الدعم الإيراني الكبير له آنذاك.

خاض السيستاني صراعا مضمرا، مع حوزة مدينة قم الإيرانية التي يسيطر عليها المرشد الإيراني علي خامنئي؛ إذ حاول الأخير، مرارا، سحب البساط من تحت مرجعية النجف.

ويسعى رجال الدين داخل الأروقة الضيقة للنجف، إلى إبقاء الوضع على ما هو عليه فيها؛ ويتقاطع عدد من رجال الدين، الذين يدرسون في حوزتي النجف العراقية وقم الإيرانية، على أن الاتجاه هو لاختيار، محمد باقر الإيرواني، وهو رجل دين درس على المرجع أبو القاسم الخوئي، والسيد علي السيستاني، كمرجع أعلى للشيعة في العراق.

ويلقي الإيرواني، راهنا، دروسا في العتبة العلوية لمرحلة طلاب "البحث الخارجي"، والتي تعادل الدكتوراه في الدراسة الأكاديمية. وبحسب رجال الدين الذين التقتهم "المجلة"، فإن معظم الشيعة في العالم، يتبعون المرجع الأعلى في النجف، والتي يزورها الملايين من الشيعة سنويا، وهو ما يشكل تحديا كبيرا لخامنئي.

ويشير رجال الدين هؤلاء، إلى أن الخلف المرجح للسيستاني، كان المرجع محمد سعيد الحكيم، ولكنه توفي إثر أزمة قلبية عام 2021؛ أما المرجع محمد الفياض (أفغاني الجنسية)، والذي يبلغ من العمر 92 عاما، فاختياره صعب، بسبب وضعه الصحي، لكنه، "علميا"، الأحق بخلافة السيستاني.

ويعد الإيرواني من الشخصيات التي تؤمن بتوجهات السيستاني لدعم الدولة الوطنية، وعدم التدخل في الشؤون السياسية، ورفض إضعاف الدولة من خلال إنشاء الميليشيات، والفساد المالي والإداري، والتدخلات الخارجية. وبحسب أحمد الكاتب، وهو رجل دين خبير في شؤون المرجعية النجفية، "لا توجد طريقة لانتخاب المرجع الأعلى حاليا".

الشيخ محمد باقر الإيرواني


ويقول الكاتب، لـ"المجلة"، إن "محمد رضا السيستاني، وهو الابن الأكبر للسيد السيستاني، يعمل حاليا على تهيئة بديل لوالده، هو الإيرواني، الذي أوصى به السيستاني". ويشير الكاتب إلى أن الإيرواني افتتح مكتبا، يسمى، نجفيا، بـ"البراني"، وهو يقوم باستقبال طلابه ومساعدتهم ماديا، ما يعني أنهم سيزدادون مستقبلا.

من هو الإيرواني؟

ولد الإيرواني في العراق، وهو من أصول أرمنية، ويبلغ من العمر 74 عاما، ويلقي درسا، السابعة صباحا، في صحن فاطمة بالعتبة العلوية، وهو الأستاذ الأكثر شعبية في حوزة النجف حاليا.

وحتى الآن، لم يقم الإيرواني، بنشر رسالته الخاصة، وهي عبارة عن كتاب يتضمن فتاوى وأحكاما شرعية خاصة به، بيد أنه أنشأ موقعا إلكترونيا، كما تبث المؤسسات الدينية والإعلامية المرتبطة بالسيستاني دروسه الأسبوعية، وهو ما يعتبره، البعض، دعما واضحا منه لتولي الإيرواني، المرجعية بعد وفاته. 
ويشير الكاتب، إلى أن افتتاح الإيرواني مكتبا خاصا، هو خطوة أولى نحو أخذه التوكيل الشرعي، وتعيين وكلاء له في جميع أنحاء العالم.

نفوذ إيران 

تؤثر أمور عدة في اختيار المرجع الأعلى المقبل، أبرزها توصية المرجع الحالي، بأن أحد طلابه من الذين وصلوا إلى مرحلة الاجتهاد، هو الأعلم، وتقوم شبكة وكلائه بالتثقيف عنه؛ خصوصا أن المرجع الأعلى يمتلك شبكة واسعة من الممثلين عنه، في كل مناطق العراق. 

وبحسب الكاتب، فإن الأمانة العامة للمرجعية ساهمت، ماضيا، في اختيار عبد الأعلى السبزواري، مرجعا أعلى، بعد وفاة أبو القاسم الخوئي في العام 1992، ولكنها انتفت. ومن جهة ثانية، يكشف الكاتب، عن وجود نفوذ لإيران في النجف، من خلال بعض رجال الدين، وممثل خامنئي، ولكنها فشلت في إيصال مرجع أعلى يواليها، بسبب الحساسية العراقية تجاهها. 

يتقاطع عدد من رجال الدين، الذين يدرسون في حوزتي النجف العراقية وقم الإيرانية، على أن الاتجاه هو لاختيار محمد باقر الإيرواني، كمرجع أعلى للشيعة في العراق خلفا للسيستاني.

ويوجد كثير من رجال الدين الذين يقدمون أنفسهم بوصفهم مراجع، وهم كل من الشيخ بشير النجفي، والشيخ محمد إسحاق الفياض، والشيخ محمد اليعقوبي، والشيخ قاسم الطائي. ويقول الأستاذ في حوزة النجف، الشيخ فرحان الساعدي، لـ"المجلة"، إنه ليس كل من يطرح نفسه مرجعا دينيا يعتبر كذلك، فهناك أشخاص غير معترف بهم، وليس لهم طلاب أو مقلدون. 

خلف السيستاني، ستكون تحت إمرته أربعة ألوية عسكرية، كانت أُسست لمحاربة تنظيم داعش عام 2014، وهي تسمى: "حشد العتبات"، وترتبط بوزارة الدفاع العراقية.

ويساهم أساتذة النجف، الذين تطلق عليهم تسمية المجتهدين، ويبلغ عددهم أكثر من 40 أستاذا، في اختيار المرجع الأعلى، وأبرز هؤلاء محمد رضا السيستاني، وهادي آل راضي، ومحمد الإيرواني، ورياض الحكيم، وعلي السبزواري، وعلي الأكبر الحائري، وفاضل الصفار. وإذ يلفت الساعدي، إلى أن "الإيرواني يشار إليه على أنه المرجع المقبل"،  فإنه "في ظل وجود السيستاني، فإن وصوله ليس قطعيا".

ويشير إلى أن عدد الطلاب الذين يحضرون درس الإيرواني، وهم نحو ألفي طالب، هو نفسه عدد الطلاب الذين يحضرون درس الشيخ هادي آل راضي. 

أربعة ألوية

الجدير ذكره أن خلف السيستاني، ستكون تحت أمرته أربعة ألوية عسكرية، كانت أُسست لمحاربة تنظيم "داعش" عام 2014، وهي تسمى "حشد العتبات"، وترتبط بوزارة الدفاع العراقية، وهذا فضلا عن عدد من المؤسسات الاقتصادية والتجارية التابعة للعتبات الدينية، مثل الحسينية والعباسية، والعلوية، بالإضافة إلى المؤسسات الاجتماعية. وكان حسين الحكيم، وهو ابن المرجع محمد سعيد الحكيم الذي توفي عام 2021، قال خلال ذكرى أربعين والده، إن "المرجعية لا تورث إلى الأبناء، ولا توجد انتخابات لاختيار الأعلم".

وأضاف: "الأعلم يُسوق من قبل الوكلاء في جميع انحاء العالم". كما أشار الحكيم إلى أن "قوة المرجعية تتمثل في الحقوق الشرعية، لأنها تمنحها الاستقلال عن الدولة، فإذا غابت هذه الحقوق تصبح المرجعية مؤسسة حكومية، وتخضع للسلطة السياسية".

إلا أن أحمد الكاتب، يتحدث عن وجود مؤسسات تساهم في اختيار المرجع الأعلى، مثل "مؤسسة الخوئي" في لندن، والتي تدعم المرجعية الدينية من أموال الخُمس والزكاة، وتقوم المرجعية بإنفاقها على الطلاب والأيتام، وبناء المستشفيات والمؤسسات الخيرية. ويشير إلى أن "إنفاق مرجعية السيستاني السنوي يبلغ، في حده الأدنى، 350 مليون دولار". 
وفي المحصلة، فإن اختيار المرجع الأعلى للطائفة الشيعية في العراق، لن يكون له تأثير كبير في المشهد السياسي العراقي؛ فالمرجع المقبل سيأتي من المدرسة نفسها التي ينتمي إليها السيستاني، والتي يُطلق عليها اسم "الحوزة الصامتة"، والتي تنحصر وظيفتها في تقديم الإرشاد والنصح للأحزاب السياسية، ودعم الإصلاح السياسي من خلال الانتخابات. 

font change

مقالات ذات صلة