اعلن ملك الاردن عبد الله الثاني، امام الجمعية العامة للأمم المتحدة، أن بلاده لم تعد قادرة على تلبية الحاجات الضرورية للاجئين السوريين داعيا العالم الى التدخل في هذه الأزمة. ويتخذ اللجوء السوري الى لبنان أشكالا كريهة من تصاعد الممارسات العنصرية والخطاب المبرر لها. أمر مشابه يتعرض له السوريون الذين هربوا من نيران الحرب والاضطهاد في موطنهم الى تركيا حيث يتحملون الان نتائج اعوام من التحريض المعادي لهم.
في أوروبا تتخذ قضية المهاجرين غير النظاميين أبعادا غير مسبوقة. رئيسة الوزراء الايطالية جورجيا ميلوني التي وصلت الى منصبها قبل عام باستخدامها وعود التصدي لدفق المهاجرين، تعيد من دون توقف الحديث عن الظاهرة التي باتت تسبب توترا داخليا مع وصول الالاف من شواطئ افريقيا الى السواحل الايطالية وخصوصا جزيرة لامبيدوسا. ولا يخلو الامر من هجمات كلامية متكررة على الجارة فرنسا ورطانتها عن حقوق الانسان.
وما زالت طرية في الذاكرة تصريحات اكثر من مسؤول أوروبي شرقي عن عدم السماح بتكرار تظاهرات المتحدرين من أصول مهاجرة والتي شهدتها فرنسا في يوليو/ تموز الماضي على اثر مقتل فتى ينتمي الى عائلة من المهاجرين المغاربة برصاص شرطي فرنسي. كانت اضطرابات عنيفة ومديدة أثرت على المشهد السياسي الفرنسي ومنحت اليمين المتطرف هناك الذخيرة اللازمة لشن المزيد من المعارك تمهيدا لوصوله الى السلطة والذي يبدو الأ مفر منه ما لم تجر تغييرات سياسية جذرية.
من جهة ثانية، تتصاعد كل يوم ارقام الفارين من الاقتتال بين الجيش السوداني و"قوات الدعم السريع" ويتدفق الالاف الى دول الجوار التي لا تنقصها المشاكل والمآسي.
نحن هنا امام أنواع مختلفة من اللجوء. الحروب الاهلية والاضطرابات السياسية لا زالت سببا رئيسا لطرد السكان من بيوتهم وحملهم على البحث عن الامن في أماكن أخرى. التغير المناخي الذي اعلن الامين العام للامم المتحدة انطونيو غوتيريش انه اجتاز نقطة اللاعودة، يدفع الملايين من المزارعين السابقين ومن المتضررين جراء التصحر والجفاف والفيضانات الى الخروج على متن قوارب متهالكة والارتماء بين الامواج للوصول الى شاطئ اوروبي، في قبرص او اليونان او ايطاليا والبدء برحلة بين مراكز التجميع والانتظار للحصول على الغذاء على رجاء الانضمام الى الرفاهية الاوروبية.
ليس من مسؤول واحد عن هذه المصائب المتتابعة. هناك فشل التنمية في دول الجنوب واستيلاء حكومات فاسدة ومستبدة على السلطة واعتمادها العنف والقمع للبقاء في اماكنها مهما كان الثمن. وهناك ايضا السياسات الغربية قصيرة النظر مثل سياسة "فرانسافريك" التي كثر الحديث عنها في اعقاب الانقلابات الأخيرة في منطقة الساحل الافريقي والتي وصلت الى الغابون. وفرنسا، بداهة، ليست وحيدة في اتباع هذا الصنف من السياسات الانانية التي تقدم مصالح المركز الاستعماري السابق على مصالح شعوب العالم الثالث، قبل ان تنتبه انها ستدفع ثمن سياساتها على نحو غير مباشر. الاميركيون الجنوبيون الذين يجتازون بالالاف الحدود الاميركية – المكسيكية، ليسوا فقط نتاج التغير المناخي وانعدام افاق الحياة الكريمة في بلادهم. بل هم، بطريقة او اخرى، ضحايا سنوات طويلة من تعامل واشنطن مع اميركا اللاتينية باعتبارها "الحديقة الخلفية للولايات المتحدة".
التغير المناخي الذي اعلن الامين العام للامم المتحدة انطونيو غوتيريش انه اجتاز نقطة اللاعودة، يدفع الملايين من المزارعين السابقين ومن المتضررين جراء التصحر والجفاف والفيضانات الى الخروج على متن قوارب متهالكة والارتماء بين الامواج للوصول الى شاطئ اوروبي، في قبرص او اليونان او ايطاليا والبدء برحلة بين مراكز التجميع والانتظار للحصول على الغذاء على رجاء الانضمام الى الرفاهية الاوروبية.
فوق ذلك كله، يأتي غياب القيادة والرؤية الدوليتين. ذاك أن "العالم المتعدد الاقطاب" الذي يتغنى به رؤساء دول طامحة الى توسيع نفوذها والتخلص من "المركزية الغربية" هو في الوقت ذاته عالم لا يوجد فيه قوة او دولة تتحمل المسؤولية عن أفعالها وما ينتج عنها من اوضاع لدى جيرانها أو الدول البعيدة عنها التي ترتبط معها بمصالح سياسية او اقتصادية.
انه عالم بلا رأس، بعدما فقدت الامم المتحدة دورها واصبحت اشبه بالمنظمات غير الحكومية التي تنتظر التمويل وتنفقه لاحقا على نشاطات قليلة الجدوى والمردود، كثيرة الصخب والاحتفالات.
ما يتوافر من احصاءات ومؤشرات يقول من دون شك ان المسار الحالي، في مسألة الهجرة، يسير مسارا كارثيا فيما تسعى التجمعات الاقليمية مثل الاتحاد الاوروبي او الدول الكبرى كالولايات المتحدة الى حلول "داخل الحدود وعلى اطرافها" من دون وجود قدرة حقيقية على اعادة رسم كامل خريطة اللجوء والتأثير على الآلية الجهنمية التي تدور على اشلاء طالبي اللجوء والهجرة.