اغتيال خامنئي... ماذا بعد؟

اغتيال خامنئي... ماذا بعد؟

في التاسع من أبريل/نيسان 2003 عندما وصلت القوات الأميركية إلى ساحة الفردوس في بغداد، خرجت مجموعة من الشبان من شارع فرعي واتجهت إلى تمثال صدام حسين في وسط الساحة وحاولت إسقاطه بتحطيم قاعدته مستخدمة المطارق والمعاول. لم تسفر المحاولة تلك عن شيء، نظرا إلى صلب القاعدة الأسمنية للتمثال الذي ظل واقفا، حتى تقدمت رافعة عسكرية أميركية، ووضع جندي من المارينز حبلا فولاذيا حول عنق التمثال بعد أن غطى وجهه بالعلم الأميركي، ثم اندفعت الرافعة لتجذب أحد رموز هيمنة نظام "البعث"، للاصطدام بأسفلت الساحة. عندها أكمل الشبان "المعارضون" مهمتهم بضرب رأس صدام حسين...

سرعان ما لاحظ المراسلون وملايين المشاهدين للمشهد المسرحي المميز، أن المعارضة العراقية التي جيء بها لأداء طقس إسقاط التمثال، أضعف حتى من أن تنجز العمل هذا وأن البديل عن صدام حسين هو الاحتلال الأميركي وليس معارضيه الذين كانوا قد اجتمعوا في لندن قبل الغزو الأميركي وقيل إنهم اتفقوا على شكل السلطة وتقاسمها بعد التخلص من صدام حسين. الباقي تاريخ كما يقال، حيث ظهر هزال المعارضة الآتية من الخارج في الأيام الأولى للغزو بحادثة مقتل واحد ممن كان يعول عليهم في أداء دور رئيس في عراق ما بعد "البعث"، أي عبد المجيد الخوئي في النجف على أيدي مؤيدين للزعيم المحلي مقتدى الصدر. ولتتجه البلاد بعد ذلك إلى المسار المعروف.

تحضر ذكرى الحوادث هذه مع تكرار الحديث عن التخلص من المرشد الإيراني علي خامنئي وسقوط النظام الذي أسسته ثورة 1979، وقاد إيران منذ ذلك الحين، محققا القليل من الإنجازات لمواطنيه والكثير من الإخفاقات في مجالات حيوية، سياسية واقتصادية واجتماعية. بيد أن المشكلة ليست في القدرة الإسرائيلية العملية على اغتيال زعيم دولة أخذت على عاتقها الصراع مع إسرائيل منذ عقود– أو استغلاله لأهداف داخلية وجيوسياسية– فالانكشاف الأمني الإيراني الذي يبدو أسوأ حتى من نظيره الذي ضرب "حزب الله" في لبنان، يوحي بأن الإسرائيليين قادرون على القضاء على من يريدون من المسؤولين الإيرانيين. صحيح أن البدائل جاهزة، لكنها أيضا في موضع خطر التصفية على ما دل اغتيال ثاني رئيس لأركان الجيش الإيراني خلال أربعة أيام.

ولا يؤخذ على محمل الجد قبول الإيرانيين الذين يتميزون بمشاعر قوية، بتنصيب حاكم أميركي أو إسرائيلي عليهم، على غرار ما جرى مع بول بريمر في العراق الخارج من 13 عاما من الحصار الدولي المطبق والقاسي، ومن عقود من الاستبداد والقمع والحروب. ومن يراقب النقاشات بين الإيرانيين المقيمين في الخارج على مواقع التواصل الاجتماعي (على الرغم من عدم عكسها للواقع بتعقيداته) يلاحظ أن ثمة رفضا واسعا لتدمير البلاد بالقصف الإسرائيلي أو الأميركي وأن الأولوية بالنسبة لكثير من الإيرانيين هي عدم تكرار تجارب الدمار في غزة ولبنان وغيرهما.

يشبه إطلاق الأحكام القطعية حول ما سيجري في إيران، أيّة مقامرة من أشخاص عديمي الخبرة. فحجم الصراع قابل للتوسع إلى مدى غير مسبوق في غضون ساعات قليلة إذا قرر أي من الأطراف المتورطة مباشرة فيه، التصعيد

تغيير النظام وإسقاط "حكم الملالي" تبدو كلمات سهلة لكنها تنتظر روافعها المادية، من قوى معارضة منظمة ومشاريع سياسية بديلة وقيادات تمتلك برامج، لتتحول إلى حقائق ملموسة. بغض النظر عن موقف النظام الإيراني وإرثه وما جلبه على المنطقة من تفاقم النزعات الطائفية وتعميم الخرافة كأداة سياسية. 
ويشبه إطلاق الأحكام القطعية حول ما سيجري في إيران، أيّة مقامرة من أشخاص عديمي الخبرة. فحجم الصراع قابل للتوسع إلى مدى غير مسبوق في غضون ساعات قليلة إذا قرر أي من الأطراف المتورطة مباشرة فيه، التصعيد. إغلاق مضيق هرمز، وقوع خسائر مدنية كبيرة، تدمير منشأة فردو النووية، اغتيال علي خامنئي، المشاركة العسكرية الأميركية المباشرة، تعرض المخزون العسكري الصاروخي الإيراني للتدمير، وغيرها. كلها عوامل قد تفرض تغيرات جذرية في الأحداث وتعلن عن منتصر ومهزوم. 
وفي الوقت الذي ساء التوسع الإيراني في المنطقة منذ 2003 وما حمله من سيطرة على القرار في أربع دول عربية، على ما تبجح غير مرة المسؤولون الإيرانيون، ساء الكثير من الدول العربية التي دفعت أثمانا غالية في التصدي لسياسات طهران ومشروعها الإمبراطوري في المشرق العربي، لا بد أن المشروع الإمبراطوري الإسرائيلي الذي تبرز معالمه مما يجري في الضفة الغربية ولبنان بعد الحرب الأخيرة وسوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد، سيثير استياء أعمق وقد تكون له انعكاسات سلبية على اصناف من السلام تحاول إسرائيل الترويج لها. 

font change