فيلم يمني عن الحياة في عدن وسط الخراب

"المرهقون"... من الحرب

فيلم يمني عن الحياة في عدن وسط الخراب

يبدو فيلم "المُرْهَقُون" الحائز تسع جوائز دولية ومرشّح اليمن لجائزة الأوسكار، امتدادا لفيلم "عشرة أيّام قبل الزفّة" للمخرج عمرو جمال، فكلاهما يتناولان الحياة في عدن بعد الحرب، أو في محيط لا يزال يعيش تبعات الحرب ومعاركها.

تدور قصّة "المرهقون" حول عائلة عدنية لم تعد تحصل على راتبها الشهري من الجهة التي تعمل فيها، وحين يجيء هذا الراتب متأخرا بعد أشهر من المعاناة لا يكاد يكفي لمتطلبات إيجار البيت ومستلزمات المعيشة ومنها تعليم ثلاثة أطفال وتوفير الاحتياجات المدرسية لهم كالدفاتر والملابس وغيرهما، وفي أجواء انقطاع الكهرباء وماء الشرب وانتشار المسلّحين في المدينة تصبح الحياة ملازمة لانفعالات يومية لا تطاق.

في حال كهذه، تكتشف الزوجة أنّها حامل، فتصاب العائلة بالهلع من هذا الخبر لعدم قدرتها على تربية طفل جديد، فيقرّر الزوجان إجهاض الجنين وسط اعتراضات دينية ترى أن الإجهاض بمثابة قتل لنفس بشرية، ومع احتدام الصراع بين العائلة وسعيها إلى إسقاط الجنين بأي وسيلة، تخضع الطبيبة في الأخير لرغبة الزوجين بعد تأثرها بمعاناة العائلة وحصولها على فتوى فقهية عبر الوسائط الاجتماعية تبيح لها ذلك.

بدا إجهاض الجنين إجهاضا لأحلام كثيرة كان يمكن تحقّقها لولا قسوة الحرب

إجهاض الأحلام

تبدو القصّة لمن لم يشاهد الفيلم اعتيادية ومتحقّقة اجتماعيا بأشكال كثيرة، لكن من يشاهد الفيلم سيتتبع قصّة أُنجزت بسيناريو لافت يضيء الكثير من المحن الإنسانية، وهي محن تعاش مع الحروب أو تخلّفها عند معظم الناس بأشكال قهرية كثيرة، يصبح معها وصف المُرْهَقين تعبيرا عن حال لا فكاك منها، لهذا بدا إجهاض الجنين إجهاضا لأحلام كثيرة كان يمكن تحقّقها لولا قسوة الحرب التي أخذت اليمنيين من مستقرّ يومي معتاد إلى حضيض الفقر والحاجة إلى كلّ شيء.

فيلم "المرهقون" يقول أشياء كثيرة عن تحوّل مدينة عدن التي كانت تعج بدور السينما وعروض الأفلام وأصبحت خالية منها، ومنه نعرف أنّ الطبيبة لا يمكنها أن تكشف عن وجهها المحجّب بالنقاب أمام زوج المريضة. وقد سألتُ المخرج عمرو جمال بعد عرض الفيلم في باريس إذا كان لم يستطع أن يحصل على ممثلة يمكنها أن تظهر من دون حجاب في غرفة النوم مع زوجها، فقال إنّ كل فيلم يختلف عن الآخر، وبحسب التصورات الفنية المسبقة، كما هي الحال في السينما الإيرانية.

هكذا، تبدو ثقافة البيئة العدنية طاغية على كلّ تفاصيل الفيلم، سواء في الملابس أو الحوار أو في اللقطات البانورامية الواسعة للأمكنة التي أراد المخرج إبرازها لمكانتها التاريخية، مثل دار الكتب العربية المعروفة باسم مكتبة الحاج عبادي في كريتر التي تأسست علم 1884، أو لما آلت إليه بعض الأمكنة من خراب.

 

محن الحياة

في تصاعد الأحداث يجد المشاهد نفسه أمام مشاهد تعبيرية مليئة بالألم جسّدها بطلا الفيلم الفنّان خالد حمدان (أحمد) والفنّانة عبير محمد (إسراء)، إذ نرى البطلة تحاول جاهدة إيجاد توازن يحرص على عدم خلخلة العلاقة العائلية، حتى حين يتمادى الزوج ويصفعها، فهي تثور وتغضب لهذا السلوك لكنّه غضب مؤقت ينتهي حين ينتاب الزوج بكاء غير معهود وكأنّه هو من صُفع، أو كأنّه صفع نفسه، في لقطة مهمّة تغوص في عمق الوجع الإنساني حيث لا قوّة أو طريقة لمواجهته سوى البكاء. لهذا لا أظن أن مشاهدي الفيلم من اليمنيين سيستطيعون حجب دموعهم وهم يرون مآسي حرب عاشوها خلال سنوات فقدوا فيها أجمل ما في حياتهم، وهو السلام اليومي.

فالفيلم يصوّر انهيار كلّ شيء، بما في ذلك سلوكنا وأخلاقنا وتعاملنا، حين نواجه ظروفا لا نقدر على تجاوزها، أو وقفها على الأقل. ولهذا تبدو المحن اليومية كلّ الحياة.

هناك القليل من الأفلام اليمنية السابقة التي شكّلت حضورا في العروض الدولية، لكن هذا الفيلم الذي يندرج ضمن الأفلام الروائية الطويلة امتاز بتقنياته العالية سواء في كتابة السيناريو أو في التصوير والإخراج. ومخرجه عمرو جمال سبق له أن أخرج العديد من المسلسلات التلفزيونية والمسرحية مثل "معك نازل" و"كرت أحمر" و"هاملت" التي قُدّمت باللهجة العدنية.

يصوّر الفيلم انهيار كلّ شيء، بما في ذلك سلوكنا وأخلاقنا وتعاملنا، حين نواجه ظروفا لا نقدر على تجاوزها

مع هذا، غابت في هذا الفيلم بعض الوجوه التمثيلية التي صاحبت المخرج في تجربته الأولى والمعروفة بخبرتها الفنية الطويلة مثل أنصاف علوي وسالي حمادة وقاسم عمر وأمل سليمان.

ما يمكن قوله ونحن نتتبع قصّة تصوير الفيلم، إن هذه القصّة تحتاج هي الأخرى إلى فيلم يحكي تجربة إنتاج فيلم في اليمن، حيث تزامن تصويره كما يقول عمرو جمال مع وجود مشاكل أمنية إضافة إلى تفشي وباء كوفيد19.

يُصنِّف المنتج محسن الخليفي الفيلم بأنه انتاج يمني وسوداني وسعودي حيث حصل الفيلم على منحة من صندوق مهرجان البحر الأحمر في السعودية.

font change

مقالات ذات صلة