القرآن ليس كتاب فيزياء

العلم بمعناه الحديث ليس نصا مقدسا

القرآن ليس كتاب فيزياء

عندما ترسخت نظرة من ينكرون وجود المجاز في اللغة، ارتفع صوت من ينظرون إلى النص الديني نظرة حرفية ظاهرية مباشرة، فهما يسيران في خط واحد، ويدعم أحدهما الآخر. إنكار المجاز والحرفية في الفهم مرتبطان أشد الارتباط، فالأول يؤدي لا محالة إلى الثاني. هكذا وقع العرب والمسلمون في مشكلة عويصة مع ما يظنونه دينا وهو ليس الدين، بل مجرد فهم قاصر سطحي للنص. مع أنك لو ألقيت نظرة على الطريقة التي يتعامل بها البشر مع لغاتهم لوجدت أنها تكاد تكون كلها مجازا في مجاز، كما قال الرجل الذي له من اسمه نصيب، ابنُ جني. فقط عندما نتصور معنى الحقيقة والمجاز يمكننا حقاً أن نقدرهما وأن نستمتع بهما.

النظرة الظاهرية هي السبب الرئيس وراء الحياة المكبلة بالسلاسل، وهي المسؤولة عن حياة تعيسة يعيشها كثير من العرب والمسلمين، وهي ما قاد إلى التزمت والتطرف والإرهاب وغياب التسامح مع الآخر المختلف، عقديا واجتماعيا. مع أن كل نص فُهم منه التشدد، يملك فهما آخر له ارتباط بالمجاز. المجاز يمكن أن يكون بوابة الخروج وطريق الخلاص لكل من يعيشون في ذلك الضيق.

ولم يقف الظاهريون الحَرفيون عند الحد الذي ذكرت، بل أصبحوا يستخرجون نظريات فيزيائية وفلكية من النص الديني، فيستبعدون تماما أن المقصود بجريان الشمس لمستقرٍ لها يمكن أن يكون المقصود به معنى مجازيا، ويصرون على أن هذا الجريان حقيقي كما يوحي به الظاهر، ولا يُزعجهم أبدا أن دعوى حركة الشمس وثبات الأرض يتعارض مع ما توصل إليه علم الفيزياء الكونية، ذلك العلم الذي أصبح دقيقا للغاية والى درجة لا يتطرق إليها الشك. هنا اختلق الظاهريون معركة غير ضرورية بين الدين والعلم.

 النص الديني لا علاقة له بهذه الرحلة الإنسانية غير المقدسة، وموضوعه يختلف تماما عن موضوع النص العلمي

العلم بمعناه الحديث، ليس نصا مقدسا، بل هو نوع من الوعي الذي يشكل نسقا يتطور تاريخيا ويتكون من كل المعارف الإنسانية التي تحقق من صحتها وتحديدها من خلال الخبرة وإجراء الاختبارات الكاشفة عن الخطأ، بحيث يصبح لدينا معرفة تتصف بالضرورة والشمولية. كيف يمكن تعريف العلم؟ لك أن تعرفه من خلال نقيضه: الفن. فالفن يُدرك بالشعور، أما العلم فيُدرِك العالم الذي نعيش فيه من خلال منطق العقل الذي يضع ذلك العالم في مفاهيم يبتكرها هو.

تختلف طريقة العلم عن طريقة الدين، فالعلم يقوم على الوقائع المشاهدة والمحسوسة ويسير في خط يهدف إلى تعميم ما يصل إليه من نظريات ويسعى لاكتشاف القوانين التي تحكم الكون. والعلم لا يقف عند هذا، عند وصف العلاقات السببية الحاكمة، بل يسعى إلى تقرير قوانين – دائما – تكون أعمق، وهو في كل هذا يرتبط بالنظرة الفلسفية الشاملة إلى الكون، تلك النظرة التي تحدد له الأطر العامة التي تحفظه من الزلل.

النص الديني لا علاقة له بهذه الرحلة الإنسانية غير المقدسة غير المعصومة، وموضوعه يختلف تماما عن موضوع النص العلمي، مثلما أن منهج هذا غير منهج ذاك. عندما تعيد النظر في القرآن الكريم فستجد أن موضوعه الأكبر الذي يتكرر باستمرار هو وحدانية الله وضرورة عبادته وتنزيهه عن الشريك. هناك مواضيع أخرى: قصص الأنبياء ومجادلتهم للمشركين، والأحكام التشريعية المتعددة. حتما ليس كتابا في الفيزياء، فالفيزياء والفلك والأحياء هي علوم إنسانية وليست إلهية. في مقابل هذا، فإن النص الديني مفتوح أمام التأويل، والتأويل يختلف وسرعان ما يتحول إلى تأويلات. من هنا تدرك تعدد الحقائق، وضرورة عدم ضرب بعضها ببعض.

font change
مقالات ذات صلة