رفح... إسرائيل على مشارف اجتياح بري وتوقعات بإجلاء النازحين

العملية العسكرية باتت مسألة وقت بعدما صادق الجيش على خطة

عناصر من الدفاع المدني يحاولون رفع انقاض مبنى مدمر في شرق مدينة رفح في 19 فبراير

رفح... إسرائيل على مشارف اجتياح بري وتوقعات بإجلاء النازحين

منذ نهاية يناير/كانون الثاني الماضي، تصاعدت وتكررت التصريحات الإسرائيلية من السياسيين والعسكريين، بشأن نية الجيش الإسرائيلي التحضير لعملية اجتياح بري لمدينة رفح أقصى جنوب قطاع غزة، وهي المدينة التي تشترك مع مصر بحدود طولها قرابة 14 كيلومترا. وجاءت التهديدات في الوقت الذي تستقبل فيه المدينة أكثر من مليون و400 ألف نازح جاءوا قسرا من مختلف مدن ومخيمات القطاع على مدار 5 أشهر من الحرب الإسرائيلية المستمرة والتي اندلعت في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

تكرار التصريحات والتهديدات الإسرائيلية حول ما يعده الجيش الإسرائيلي لرفح، تزامن مع عملية عسكرية برية واسعة على مدينة خانيونس المجاورة لرفح، ما أدى إلى بث الخوف لدى بعض العائلات النازحة، وحملها على اتخاذ قرار الانتقال إلى المنطقة الغربية وسط قطاع غزة كخطوة استباقية... يقول فتحي أبو شلوف النازح مع أسرته منذ شهرين إلى غرب رفح: "لن أنتظر أن تقتل إسرائيل أبنائي. يكفي ما عاشوه خلال نزوحنا من شمال القطاع سابقا تحت القصف العنيف".

لم يمضِ يومان على مغادرة أبو شلوف غرب مدينة رفح، حتى شن الجيش الإسرائيلي عملية عسكرية قصيرة لكنها أحدثت حالة من الرعب والارتباك الكبير بين الغزيين، حيث هاجمت إسرائيل عددا من الأهداف في حي الشابورة شمال غربي رفح وبشكل مفاجئ. وبدأت بقصف عنيف على عدة أهداف، وإطلاق نار كثيف. اعتقد المواطنون لحظتها أن العملية البرية قد بدأت، إلا أنه اتضح فيما بعد أن الجيش الإسرائيلي هاجم أحد المنازل التي قال إنه حرر من داخله محتجزين إسرائيليين ونقلهما إلى إسرائيل.

من القصف الى الإجتياح

صباح 12 فبراير/شباط الحالي، وبعد ليلة عنيفة أدت إلى مقتل أكثر من 100 فلسطيني في رفح وإصابة العشرات، قرر نازحون الانتقال وترك رفح التي ينتظرها الموت كما قالت فاطمة الحلبي. وتابعت: "إذا كانت عملية تحرير رهينتين أدت إلى قتل 100 إنسان، فماذا إذا بدأت عملية الاجتياح؟ كانت أكثر ليلة مرعبة بالنسبة لنا ولأطفالنا، وصحيح أننا نعلم أن كافة مناطق قطاع غزة كانت وما زالت معرضة للقصف لكننا لم نعد نشعر بالأمان أو الراحة هنا في رفح، سنذهب للمنطقة الوسطى فلا خيارات أمامنا".

وفي الوقت الذي يفكر فيه النازحون في كيفية حماية أنفسهم وأبنائهم، على ما يبدو، يُعد صناع القرار في إسرائيل خططا لإنهاء الحرب على قطاع غزة والتي تشتمل على مهاجمة مدينة رفح قبل إنهاء الحرب، وفي الوقت الذي تجري فيه مفاوضات بالتوازي مع حركة "حماس" بإشراف مصر وقطر والولايات المتحدة، بهدف الوصول لاتفاق من شأنه إبرام صفقة تبادل أسرى ومحتجزين. وبحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، فإن أولى الخطط التي يعمل عليها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ومبعوثه إلى الولايات المتحدة وزير الشؤون الاستراتيجية وعضو مجلس الحرب كذلك رون ديرمر، وأما الثانية فهي خطة الوزيرين في مجلس الحرب، رئيسي الأركان السابقين بيني غانتس، وغادي آيزنكوت.

Reuters
جريحة فلسطينية في دير البلح بعد قصف اسرائيلي في 19 فبراير

وتقول الصحيفة إنه لا فرق كبيرا بين الخطتين سوى الجداول الزمنية، واستعداد الأخيرين للكشف عن خطتهما ومناقشتها في مجلس الوزراء على عكس نتنياهو الذي يخشى من رد فعل شركائه في الائتلاف الحكومي. لذلك يكتفي بالتفاوض سرا حولها مع كبار المسؤولين بإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، من خلال ديرمر. أما عن الخطة التي اقترحها غانتس وآيزنكوت على مراحل بحيث توافق إسرائيل على هدنة طويلة نسبيا لغرض عقد صفقة تبادل رهائن، ثم تستأنف القتال من أجل مواصلة تفكيك قدرات حركة "حماس" العسكرية والحكومية.

وعلى ما يبدو فإن الهجوم البري الإسرائيلي على مدينة رفح المكتظة بالغزيين والتي لا تتجاوز مساحتها 55 كيلومترا مربعا، بات مسألة وقت بعد أن صادق الجيش الإسرائيلي على خطة عملياتية، بحسب هيئة البث الإسرائيلية الرسمية، لكن المعضلة الحقيقية أمام قرار البدء هي اكتظاظ المدينة بالسكان والنازحين، حيث يضغط نتنياهو على رئيس الأركان الإسرائيلي هرتسي هاليفي من أجل استكمال تفكيك قدرات حماس العسكرية في خانيونس والبدء في الاستيلاء على رفح. لكن مشكلة نتنياهو أن هاليفي لا يزال يحتاج إلى وقت لإنهاء العمل في خانيونس، وبضعة أسابيع أخرى لتنفيذ خطة إخلاء رفح قبل الهجوم.

معركة رفح ستكون الأشرس من بين المعارك البرية التي خاضها الجيش الإسرئيلي في قطاع غزة خلال الأشهر الماضية

وبحسب ما نشرت القناة 12 الإسرائيلية، التي قالت إن هاليفي، أبلغ نتنياهو أن "الجيش الإسرائيلي مستعد للعمل في رفح، لكنه يحتاج إلى أن تقرر الحكومة أولا ما تريد فعله مع النازحين من غزة الذين لجأوا إلى هناك في وقت سابق".
ويعتقد محللون عسكريون إسرائيليون أن معركة رفح ستكون الأشرس من بين المعارك البرية التي خاضها الجيش الإسرئيلي في قطاع غزة خلال الأشهر الماضية، وذلك بسبب تمركز أحد أكثر التشكيلات العسكرية- التابعة لـ"حماس"- تماسكا وتأهيلا، وهو "لواء رفح" خامس تشكيل عسكري تابع لـ"كتائب القسام" الجناح العسكري للحركة، والذي صنفه معهد دراسات الحرب الأميركية بأنه حالة قتالية فعالة بقيادة القائد العسكري محمد شبانة الذي يدير أربع كتائب، وهي: "الكتيبة الشرقية- كتيبة خالد بن الوليد- كتيبة الشابورة- كتيبة النخبة".

ليست المشكلة الوحيدة أمام الجيش الإسرائيلي في معركة رفح ما سيواجهه من قدرات عسكرية يمتلكها لواء رفح، وتكدس النازحين، بل إن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي طالب نتنياهو بمعرفة "خطط الحكومة لمحور فيلادلفي، وهو الطريق الأمني الذي يبلغ طوله 14 كيلومترا على طول حدود غزة مع مصر"، والذي يقع ضمن المنطقة العازلة بموجب معاهدة "كامب ديفيد" بين مصر وإسرائيل الموقعة عام 1979.
وتسمح المعاهدة لإسرائيل ومصر بنشر قوات محدودة العدد والعتاد وبالأرقام ونوعيات السلاح والآليات التي يتم نشرها على طول المحور، ليكون الهدف منها القيام بدوريات على جانب المحور المصري، لمنع التهريب والتسلل والأنشطة الإجرامية الأخرى. ربما هدفت إسرائيل من خلال نشر تصريحاتها السابقة للعملية البرية على رفح، معرفة ردة الفعل المصرية والتي أكدت على رفض المساس بالحدود بل وصلت حد التهديد بتعليق معاهدة السلام الموقعة بين البلدين.

أرسلت مصر قرابة 40 دبابة وناقلة جند مدرعة إلى شمال شرقي سيناء، خلال الأسبوعين الماضيين، لتعزيز الأمن على حدودها مع قطاع غزة

من جانبه، قال وزير الخارجية المصري سامح شكري، تعليقا على التصريحات المصرية التي أشارت إلى تلويح القاهرة بتعليق معاهدة السلام مع إسرائيل في حال تحرك الأخيرة بريا في رفح: "إن بلاده التزمت بمعاهدة السلام مع إسرائيل طيلة 40 عاما"، مشددا على أن القاهرة ظلت تتعامل بفاعلية مع هذه المعاهدة، و"سوف نستمر في هذا الأمر في هذه الحقبة، وأي تعليقات نطق بها بعض الأفراد بشأن هذا الأمر، ربما تكون قد شُوهت"، بحسب قوله.
وعلى أرض الواقع، أرسلت مصر قرابة 40 دبابة وناقلة جند مدرعة إلى شمال شرقي سيناء، خلال الأسبوعين الماضيين، في إطار تحركاتها لتعزيز الأمن على حدودها مع قطاع غزة، بعدما عملت على تدعيم الجدار الحدودي وتمتينه خشية أي اقتحام للحدود، وفق ما نشرت وكالة "رويترز".

AP
مجندات اسرائيليات يلتقطن صورة شخصية في قطاع غزة في 19 فبراير

وفي هذا الصدد، قلل محللون سياسيون إسرائيليون من احتمال وقوع صدام بين مصر وإسرائيل بسبب الهجوم البري الإسرائيلي المتوقع على رفح. ويرى أستاذ العلوم السياسية بالجامعة العبرية في القدس وعضو اللجنة المركزية لحزب العمل الإسرائيلي مائير مصري، أن نشر القوات المصرية بالقرب من الحدود مع قطاع غزة لم يتم إلا بعد التنسيق المسبق مع إسرائيل، وهو الأمر الذي تنفيه مصر.
لكن الكاتب يعبر عن تفهم إسرائيل خشية مصر من خروج الأمور عن السيطرة في حال اقتحام مئات الآلاف من الفسطينيين الغزيين الحدود واتجهوا إلى سيناء هربا من القصف الإسرائيلي والتوغل البري للدبابات والآليات العسكرية المتوقع خلال الأيام أو الأسابيع المقبلة. ويشير الأكاديمي الإسرائيلي إلى وجود خطط محكمة لدى الجيش الإسرائيلي لإخلاء مدينة رفح فور اقتحامها، متوقعا الإعلان عنها في اللحظات الأخيرة قبل بدء العملية العسكرية.

font change

مقالات ذات صلة