الرائيلية.. خليط من الفلسفة واللاهوت والعلم والخرافة

ورائيل في ظهوره النادر هذا، وهي نقطة تسجّل لصالح صناع العمل، بدا رائق المزاج وقد أطلق لحيته البيضاء، ويعتمر قبعة، ويضع في رقبته شعار حركته، وهو يتحدث بالفرنسية دون أن يقول الشيء الكثير هنا، بل يكرر جملا وعبارات ركيكة، كما أنه لا يتمتع بأية كاريزما خاصة، وهو ما يدفع إلى طرح تساؤل: كيف تسنى لهذا الشخص العادي أن يؤثر على آلاف الاشخاص خصوصا في فرنسا وكندا والولايات المتحدة الأميركية، وصولا إلى أفريقيا، حيث ظهر خليفة له في ساحل العاج، بحسب الوثائقي. وفيما تبالغ الحركة بأن عدد مناصريها بلغ أكثر من مئة ألف، غير أن تقديرات غير رسمية تقول إن عددهم أقل من ذلك بكثير.

أضغاث أحلام

لعل تعبير "أضغاث أحلام" هو الوصف الأنسب لما يقول رائيل بأنه كانت البداية التي أذنت بإطلاق حركته، ففي صباح شتائي منعش، وتحديدا في 13 ديسمبر/كانون الأول عام 1973 كان الشاب كلود فوريلون (رائيل) يقود سيارته وسط الضباب باتجاه موقع بركان خامد قرب مدينة كليرمون فيران الفرنسية، وهو مكان كان قد اعتاد الذهاب إليه صيفا برفقة أسرته، لكن نداء خفيا، كما يروي، قادته، على غير العادة، إلى ذلك المكان في شتاء ذلك العام.

ترك سيارته جانبا وراح يكمل مشواره سيرا على الأقدام متأملا تضاريس الأرض من هضاب وأودية وقمم جبلية، وعندما هم بالمغادرة، وفق روايته، لمح ضوءا أحمر متقطعا ينبعث من الضباب، وبعد لحظات تظهر مركبة هابطة من السماء، دائرية الشكل شبيهة بطبق طائر، ودون أي صوت أو ضجيج اقتربت المركبة من كلود الذي لم يستطع النظر إليها مباشرة بسبب إضاءتها المبهرة. لم يشعر، كما يزعم، بأي خوف حين فتح باب المركبة ليخرج منها كائن شبيه بالبشر قصير القامة ملامحه طفولية، وبشرته بيضاء تميل للاخضرار، وأطراف عينيه مشدودة وشعره أسود وطويل، يسأله كلود، من أين أتيت؟ فيرد بصوت مكتوم لكنه واضح: من بعيد من كوكب آخر.

ووفقا لرواية كلود، فإن المخلوقات الفضائية تلك أخبرته بأنها هي من أوحت له ليأتي في هذا التوقيت إلى فوهة البركان، وتخبره بأنه قد حان الوقت لنبلغ الأرضيين (أي البشر) برسالتنا، وقد اختير للمهمة، وتكشف له المخلوقات الفضائية التي تسمّى "إلوهيم" أنها جزء من حضارة تملك تقنيات متقدمة في الهندسة الجينية مكنتها من خلق البشر منذ 25 ألف سنة داخل مختبر علمي، والذي يطابق وصفه جنة عدن في "الكتاب المقدس"، وسمع كلود من تلك المخلوقات قصصا عن أصل الحياة وقصة الخلق والأنبياء  وكتبهم المقدسة، وكلفته تلك الكائنات بتبليغ الرسالة للبشر لتمهيدهم لاستقبال "خالقيهم" عندما يحين الوقت المناسب.

ويزعم رائيل بأنه صعد إلى السماء في السابع من اكتوبر/ تشرين الأول عام 1975 حيث هبط في كوكب يسمى كوكب الخلود ووجد هناك الأنبياء والرسل سواء أصحاب الديانات السماوية مثل النبي محمد وموسى وعيسى، أو كذلك اصحاب الديانات الوضعية مثل بوذا، ومن الواضح أن هذا الزعم الرائيلي هو تحوير لرحلة "الإسراء والمعراج"، كما جاء في الإسلام.

 الجنس والاستنساخ

وإلى جانب الطروحات الميثولوجية، فإن للحركة طقوسا أخرى غريبة ومنها مثلا دعوتها إلى الممارسات الجنسية المفتوحة دون أي ضوابط، والدفاع عن المثلية الجنسية والجنس الجماعي وحفلات التعري وغيرها من الممارسات التي يمكن وصفها بـ"الشاذة"، وفق الكثير من الشهادات التي نسمعها في هذا الوثائقي.

وترى الرائيلية، التي ترفض الزواج التقليدي، بأن المخلوقات الفضائية خلقت الإنسانية لتشعر بالرغبة الجنسية كعلاج سحري للدوافع العنيفة، ومن خلال السعي وراء المتعة الجنسية، يتم تشكيل مسارات جديدة بين الخلايا العصبية في الدماغ، وبالتالي تعزيز ذكاء الفرد، ومثل هذه الأفكار كذلك تحيل إلى طروحات الطبيب النمساوي سيغموند فرويد ومصطلح الدافع الجنسي أو الليبيدو الذي اعتبره المؤثر الأول في السلوك الإنساني.

وتعتبر الرائيلية من أكبر المدافعين عن الاستنساخ البشري الذي سيقود إلى الخلود، حسب زعمها. وبعد الإعلان عن استنساخ "النعجة دوللي"، سارع رائيل الى  تأسيس شركة في الولايات المتحدة من أجل إجراء درسات وأبحاث للتوسع في عمليات الاستنساخ البشري.

واستعان رائيل بالباحثة الفرنسية بريجيت بواسيلييه، وهي كيميائية وواحدة من أبرز أتباع الحركة الرائيلية، التي أعلنت عن ولادة الطفلة "إيف" في عام 2002 كأول عملية استنساخ بشري، وهو ما أثار استهجان ورفض  الأوساط الدينية والسياسية في الغرب، وقد عدّ الفاتيكان أن الإعلان عن نجاح عملية الاستنساخ البشري هو دليل على منهج خال من المبادئ الأخلاقية والإنسانية. لكن الحركة الرائيلية لم تقدم أي دليل على صحة ادعائها حول استساخ طفلة، والأرجح، بحسب بعض الشهادات، أن الاعلان كان كاذبا، وكان الهدف منه إثارة ضجة إعلامية حول الحركة ولفت الانتباه لها.

وتظهر الباحثة الفرنسية بواسيلييه في هذا الوثائقي لتدافع عن الحركة، وهي اختارت مكانا نائيا ومعزولا في المكسيك، للإقامة، ويبدو أنها تعيش متصالحة مع ذاتها، ومؤمنة بخياراتها في الانضمام للحركة، رغم ما فيها من خطل وأوهام، هي القادمة من وسط أكاديمي وعلمي رصين.

العلاقة مع إسرائيل والسفارة

ثمة كتابات تربط بين الحركة وبين إسرائيل والعلاقة الوثيقة بينهما وهناك مؤشرات على ذلك الارتباط بدءا من استعانة الحركة بمفردات عبرية مثل رائيل والوهيم وغيرها، وكذلك  النجمة السداسية في شعارها، فضلا عن أن بعض مبادئها مستمدة من التعاليم التوراتية.

لكن اللافت انه في نهاية أغسطس/آب من عام 2015 أصدرت الحركة بيانا تدين إسرائيل، بحسب ما ورد في موقع "تايم أوف إسرائيل" بالعربية. وجاء في البيان أن إسرائيل خانت "كل القيم المثالية اليهودية عن طريق سرقة الأراضي والمنازل وخصوصا من خلال عدم احترام وصية الرب لا تقتل، لذلك، أُبلغ رائيل: الحماية التي منحت لإسرائيل من قبل قد سحبت، ونطلب من جميع اليهود الحقيقيين مغادرة أرض فلسطين في أسرع وقت ممكن"، وفقا للموقع العبري.

 ومن مزاعم رائيل أن الحركة بصدد بناء سفارة ضخمة على الأرض لاستقبال الكائنات الفضائية "إلوهيم"، والمكان الأنسب لبناء السفارة المزعومة هو القدس، غير أن إسرائيل لم توافق على منح الحركة مساحة أرض كي تبني عليها سفارتها، رغم المحاولات المتكررة، وهذا الرفض، وفقا لبعض الشهادات في هذا الوثائقي هو السبب في انقلاب الحركة على إسرائيل ومهاجمتها.

صليب ونجمة

وتستخدم الحركة شعارا يجمع بين نجمة داود السداسية والصليب المعقوف الذي كانت ترفعه النازية، غير أن الحركة تنفي أي علاقة لها بالأمرين، وتقول إن الشعار هو رمز فلسفي قديم يدل على الازدهار والسلام  وموجود في الديانات الهندوسية والبوذية، ويفسر الرائيليون الامر على أن الصليب المعقوف يمثل اللانهائية في الزمان، أما النجمة السداسية فتمثل اللانهائية في الكون، وبالنسبة إلى سفينة نوح فهي كانت مركبة فضائية، رفعت فوق الأرض حين حدث الطوفان، وحافظت على المادة الوراثية التي استخدمت لإحياء الحيوانات، من خلال الاستنساخ.

ولا بد للمرء من أن يتمتع بخيال واسع كي يستطيع توليف مثل هذه الحكايات الأسطورية، أو هو في أفضل الأحوال سيناريوهات أفلام من الخيال العلمي، ورغم أن الكثير من مزاعم الحركة يمكن دحضها بسهولة، غير أن الكثيرين ممن سمع هذه الروايات المختلقة أو قرأ عنها، تأثر بها وأصبحوا أعضاء فيما سمي بالحركة الرائيلية التي تنطوي كذلك على بعض الجوانب المغرية، فهي تدعو إلى  السلام ونبذ العنف والتعاون والديمقراطية والحرية الشخصية والحرية الجنسية... ومثل هذه الطموحات مثلت عامل جذب للكثيرين ممن تأثروا بالحركة على نحو متسرع، وربما وجدوا فيها خلاصا فرديا زائفا من قلق وجودي.