حروب إيران وذريعة غزة

تصر الميليشيات التابعة لها على المخاطرة بأمن المنطقة

حروب إيران وذريعة غزة

يستطيع المرء أن يكتب مجلدات على تناقض أقوال المسؤولين الإيرانيين وأفعالهم، ويستطيع أن يعطي حيزا كبيرا لتناقضات أقوال وتهديدات مسؤوليهم وأفعالهم منذ انطلاق عملية "طوفان الأقصى" والحرب الإسرائيلية الهمجية على قطاع غزة إلى اليوم.

في البدء دأبت إيران على إنكار علاقتها بالعملية، إذ صرح أكثر من مسؤول وأكثر من مرة أن إيران لم تكن تعلم بعملية "طوفان الأقصى" ولا علاقة لها بها، وعندما نشرت "رويترز" خبرا عن أن "المرشد" علي خامنئي أخبر "حماس" بأن إيران لن تدخل الحرب نيابة عنها، سارعت "حماس" لنفي الخبر، إلا أن الوقائع منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي إلى اليوم تؤكد صحة الخبر وأكثر.

ومنذ اللحظة الأولى لبدء الحرب الإسرائيلية على غزة، ووصول الأساطيل الأميركية إلى المنطقة، كان واضحا أن إيران فهمت الرسالة بأن انخراطها في الحرب سيعني حربا مباشرة بين إيران من جهة والولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل من جهة ثانية، وهو ما لا تريده إيران ولا قدرة لها عليه. فالجمهورية الإسلامية في إيران ومنذ قيامها عام 1979، كانت القضية الفلسطينية وتحرير القدس حاضرة بقوة في كل خطاباتها، مع العلم أنها لم تدخل في أي معركة مباشرة ضد إسرائيل (ولنتذكر فضيحة "إيران كونترا")، لكنها اكتفت بدعم ميليشيات وفصائل مسلحة في لبنان أولا، ومن ثم في عدد من الدول العربية، باسم القدس وفلسطين.

جاء اليوم تقرير "رويترز" عن لقاء قائد "فيلق القدس" التابع لـ"الحرس الثوري" الإيراني إسماعيل قاآني بأمين عام "حزب الله" حسن نصرالله في بيروت "للمرة الثالثة على الأقل" منذ السابع من أكتوبر الماضي، ليؤكد المؤكد، هذه المرة على لسان "حزب الله" كما نقل التقرير، فالحزب "لا يريد أن تنجر إيران إلى حرب مع إسرائيل أو الولايات المتحدة".

منذ بدء الحرب على غزة، بدأت إيران معاركها الجانبية بذريعة دعم المقاومة في غزة

ومنذ بدء الحرب على غزة، بدأت إيران معاركها الجانبية مستغلة الحرب تحت ذريعة دعم المقاومة في غزة، إلا أن تفنيد المعارك التي فتحتها إيران ومآلات الحرب على غزة يوضح أن فلسطين لم تكن مجددا سوى الذريعة، وقد سبق وعبر خالد مشعل الرئيس السابق لحركة "حماس" عن الخيبة من عدم دخول إيران وميليشياتها الحرب بالشكل المطلوب.
وفي لبنان، كما يقول نصرالله بدأت الحرب مع إسرائيل في الثامن من أكتوبر لتخفيف وتيرة الحرب الإسرائيلية على غزة، ولكن نظرة سريعة إلى حال غزة كفيلة بإثبات أن الاشتباكات بين "حزب الله" وإسرائيل على الحدود لم تخفف من وطأة الحرب على الفلسطينيين ولم تخفف من خسائرهم وضحاياهم، بل ضاعفت من مآسي اللبنانيين. ونظرة أعمق توضح أن الاشتباكات بين الطرفين، والمفاوضات التي تتم برعاية الوسيط الأميركي، وإن كانت تحصل بالتزامن مع المفاوضات لوقف إطلاق النار في غزة والتوصل إلى هدنة، فإن أجندتها مختلفة، وستكون نتيجتها مزيدا من التمكين لـ"حزب الله" في الداخل اللبناني.
على الحدود الأردنية العراقية وبعد بداية الحرب بأيام، تجمع أنصار "الحشد الشعبي" الشيعي العراقي الموالي لإيران لمنع شاحنات نفط من العبور إلى الأردن وللتعبير عن تضامنهم مع أهل غزة. وهي حركة تكررت ورآها البعض استعراضية، فيما رأى البعض الآخر فيها رسالة إيرانية للأردن المستهدف دوما من إيران.
وفي البحر الأحمر، شنت ميليشيا "أنصار الله" عمليات عسكرية ضد ما قالت إنها سفن متجهة لإسرائيل، لتبدأ بعدها الولايات المتحدة وبريطانيا بقصف "الحوثيين"، ولتبدأ الأرقام بالكشف - كما كتبت في وقت سابق على صفحات "المجلة" - أن مصر وقناة السويس ستكونان من أول الخاسرين جراء هذه العمليات.

"حماس" التي جلبت الويلات على الفلسطينيين وغزة، دون أن تستشير أحدا ترفض الآن "القرارات الفردية"

وفي سوريا، الساحة المباحة لإيران و"حزب الله"، قامت إسرائيل بشن عشرات العمليات العسكرية على أهداف إيرانية أو موالية لإيران، واغتالت عددا من القيادات الإيرانية واللبنانية، ولكن بقيت سوريا خارج نطاق العمليات العسكرية "الداعمة لغزة"، فإيران تعي أنها غير قادرة على فتح معركة مع إسرائيل من داخل الأراضي السورية، وإن حصلت بعض المناوشات، إلا أن توسيع الحرب لتشمل سوريا مخاطرة بخسارة نفوذها هناك لا تقل عن مخاطرتها بدخول حرب مباشرة مع الولايات المتحدة الأميركية، وهو ما لا تريده ولا قدرة لها عليه.
ورغم كل ذلك، تصر الميليشيات التابعة لإيران أو المتحالفة معها، كحال حركة "حماس"، أن تستمر في لعبة المخاطرة بأمن المنطقة برمتها خدمة لمصالح إيران. وفي هذا الإطار يقرأ الإعلان قبل يومين عن لقاء تم بين قيادات من حركة "حماس" وجماعة "الحوثي" لمناقشة ما قيل إنه "آليات تنسيق أعمال المقاومة" ضد إسرائيل. وفي هذا الإطار يقرأ أيضا بيان حركة "حماس" وفصائل فلسطينية موالية لإيران ضد مساعي تشكيل حكومة فلسطينية، متهمة السلطة بتعميق الانقسام، ومشيرة إلى "أزمة قيادة السلطة والفجوة بينها وبين الشعب الفلسطيني وتطلعاته". 
إن "حماس" التي جلبت الويلات على الفلسطينيين وغزة، دون أن تستشير أحدا من الفلسطينيين ترفض القرارات الفردية، لا إيمانا منها بالوحدة الفلسطينية كما أثبتت السنوات والتجارب، بل لأن أي سلطة تنفيذية لا تهيمن عليها "حماس" ولا تستحوذ فيها على كل مقدرات القرار الفلسطيني في غزة، هي سلطة مرفوضة من قبلها، كما حدث عام 2007 عندما استولت على القطاع بمفردها وحولته إلى كانتون خاص بها، وطبعا بالتحالف مع محور إيران الذي لا يريد من فلسطين إلا أن تكون مجرد درع يحمي سلطة طهران من أي هجوم مباشر عليها وعلى برنامجها النووي.

font change