"أونروا" وشوارع "اليوم التالي"

عبر نتنياهو عن موقفه من الوكالة في الخطة التي اقترحها لـ"اليوم التالي" في غزة

"أونروا" وشوارع "اليوم التالي"

إذن، الخطة الإسرائيلية هي طي صفحة "الوكالة الدولية لغوث وتشغيل اللاجئين" (أونروا) بما تعني، أي طي مرحلة "حق العودة" للاجئين الفلسطينيين. هكذا تبدو. جُربت قبل سنوات. أنجز ما أنجز منها، لكنها لم تصل إلى خواتيمها. الآن، هناك محاولة أكثر جدية توفرت لها أسباب ومبررات ملموسة، هي أن عددا من موظفي الوكالة، تقول إسرائيل إنهم كانوا متورطين أو منخرطين في هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول على غلاف غزة.

من وجهة نظر حكومة بنيامين نتنياهو، بما تضم من وزراء يمينيين، هناك فرصة جديدة لتنفيذ خطة قديمة، وهي: القضاء على بنود مفاوضات المرحلة النهائية مع الفلسطينيين، التي تشمل: المستوطنات، القدس، حق العودة، والدولة وحدودها. لقد عبر نتنياهو عن موقفه من الوكالة في الخطة التي اقترحها لـ"اليوم التالي" في غزة، وتضمنت إنهاء وجود "أونروا" في غزة، ثم منعها من العمل في شمال القطاع، لكن خطوات كثيرة اتخذت في هذا السياق، وتشمل:

- في 18 يناير/كانون الثاني، استدعت الخارجية الإسرائيلية المفوض العام لـ"أونروا" فيليب لازاريني، وقالت إن معلومات تل أبيب الاستخباراتية، تفيد بأن 12 من عناصر "أونروا" في غزة متورطون في هجمات أكتوبر، غير المسبوقة.

- لم تقدم تل أبيب أدلتها، وذهب لازاريني إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، وعلق عقود عدد من المتهمين، الذين تبين أنهم بالفعل موظفون في "أونروا"، وفتح تحقيقا.

- في 26 يناير، استندت محكمة العدل الدولية على تقديرات "أونروا" في حكمها إزاء اتخاذ إجراءات تحول دون إبادة في غزة. هذا الأمر زاد الغضب الإسرائيلي والإصرار على تنفيذ الخطة.

- زار مفوض "أونروا" الخارجية الأميركية في واشنطن لبحث الأمر وضرورة استمرار التمويل، لكنه فوجئ بأن قرارا اتخذ بتعليق التمويل الأميركي للوكالة، وهذا ما جر سلسلة من المواقف المشابهة من الدول الغربية: تعليق تمويل "أونروا" ومعاقبتها على تهم انخراط أعضاء فيها في هجوم أكتوبر، دون انتظار الدليل.

إدارة بايدن استـأنفت تمويل "أونروا" بعد تعليق إدارة دونالد ترمب ذلك، لكنها لم تشن حملة لمنع خطوات الكونغرس

- كان الكونغرس يناقش الموازنة السنوية للحكومة، وبينها المساعدات الخارجية بما في ذلك مخصصات لـ"أونروا". حذف البند المتعلق بتقديم نحو 400 مليون دولار للوكالة الدولية. وفي 23 مارس/آذار، أقرت الموازنة بموافقة الحزبين، وتضمنت وقف تمويل الوكالة إلى مارس 2025.

- قدمت مسودة قانون جديد تحرم وتمنع تمويل الوكالة الدولية، بسبب انخراط عناصر لها في الهجوم على "غلاف غزة". ولا شك أن لهذا بعدا عمليا وسياسيا على الدول الأوروبية.

- إدارة جو بايدن استـأنفت تمويل "أونروا" بعد تعليق إدارة دونالد ترمب ذلك، لكنها لم تشن حملة لمنع خطوات الكونغرس، سواء حذف بند التمويل من الموازنة أو تجريم ذلك. 

- تزامن هذا مع مشروع قانون في الكنيست الإسرائيلي لإخراج "أونروا" من حي الشيخ جراح في القدس، أي من الضفة الغربية، بالتزامن مع إخراجها من قطاع غزة.

- أمام نقص التمويل الغربي للوكالة، قدمت مقترحات بأن تقوم مؤسسات أممية، مثل "برنامج الغذاء العالمي" أو "يونيسيف"، بتقديم الخدمات الطارئة للفلسطينيين في غزة.

-  منذ 26 يناير، علقت 18 دولة والاتحاد الأوروبي ودول أخرى التمويل. لكن بعض هذه الدول راجعت في مارس الجاري قراراتها، لكنها حصرت في أمور إغاثية تخص غزة ولا تخص الموازنة العامة.

الخطر الوجودي على الأردن بسبب تعليق تمويل "أونروا"، يفسر استنفار عمّان في كل الاتجاهات

ماذا يعني كل ذلك؟ يعني أمرين في مرحلتين: الأول، دفن البعد السياسي لدور "أونروا" في الضفة الغربية (900 ألف لاجئ) وقطاع غزة (1.7 مليون لاجئ) وتقديم الإغاثة الاجتماعية من مؤسسات أممية أو غير حكومية. الثاني، إخراج لاجئي سوريا (340 ألفا)، ولبنان (200 ألف)، والأردن (2.3 مليون شخص، بينهم 400 ألف لا يزالون دون جنسية أردنية)، من قائمة اهتمامات "أونروا"، وتحويلهم إلى هم محلي في كل دولة من هذه الدول. وهذا أمر مقلق لهذه الدول، لكنه موضوع وجودي للأردن، بسبب انعكاس ذلك على التوازن الديموغرافي في البلاد، وتخوفه من منعكسات سياسات حكومة نتنياهو وتسهيل متطرفيها هجمات وتوسعات المستوطنين في الضفة الغربية، وأن يؤدي ذلك إلى نزوج كبير إلى الأردن، خصوصا أن كثيرا من أهالي الضفة لديهم جنسية هذا البلد. الخطر الوجودي، يفسر استنفار عمان في كل الاتجاهات.

لتفسير مغزى كل ذلك، لا بد من العودة إلى قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 في 1948، الذي أسس لإنشاء "أونروا" كي تقدم للاجئين الفلسطينيين بعد النكبة، الخدمات التعليمية والطبية والاجتماعية في الأراضي الفلسطينية ودول اللجوء إلى حين التوصل إلى حل سياسي، يتضمن عودتهم.

إخراج "أونروا" من المشهد هدفه إنهاء بند أساسي يفترض أنه متروك للمفاوضات السلمية

إخراج "أونروا" من المشهد وتقديم الخدمات الاجتماعية عبر مؤسسات أخرى، هدفه إنهاء بند أساسي يفترض أنه متروك للمفاوضات السلمية، وكان أحد أسباب فشل آخر محاولة جدية للوصول إلى حل سياسي قبل أكثر من عقدين. وطي صفحة "أونروا"، يعني أن الفلسطينيين في غزة أو الضفة أو أي مكان آخر، هم مسألة إنسانية مثل أي أشخاص تعرضوا لضربات طبيعية- زلزال أو عاصفة. يعني أيضا، إشارة إضافية إلى استمرار حكومة نتنياهو في رفض "حل الدولتين" وقيام دولة فلسطينية وامتداد إسرائيل من "البحر إلى النهر".

هذه التفاصيل، إضافة إلى الآلام والنزوح واحتمالات التهجير من غزة وحصول "نكبة" جديدة، تستحق التأمل لدى إجراء جردة حساب في مكاسب وخسائر مفاجأة هجمات 7 أكتوبر. خطوة تستحق السؤال، ما إذا كان رفع مظلة "أونروا" سيؤدي بالفعل إلى طي صفحة اللاجئين أم ولادة قنبلة وجيل تعلم في شوارع تطرف "اليوم التالي" وليس في مناهج مدارس المنظمة الأممية.

font change