هجوم موسكو يشتت جهود الكرملين في أوكرانيا

هجوم موسكو يشتت جهود الكرملين في أوكرانيا

وسط تركيز الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على الانتصار في الصراع الأوكراني، تكشف الهجمات الإرهابية القاتلة في موسكو أن المواجهة الدائمة مع الغرب ليست سوى واحدة من عدة قضايا أمنية مهمة تواجهها روسيا.

وفي أعقاب إعادة انتخابه لولاية رئاسية خامسة، أعطى بوتين الأولوية بوضوح لتحقيق النصر في أوكرانيا باعتباره أمرا بالغ الأهمية لأمن روسيا في المستقبل. وفي خطابه الذي احتفل فيه بالنصر الساحق بنسبة 87 في المئة من الأصوات، حدد بوتين أهدافه الأساسية مركزا على مواصلة الصراع في أوكرانيا و"تعزيز القدرات الدفاعية للبلاد وقوتها العسكرية".

ومع ذلك، قد يحتاج بوتين إلى إعادة تقييم تركيزه الاستراتيجي في أعقاب إعلان فصيل من جماعة "داعش" الإرهابية مسؤوليته عن الهجوم المدمر على قاعة مدينة كروكوس في موسكو، والذي أسفر عن مقتل 139 شخصا على الأقل وترك الصرح مشتعلا.

بدلا من ذلك، وجه بوتين أصابع الاتهام في الهجوم، الذي يحمل السمات المميزة لعمليات "داعش"، نحو أوكرانيا التي تحاول، كما قال، إضعاف الروح المعنوية الروسية. ولم يتراجع بوتين عن إسناد مستوى معين من التورط الأوكراني، حتى مع ظهور الأدلة بشكل متزايد على الفعل الذي ارتكبه تنظيم "داعش خراسان"، وهو فرع من التنظيم مقره في أفغانستان، التي ليس لها ما يربطها عادة مع أوكرانيا.

قد يحتاج بوتين إلى إعادة تقييم تركيزه الاستراتيجي في أعقاب إعلان فصيل من جماعة "داعش" الإرهابية مسؤوليته عن الهجوم المدمر

لكن بوتين اضطر في نهاية الأمر إلى الاعتراف بأن "إسلاميين متطرفين" هم من نفذوا الهجوم، وذلك بعد أن مثل أربعة أشخاص من المشتبه بهم أمام محكمة روسية، وهم مواطنون من طاجيكستان ووجهت إليهم اتهامات بارتكاب عمل إرهابي. وظهرت على المشتبه بهم الأربعة علامات تعرضهم للضرب المبرح بعد أن اعتقلتهم قوات الأمن الروسية. 
وكان مقطع فيديو منشور على موقع تابع لتنظيم "داعش" قد أظهر لقطات مصورة للمسلحين وهم ينفذون الهجوم على قاعة الحفلات الموسيقية في موسكو. 
ولكن في الوقت الذي تشير فيه جميع الأدلة بوضوح إلى أن الهجوم نفذه متشددون إسلاميون لهم تاريخ طويل في ارتكاب أعمال إرهابية ضد روسيا، يواصل بوتين إصراره على تورط أوكرانيا بطريقة أو بأخرى. 
وفي إحاطته أمام كبار المسؤولين الروس، أرجع بوتين هذا العمل المميت إلى الإسلاميين المتطرفين، الذين وصفهم بأتباع أيديولوجية كانت خصما منذ فترة طويلة داخل العالم الإسلامي نفسه. ولكنه، على الرغم من اعترافه بذلك، استمر في التأكيد على أن المهاجمين حصلوا على دعم من الحكومة الأوكرانية. ووفقا لبوتين، فقد سهلت أوكرانيا هروب المهاجمين عبر الحدود من خلال إنشاء "نافذة" استراتيجية.
واتهم بوتين كذلك القيادة الأوكرانية، التي وصفها بـ"نظام النازيين الجدد"، بتدبير الهجوم في محاولة لإثارة الذعر داخل المجتمع الروسي ورفع الروح المعنوية داخل أوكرانيا.
وتابع قائلا: "السؤال الذي يطرح نفسه هو من المستفيد من هذا؟"، مشيرا إلى أن الكرملين كان يحقق بنشاط في العقل المدبر وراء الهجوم. وألمح بوتين إلى أن هذا العمل الإرهابي "مجرد حلقة في سلسلة كاملة من محاولات أولئك الذين يخوضون حربا مع بلادنا منذ عام 2014 على أيدي نظام النازيين الجدد في كييف". 
ونفى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي هذا الادعاء، قائلا إنه "من المتوقع تماما" أن يلقي فلاديمير بوتين اللوم على أوكرانيا "بدلا من الاعتناء بمواطنيه الروس والاهتمام بهم". لا شك أن إصرار بوتين المتواصل على تورط أوكرانيا ينبع من إحراجه العميق من أن هجوما مميتا كهذا أمكن تنفيذه في العاصمة الروسية بعيد فوزه في الانتخابات، وهذا يثير تساؤلات جدية حول إخفاقات قواته الأمنية، فيقول المنتقدون إنهم أكثر تركيزا على أوكرانيا من أن يروا العلامات التحذيرية لهجوم وشيك لتنظيم الدولة الإسلامية. 
ويشعر بوتين بمزيد من الحرج بسبب ما أوردته التقارير من أن واشنطن أعطت الكرملين تحذيرا مسبقا بأنها تلقت معلومات استخباراتية بأن تنظيم الدولة الإسلامية يخطط لشن هجوم في روسيا، وهذا ما تجاهله بوتين. 

بوتين اتهم القيادة الأوكرانية بتدبير الهجوم لإثارة الذعر داخل المجتمع الروسي ورفع الروح المعنوية داخل أوكرانيا

أمست روسيا وعلى نحو متزايد هدفا لمسلحي "داعش" بسبب تاريخها الطويل في قتال الجماعات المسلحة، بدءا من حملتها العسكرية على الشيشان في تسعينات القرن الماضي وحتى تدخلها العسكري الأخير في سوريا دعما للرئيس بشار الأسد، الذي شهد مشاركة القوات الروسية في حملة تدمير الدولة التي أعلنتها "داعش" في مدينة الرقة السورية. 
تبنى تنظيم "داعش" مسؤولية الهجوم المميت على السفارة الروسية في سبتمبر/أيلول 2022. ويعمل فرع من "داعش" أيضا في القوقاز، بما في ذلك الشيشان، حيث يحاول الانفصاليون منذ سنين تحدي الحكم الروسي على نحو عنيف. 
و"داعش- خراسان"، الجماعة التي أعلنت مسؤوليتها عن الهجوم الأخير في موسكو، أخذت اسمها من تسمية قديمة للمنطقة التي تشمل أجزاء من إيران وتركمانستان وأفغانستان. وهي جماعة ظهرت في الأصل شرقي أفغانستان أواخر عام 2014 وسرعان ما ذاعت شهرتها بسبب وحشيتها الشديدة. 
كما تتحمل الجماعة أيضا مسؤولية الهجوم على مطار كابول الدولي عام 2021، والذي أدى إلى مقتل 13 جنديا أميركيا وعشرات المدنيين في أثناء الفوضى التي صاحبت عملية إجلاء القوات الأميركية من البلاد. 
وقال الجنرال مايكل كوريلا، قائد القيادة المركزية الأميركية، للكونغرس، في مارس/آذار الماضي، إن تنظيم "داعش- خراسان" يطور بسرعة قدرته على شن "عمليات خارجية" في أوروبا وآسيا. وتوقع أن يتمكن التنظيم من مهاجمة المصالح الأميركية والغربية خارج أفغانستان "في أقل من ستة أشهر ودون سابق إنذار". 
ومن المؤكد أن السهولة التي نفذت بها المجموعة هجماتها القاتلة على قاعة الحفلات الموسيقية في موسكو تعني أن الكرملين لن يتمكن بعد الآن من تركيز كل موارده الاستخباراتية والأمنية على كسب الحرب في أوكرانيا فقط. 
ومن المؤكد أن أي انتصار يتمكن بوتين من تحقيقه في أوكرانيا سوف تتضاءل قيمته إلى حد كبير إذا جاء على حساب ترك الشعب الروسي عرضة لهجوم المتشددين الإسلاميين.
 

font change