بلاد ما بين المتصارعين

تبدو المنطقة بين طهران وتل أبيب وكأنها خالية من البشر والساسة

بلاد ما بين المتصارعين

منذ اللحظات الأولى للحرب على غزة تعيش المنطقة والعالم هاجس توسع رقعة الحرب، وبعد مضي أكثر من 6 أشهر على الحرب لم تتسع رقعتها بل اتسعت رقعة الفوضى والفلتان الذي تعيشه المنطقة. وعند كل حدث أمني أو خروج فريق من الأفرقاء عن قواعد الاشتباك المتفق عليها، يعود هاجس توسيع الحرب ليرتفع... دول تسحب رعاياها وأخرى تحذر، وتبقى شعوب هذه المنطقة بانتظار مصيرها.

مضى أسبوعان منذ أن ضربت إسرائيل مبنى ملاصقا للقنصلية الإيرانية في دمشق وقتلت عددا من قيادات "الحرس الثوري" أثناء اجتماعهم، ومنذ تلك اللحظة والعالم يترقب الرد الإيراني.

ارتفع منسوب الحذر من الانتقام الإيراني، حيث أعلنت مصادر إيرانية ووسطاء أميركيون وأوروبيون أن الرد الإيراني سيكون خلال 48 ساعة، ولكن أليس عنصر المباغتة من أهم عناصر الحروب والعمليات العسكرية؟

إيران تسيطر بالكامل على سوريا ولبنان، كما تسيطر على العراق، وتحاول جاهدة دخول الأردن

إن اغتيال القيادي في "الحرس الثوري" محمد رضا زاهدي ليس الاغتيال الأول الذي تنفذه إسرائيل بحق قيادات إيرانية، فقد سبق ووصل الموساد إلى داخل إيران واغتال شخصيات عديدة، وقد يكون أشهر هذه الاغتيالات هو اغتيال محسن فخري زاده، العالم النووي الإيراني، عام 2020.
ومع ذلك لم تحصل أي حرب مباشرة بين طهران وتل أبيب، ولطالما كانت حروب إيران مع إسرائيل من خلال الميليشيات التابعة لها، ومن خارج أراضيها، فما الذي تغير اليوم؟
لقد باتت إيران تسيطر بالكامل على سوريا ولبنان، كما تسيطر على العراق، وتحاول جاهدة دخول الأردن، وتسيطر من خلال "الحوثيين" على الممرات في البحر الأحمر، وتمشي بخطى واثقة لتكون دولة نووية، فهل يمكن القول إنها ستغامر بخسارة كل هذه "المكاسب" لمشروعها التوسعي وتدخل حربا مباشرة مع إسرائيل؟ 
في المقابل، لقد صار التهديد الإيراني لإسرائيل من أكثر من جهة وجبهة، حتى إن عملية "طوفان الأقصى" ما كانت لتتم بهذا الشكل لولا التأثير الإيراني والدعم لـ"حماس".

طهران لا ترسم سياساتها وفقا لما يريده الجمهور، فهي لا تقيم وزنا لحقوق الإيرانيين

ولذلك، حتى اللحظة، يبدو أن أكثر المتحمسين للرد الإيراني هو رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فإن كانت الولايات المتحدة قد بذلت جهدا كبيرا كوسيط بين إيران وإسرائيل منذ أكتوبر/تشرين الأول الفائت لمنع توسع رقعة الحرب، فإنه لم يعد بمقدور الرئيس الأميركي جو بايدن كبح جماح الجنون الإسرائيلي إن قامت إيران بأي رد لا تراه تل أبيب مقبولا ضد إسرائيل، كما أن بايدن نفسه لم يبذل جهدا كبيرا لكبح جماح إيران ولجم مشاريعها التخريبية والتوسعية في المنطقة.
تدرك إيران ذلك جيدا، فطهران لا ترسم سياساتها وفقا لما يريده الجمهور، فهي لا تقيم وزنا لحقوق الإيرانيين، لتدخل بهكذا مغامرة إرضاءً لآخرين أو حفظا لماء الوجه.
ولكن السؤال: إن قررت إيران الرد عبر وكلائها، وذهبت إلى ما هو أبعد من خطف سفينة أو رشقة من الصواريخ أو سرب من الطائرات المسيرة، فهل تتضمن الوساطة الأميركية بين الطرفين أي تل أبيب وطهران أن ينحصر الرد الإسرائيلي على الميليشيات الإيرانية ولا يصل إلى داخل إيران؟
في كلتا الحالتين تبدو هذه المنطقة الواقعة بين طهران وتل أبيب وكأنها أرض خالية من البشر والساسة، حلبة صراع بين دولتين توسعيتين، ومصير كل من فيها متعلق بالمبارزة الحاصلة بين الطرفين.

font change