أحمد المرسي: الرواية ديوان العرب الحديث

"مقامرة على شرف الليدي ميتسي" رشحت ضمن "البوكر"

Axel Rangel Garcia
Axel Rangel Garcia

أحمد المرسي: الرواية ديوان العرب الحديث

استطاع الروائي والصحافي المصري أحمد المرسي أن يثبت قوة تجربته منذ روايته الأولى، "ما تبقى من الشمس"، التي أصدرها عام 2020 وأهلته للحصول على المركز الثاني بجائزة ساويرس الثقافية، فئة الكتّاب الشباب. ومن ثم أصدر روايته الثانية بعنوان "مكتوب" عام 2021، والثالثة "مقامرة على شرف الليدي ميتسي" عام 2023 التي أوصلته إلى القائمة القصيرة في الجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر)، ليكون أصغر المترشحين. وهو ما تناغم كما يقول مع "أمله مثل أي مترشح بالمنافسة على الجائزة الأولى".

المرسي الذي ولد عام 1992. حاصل على بكالوريوس الإعلام من جامعة القاهرة، قسم الإذاعة والتلفزيون، ويعمل صحافيا ومُعدّ برامج، بالإضافة إلى عمله في عدد من الصحف المصرية والعربية، وما بين كل هذا يخصص وقتاَ لكتابة الرواية. هنا حوار معه.

بحث ودارسة

  • عامان من البحث والتفكر قبل أن تكتب روايتك المترشحة للجائزة العالمية للرواية العربية، "مقامرة على شرف الليدي ميتسي"، فكيف استثمرت نتائج أبحاثك في هذه الرواية التي بدأت مع جائحة كوفيد19؟

تحتاج الروايات التي تدور في فلك زمني مختلف إلى فترة طويلة من البحث والدراسة، ولذلك فكل رواية أكتبها اعتبرها رحلة، واستمتع بتجربة الدراسة والبحث، فهي مغامرة أخوضها أولا قبل أن يخوضها القارئ، فمع بحثي أشعر بأني مستكشف يقوم باكتشاف أرض جديدة، مثلي مثل هوارد كارتر عندما اكتشف مقبرة توت عنخ آمون وكان أول من يراها، أو كولومبوس عندما وطئ أميركا. لذلك فإن عملية البحث مرهقة وقريبة من قلبي في الوقت نفسه. بعد البحث، تأتي مرحلة الكتابة وفيها أترك الحرية لنفسي ووجداني ليخرج كل ما اختزنته في عقلي في الفترات السابقة.

  الرواية بيان أمل في وجه إحباطات العصر الحديث، و"روشتة علاج" لكل من فقدوا الأمل وعانوا من خيبات لم تكن بأيديهم

  • لماذا اخترت العودة إلى التاريخ في هذه الرواية، وهل عدت بفكرة مسبقة عن أن التاريخ يعيد نفسه؟

التاريخ هو تجربة تامة بكل نتائجها، يسهل علينا قياس وضعنا عليها، وتشابه الظروف في العصر الحالي مع ظروف الرواية دفعني إلى اللجوء للتاريخ للاستيضاح ولاستشراف المستقبل، فخرجت الرواية بهذا الشكل. لا أصنف الرواية كرواية تاريخية، لكنها رواية خيال تاريخي، فالتاريخ هنا لا يلعب دور محرك الأحداث، لكنه حي كاللحظة الراهنة، يتأثر به من يعيشونه بصورة غير مباشرة.

الأمنيات

  • طرحت في روايتك فكرة الأمنيات، فهل تعتبرها دعوة لمن لم يحقق أمنياته بأن يعمل بمسؤولية تجاهها؟

الرواية هي بيان أمل في وجه إحباطات العصر الحديث، فالعصر الذي نعيشه مليء بالخيبات، على الرغم من أنه أكثر العصور التي روجت للآمال الكبيرة، لذلك أعتبر الرواية "روشتة علاج" لكل من فقدوا الأمل وعانوا من خيبات لم تكن بأيديهم، وانكسروا، ففي الوقت الذي يجب أن نتحمل فيه مسؤولية اختياراتنا، يجب أيضا أن نتصالح مع فكرة إحباطنا وعدم وصولنا إلى ما نريده، ونفلته قبل أن نغرق به.

  • لماذا اخترت كتابة الرواية وهل بدأت بها بسهولة؟

 ما يحركني لكتابة الرواية هو السؤال، فأنا أكتب لمحاولة الإجابة عن سؤال يؤرقني أو يستفزني، وهواجس تأسرني، ثم أبني حول تلك الأسئلة عوالم كاملة، وأخلق شخصيات تتقاطع مصائرها، وتتفاعل مشاعرها بعضها مع بعض، تتنافر وتتزاوج، وتصبح الرواية في حالة مخاض، لولادة تلك الإجابة التي اعتقد أنها الأنسب إليّ. ولا أدعي أن روايتي يمكن أن تقدّم إجابة عن أي شيء، فمهمة الأدب ليست تقديم الإجابات بل إثارة التساؤلات، وأعتقد أن هذه سمة الرواية ككل في عصر ما بعد الحداثة.

  • ما التحضيرات التي تسبق كتابتك للرواية، ومتى تشعر بأنها تكتب نفسها وتدهشك بأحداث لم تكن قد خططت لها؟

- مرحلة الكتابة هي آخر المراحل، فتبدأ الرواية بفكرة وتساؤل كما قلنا، ثم أستغرق في تلك الفكرة، حتى تؤلمني، وتدفعني دفعا إلى كتابتها، تلي ذلك فترة طويلة من البحث الدؤوب، في عشرات المصادر والكتب، والغرق فيها ليالي طويلة، تصاحبني الموسيقى في تلك الفترة، أرى من خلالها الشخصيات نابضة حية، سعيدة مرة وحزينة أخرى، هادئة مرة وغاضبة أخرى، وتظل تلحّ عليّ لكي أخرجها إلى النور، فتكون مرحلة الكتابة، التي في العادة تمتد سنة أو أقل قليلا.

لا تدهشني الشخصيات بأفعالها أبدا، لأنها تكون قد أخبرتني حكايتها بالكامل قبل مرحلة الكتابة، فأنا لا أبدأ الكتابة إلا ومشهد النهاية في بالي. 

كفة الميزان

  • هل تعتقد أن الجوائز المخصصة للرواية ساهمت في التشجيع على كتابة هذا النوع الأدبي حتى أن بعض الشعراء اتجهوا لكتابة الرواية؟

أعتقد أن السؤال معكوس، فأنا أرى أن ازدهار فن الرواية في الفترة الأخيرة تسبب في زيادة الجوائز المتخصصة في هذا الفن. الرواية فن قديم، عمره أكثر من 150 سنة، وقد يراه البعض جديدا إذا ما قارنه بفنون أدبية أخرى كالمسرح والشعر على سبيل المثل، ولكنه أثبت وجوده منذ سنوات طويلة، وذلك بسبب إقبال الجمهور عليه. وببساطة لو لم يكن هناك إقبال جماهيري على هذا الفن لما وجدت جوائز له، وهذا الإقبال أظن أنه بسبب طبيعة العصر، فلكل عصر فنه، فإذا عدنا الى الوراء 200 سنة فسنجد أن المسرح كان أهم الفنون الأدبية وأكثرها انتشارا، وإذا عدنا ألف سنة فسنجد أن الشعر كان رب الأدب، حيث كتبت به الملاحم الشهيرة. والعالم العربي ليس استثناء، فكما يقولون أصبحت الرواية "ديوان العرب الحديث" من بعد الشعر.

الجوائز مهمة بكل تأكيد وقد ساهمت في تشكيل معايير محددة للرواية، ولكن لا أعتقد أن ازدهار الفن سببه الجوائز، العكس هو الصحيح.

  • سيكون لديك إصدار روائي جديد، محوره تقبل الآخر، هل هي رسالة سلام للناس؟

الرواية تتناول الآخر كمعادل لكفة الميزان، محاولة الوقوف ضد التفكير الأحادي، والانغلاق على النفس، ومحاولة لدفع الإنسان لتقبل غيره، والمخالف له في الأفكار والمعتقدات، فلنا أن نتصور الحياة من هذا المنطلق، وإلى أي مدى يمكن أن تتغير نظرتنا لأعدائنا إذا اقتربنا منهم بالشكل الكافي.

  • هل تختار لكل رواية تكتبها رسالة ما؟

ليست رسالة بالمعنى الشائع، ولكنها فكرة، أو سؤال يشغلني وأريد أن أنقل عدواه الى القارئ، تأتي دائما الفكرة ثم بعد ذلك تأتي الرواية، فأنا لا اختار الرواية ثم أختار فكرتها، ولكن الفكرة تأتي أولا ثم يأتي بعد ذلك الوسيط للتعبير عنها، فقد تكون جملة عابرة، أو قصة قصيرة، أو رواية.

التاريخ هنا لا يلعب دور محرك الأحداث، لكنه حي كاللحظة الراهنة، يتأثر به من يعيشونه بصورة غير مباشرة

  • أخيرا كيف تنظر إلى الحركة الإبداعية في مصر، وهل تعتبرها امتدادا لجيل المبدعين الرواد؟

لا يمكن أن أقول إن الحركة الإبداعية في مصر هي امتداد لجيل الرواد، فنحن نعرف أن الثقافة في مصر تعرضت لكبوات عبر تاريخها. لدينا كمثل، الرواية المصرية وما تعرضت له من أزمات في التسعينات، لكنها استعادت عافيتها مرة أخرى على مهل، وكان لدينا طوال العشرين عاما المنصرمة أزمة في فن القصة القصيرة، ولكن في السنوات الأخيرة أرى بشائر جيدة، ومحاولات لاستعادة ريادة فن القصة القصيرة.

الروائي والصحافي المصري أحمد المرسي

أعتقد أن الحركة الإبداعية في مصر تستعيد قوتها مرة أخرى، ومؤشرات ذلك كثيرة. فمصر اليوم تحتل وبحسب الإحصاءات العالمية المركز رقم 5 في معدلات القراءة، ولذلك أعتقد أن جيل الشباب الجديد جيل قارئ، وعلى الرغم من انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من وسائل الإلهاء في العصر الحالي ولكن لا يزال الشباب يقرأ بجدية وأكثر من أي جيل سابق، والشاهد على ذلك الازدحام الذي نراه كل عام في معارض الكتب، وعدد مبيعات الكتب المعرفية، الذي يكاد يوازي حجم مبيعات الروايات، التي بدورها سبقت أي حجم مبيعات للروايات قبل ذلك.

الحركة الإبداعية في مصر تستعيد عافيتها على مهل، وهي أفضل من السابق ولا شك، صحيح أنها لم تصل إلى ازدهار جيل الرواد كالأساتذة الكبار مثل توفيق الحكيم وعبد الرحمن الشرقاوي وفتحي غانم ونجيب محفوظ، ولكنها أفضل كثيرا من سنوات سابقة.

font change

مقالات ذات صلة