من يتحمل مسؤولية إغراق جنوب الجزائر بمهاجري دول الساحل؟

الوضع على الحدود مرشح للمزيد من التعقيد

أ ف ب
أ ف ب
عناصر من الهلال الأحمر الجزائري بين لاجئين وصلوا من النيجر إلى مركز مؤقت في تمانرسيت في جنوب الجزائر في 30 يونيو 2018

من يتحمل مسؤولية إغراق جنوب الجزائر بمهاجري دول الساحل؟

دخلت العلاقات بين الجزائر والنيجر أزمة دبلوماسية جديدة، بسبب ظاهرة الهجرة السرية التي ازداد عبؤها على كاهل الحكومة الجزائرية. فالبلاد اليوم تواجه لجوءا أكبر من ذلك الذي عرفته قبل نحو 10 سنوات من هذا التاريخ ويمكن حتى إطلاق وصف "النزوح الكثيف" على التدفق الكبير للمهاجرين غير الشرعيين على الحدود الجنوبية للجزائر.

وارتفعت هذه المرة نبرة الاتهامات والانتقادات الموجهة من طرف سلطات نيامي إلى الجزائر بسبب ملف ترحيل مهاجرين غير نظاميين في قرار يفتح صفحة جديدة من الأزمة بين البلدين الجارين.

وبعد يومين فقط من استدعاء سلطات نيامي لسفير الجزائر احتجاجا على ترحيل بعض مواطني النيجر المقيمين فوق التراب الجزائري بشكل غير قانوني، ردت الجزائر بالمثل وفق ما تقتضيه الأعراف الدبلوماسية، فاستدعت سفير النيجر لديها، أمينو مالام مانزو، واستقبل من طرف المديرة العامة لأفريقيا بالوزارة سلمى مليكة حدادي كرد فعل على ما قامت به السلطات النيجرية التي أوكلت مهمة استقبال السفير الجزائري للأمين العام لوزارة خارجيتها وهو ما يؤشر على تأزم الوضع وتفاقم حدة الاحتقان بين البلدين.

وبعيدا عن الأسباب التي نُسبت لها الأزمة هذه المرة، فإن موقف النيجر جاء ضمن سياق استثنائي تطبعه المواقف العدائية تجاه الجزائر على مستوى منطقة الساحل الأفريقي ويمكن هنا الإشارة إلى مواقف النخب العسكرية الجديدة في دول الساحل الأفريقي والمسنودة بفاعلين إقليميين ودوليين، فالوضع اليوم ليس مجرد "سحابة صيف عابرة" بل يبدو أنها خارطة الواقع الجديد.

شماعة لتغطية الأسباب الحقيقية

ويقول في هذا المضمار عبد الرفيق كشوط، الأستاذ المحاضر في العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة محمد الصديق بن يحيي في حديثه مع "المجلة" إن "العلاقات مع النيجر لا تبدو إطلاقا في أحس أحوالها، لا سيما مع الأزمة التي شهدتها هذه الأخيرة على الرغم من حسن النية الذي تعاملت به الجزائر تجاهها واعتبار الأمن والاستقرار في النيجر مهما للحفاظ على بقاء الدولة في هذه المنطقة المجاورة والحيلولة دون انهيارها. غير أن نيامي قابلت ذلك بنوع من عدم الرضا للوساطة الجزائرية.

ويعود ذلك إلى كثير من الأسباب أهمها ارتباط القادة الجدد بسياسات وأموال خارجية". فمسألة إعادة المهاجرين غير الشرعيين لبلدانهم واعتراض النيجر على ذلك وفق المحلل السياسي ليس إلا "شماعة للتغطية على الأسباب الحقيقية التي كانت وراء تشنج العلاقات مع الجزائر".

واللافت للانتباه أن "السلطات الجزائرية استعملت الإجراءات نفسها التي استعملتها سابقا لنقل المهاجرين، ولم تظهر سلطات نيامي حينها أي اعتراض، ثم إن إجراء نقل المهاجرين غير الشرعيين إلى بلدانهم هو إجراء سيادي تؤطره لوائح وقوانين الأمم المتحدة. وهنا طبعا للجزائر أسبابها ودوافعها للقيام بهذا الإجراء خاصة تلك المرتبطة بالجوانب الأمنية. فالهجرة السرية باتت تؤثر بشكل كبير على الاستقرار والسكينة الداخلية للجزائريين لأن البلاد تشهد تدفقات غير مسبوقة للمهاجرين السريين".

وتتطابق تصريحات المحلل السياسي مع ما أدلى به مسؤول في دائرة الهجرة بوزارة الداخلية الجزائرية السابق حسان قاسمي للإذاعة الحكومية، إذ حذر من وجود "مخطط لإغراق جنوب الجزائر بالمهاجرين".

إن إجراء نقل المهاجرين غير الشرعيين إلى بلدانهم هو إجراء سيادي تؤطره لوائح وقوانين الأمم المتحدة

ويوصف هذا المخطط بالمخطط "الماكر" الذي يستهدف حاليا تغيير التركيبة الديموغرافية للمدن الحدودية الواقعة في الجنوب الكبير، ولذلك دعا المسؤول إلى "التحرك بسرعة لإحباط هذه السيناريوهات التي يجري التحضير لها في غرف مظلمة من قبل دوائر ودول تكن العداء للجزائر"، وتكشف تفاصيل المخطط حسب تصريحات المسؤول الحكومي السابق عن "سعي جهات أجنبية لنقل 8 ملايين مهاجر من جنوب الصحراء إلى شمال البلاد". 
وتطرق المسؤول للحديث عن عائدات عمليات التهريب استنادا للإحصائيات الصادرة عن المنظمات الدولية المتابعة لنشاط الشبكات المختصة في تهريب المهاجرين بالقارة السمراء. وقال إنها "تفوق المليار دولار سنويا، ما يجعلها تفوق أحيانا الأرباح الناجمة عن تجارة وتهريب المخدرات". 
والأمر الخطير في الملف وفق قاسمي هو "العلاقة التي تربط هذه الشبكات الإجرامية بدوائر قوية وذات نفوذ ضمن السلطات المنبثقة عن الانقلاب العسكري في النيجر، وهو ما يؤكد تعليق العمل بقانون مكافحة العصابات الإجرامية الناشطة في مجال تهريب المهاجرين". 

أ ف ب
مؤيدون لـ"مجلس الإنقاذ الوطني" في النيجر يرفعون أعلام مالي وبوركينا فاسو والجزائر والنيجر وروسيا أثناء تجمع في العاصمة نيامي في 26 أغسطس 2023

ولهذا الغرض اقترح المسؤول السابق في دائرة الهجرة بوزارة الداخلية الجزائرية "إعداد مشروع قانون لمكافحة شبكات الإتجار وتهريب المهاجرين وعرضه على غرفتي البرلمان الجزائري للمصادقة عليه، تماشيا وانسجاما مع الاتفاقات الدولية المتعارف عليها، وأبرزها "اتفاق باليرمو"، مشددا على ضرورة قيام الجزائر بمضاعفة مراكز ونقاط المراقبة على الحدود مع كل من النيجر ومالي قصد الحد من نشاط هذه العصابات ودرء الأخطار عن البلاد وتكثيف التعاون والتنسيق بين قوات الجيش وأفراد الدرك الوطني وحرس الحدود.

خطة "مدمرة" ضد الجزائر 

وقبل نزوله ضيفا على الإذاعة الحكومية، نشر المسؤول السابق بوزارة الداخلية الجزائرية حسان قاسمي، منشورا على حسابه بموقع "فيسبوك" كشف فيه استنادا على معطيات يحوزها أن "سلطات نيامي حولت قصدا أغاديس (أكبر مدينة في شمال النيجر) إلى مركز للهجرة يمر من خلاله أكثر من 500 ألف مهاجر سنويا باتجاه ليبيا والجزائر وتونس"، ووصف هذه الخطة بـ"المدمرة" وتلقب بـ"كاليرجي"، ويكمن هدفها في نقل ثمانية ملايين مهاجر من جنوب الصحراء إلى البلاد المذكورة بغرض تحويلها إلى مأوى لأعراق جديدة وجعل السكان في جنوب البلاد أقلية، مثلما حدث في السودان وليبيا ومالي، ما يدفع نحو صراعات عنصرية وإثنية دامية.

إقدمت السلطات العسكرية في النيجر على إلغاء قانون تجريم تهريب الأشخاص عبر الحدود مما أدى إلى عبور أعداد كبيرة من المهاجرين غير النظاميين

وأكد قاسمي، في المنشور الذي جاء تحت عنوان "النيجر أو مملكة الإتجار بالمهاجرين والإتجار بالبشر"، أن "سلطات نيامي ألغت قانون عام 2015 الذي يجرّم تجارة المهاجرين"، معتبرا أن هذا الإجراء انتهاك لـ"اتفاق باليرمو" عام 2000، بما في ذلك بروتوكولاته الإضافية الخاصة بمكافحة التجارة بالمهاجرين والإتجار بالبشر.

تهديد أمني متعدد الأوجه 

وتؤيده في الرأي الدكتورة سعيدة سلامة، أستاذة العلوم السياسية والعلاقات الدولية والمتخصصة والباحثة في الشؤون الأفريقية، وتقول في حديثها لـ"المجلة" إن "الجزائر تواجه اليوم تحديات كبيرة على حدودها الجنوبية والتي أصبحت تشكل مساحات غير آمنة استفحلت فيها عدة مظاهر خطيرة أبرزها الانقلابات العسكرية، والجريمة المنظمة وأخيرا الهجرة غير النظامية". 
ويبدو أن الوضع على الحدود عموما مرشح للمزيد من التعقيد وفق الدكتورة سعيدة سلامة، بسبب إقدام السلطات العسكرية في النيجر على إلغاء قانون تجريم تهريب الأشخاص عبر الحدود مما أدى إلى عبور أعداد كبيرة من المهاجرين غير النظاميين، الأمر الذي شكل عبئا ثقيلا على الجزائر ووضعها أمام مسؤولية كبيرة تملصت منها جميع الأطراف باعتبار أنها قد تحولت من منطقة عبور إلى فضاء للاستقرار وبأعداد هائلة ومثقلة بالكثير من التهديدات". 
ورغم هذا، تقول الباحثة في الشؤون الأفريقية إن "السلطات الجزائرية تسعى جاهدة لاحتواء الأوضاع وإيجاد الحلول التي تراها مناسبة للحد من هذه الظواهر من خلال مبادراتها المتعددة المستويات (دبلوماسيا، وأمنيا، وتنمويا) وبكل الوسائل المتاحة، ولعل أبرز ما يمكن ذكره في هذا السياق هو المبادرة السياسية للمصالحة الوطنية عقب الانقلاب في النيجر، إضافة إلى محاولاتها الدائمة لتسوية الأوضاع عن طريق تقريب وجهات النظر بين الفرقاء ما دفع بهيئة الأمم المتحدة إلى مطالبة الجزائر بالتنسيق من أجل المصالحة وتسوية الأوضاع بينهم والوضع ذاته ينطبق على ما يحدث في مالي". 
لكن قوبلت هذه الجهود بالرفض، حسب الدكتورة سعيدة سلامة، من خلال اتخاذ مواقف صدامية مع الجزائر بدرجات متفاوتة الأمر الذي يستدعي وضع الكثير من علامات الاستفهام حول الأسباب التي دفعت إلى هذه التغييرات المفاجئة في المواقف وتحولها إلى مواقف عدائية لأسباب واهية لا يمكن وصفها إلا بأنها مجرد افتراءات تحمل بوادر حملة مغرضة تغذيها أطراف خارجية تريد تعكير العلاقات الودية بين البلدين و تستعمل ورقة اللاجئين من أجل زعزعة الاستقرار وإفشال المبادرات الجادة التي تقودها الجزائر من أجل الخروج بحلول لمشكلات القارة الأفريقية.

font change

مقالات ذات صلة