أزمة غزة على مفترق طرق

الوقت ينفد... والمدنيون يدفعون الثمن

أ.ف.ب
أ.ف.ب
فلسطينيون يقفون بالقرب من ثقب في سقف غرفة متضررة بشدة جراء قصف إسرائيلي في مدرسة تديرها وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة، في 7 مايو 2024

أزمة غزة على مفترق طرق

ينصبّ التركيز في هذه المرحلة من أزمة غزة على أي الاحتمالين سيكون طريق المستقبل: التوصل إلى وقف لإطلاق النار أم توسيع الجيش نطاق عمليته الراهنة في رفح، بعد الاقتصار لعدة أيام على الغارات الجوية والقصف المدفعي؟

وقبل بدء عملية رفح التي تقول إسرائيل إنها "محدودة"، تكثفت الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة ومصر وقطر ودول أخرى للتوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة، في صفقة تجمع بين وقف إطلاق نار لمدة محددة، وإطلاق سراح الرهائن والأسرى الفلسطينيين والسماح بدخول المساعدات الإنسانية. إلا أن التصريحات المتضاربة تزيد من الارتباك.

وبعد أن بدأ الجيش الإسرائيلي إلقاء منشوراته المعتادة التي تعد أحد الملامح الرئيسة لعملية برية منذ إعلان الحرب في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، فضلا عن استمرار القصف لمناطق سكنية مأهولة بالمدنيين، خرجت "حماس" لتعلن قبولها مقترحا مصريا- قطريا لوقف إطلاق النار، إلا أن مجلس وزراء الحرب الإسرائيلي أكد أن الاتفاق مختلف عن ذلك الذي وافق عليه المفاوضون الإسرائيليون.

من جانبه، قال وزير الخارجية الأميركي بلينكن، خلال زيارته الأخيرة للمنطقة، إن "إسرائيل عرضت وقف إطلاق نار سخيا للغاية"، معربا عن أمله في أن تقبل "حماس" بذلك العرض. إلا أن رئيس الوزراء نتنياهو أعلن أن العملية العسكرية لتدمير "حماس" ستستمر، حتى لو جرى التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

وعلى الرغم من تفوقها التكنولوجي وقوتها النارية العالية، فمن غير المرجح أن تحقق إسرائيل هدفها الأقصى، لكن نتنياهو يحاول إثبات قدرته على إدارة الأزمة وهزيمة أعداء إسرائيل. ويتعرض رئيس الوزراء نتنياهو أيضا لضغوط من شركائه اليمينيين المتطرفين والحريديم الذين هددوا بالانسحاب من الائتلاف إذا تابع باتجاه الاتفاق على وقف إطلاق النار.

أما المجتمع الدولي فيرى في غالبيته أن السلام الدائم لا يمكن تحقيقه إلا من خلال حل الدولتين، غير أن هذا الحل ما زال يواجه الكثير من العقبات، حيث يشكل الاستقطاب داخل المجتمعين الفلسطيني والإسرائيلي مشكلة كبيرة.

بينما تتواصل مأساة غزة ومعاناة الشعب الفلسطيني، فإن "فتح" و"حماس" لا تزالان غير قادرتين على الوصول إلى المصالحة والتوافق

وثمة صراع آخر لا يقل عمقا عن الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، هو ذلك الذي يفرق بين "فتح" و"حماس". وبينما تتواصل مأساة غزة ومعاناة الشعب الفلسطيني، فإن الطرفين الفلسطينيين لا يزالان غير قادرين على الوصول إلى المصالحة والتوافق. وعلى الرغم من لقاء الطرفين في موسكو في فبراير/شباط الماضي وبعدها في بكين، إلا أنهما لم ينجحا بعد في حل خلافاتهما وتحقيق موقف مشترك.

وفي إسرائيل هناك أيضا صدع عميق بين معسكر اليمين المتطرف والحريديم، والمعسكر المعتدل العلماني الليبرالي. إذ تكشف احتجاجات الإسرائيليين المناهضين لنتنياهو، والتي تطالب بإنهاء العملية وإطلاق سراح الرهائن في غزة، عن الانقسامات في المجتمع الإسرائيلي. كما يشعر كثير من الإسرائيليين بالقلق إزاء وضع الاقتصاد القوي الذي على الرغم من عدم تأثره بالأزمة بشكل كبير حتى الآن، فإن وضعه قد يتغير إذا طال أمد الصراع وتوسع.

وعلى الرغم من تركز الأزمة في غزة، فإن الوضع في الضفة الغربية متوتر للغاية أيضا. إذ يواصل نحو 750 ألف مستوطن يهودي يعيشون في مستوطنات غير قانونية في الضفة الغربية والقدس الشرقية أعمالهم الاستفزازية وهجماتهم على الفلسطينيين، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى تصعيد الوضع إلى مستوى أخطر بكثير.

وأثارت العملية العسكرية التي شنتها إسرائيل وأودت بحياة أكثر من 35 ألف فلسطيني حتى الآن، ردود فعل حتى في الدول الداعمة لإسرائيل، ورُفعت ضدها قضايا إبادة جماعية في المحاكم الدولية.

وأفادت تقارير بأن المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي تدرس بجدية شديدة إمكانية إصدار مذكرات اعتقال دولية بحق مسؤولين إسرائيليين رفيعي المستوى، بما في ذلك رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.

الأيدولوجيا الانعزالية

الرئيس بايدن، من جانبه، يقع في مأزق لا يحسد عليه في هذه المرحلة الحرجة التي تسبق الانتخابات الرئاسية الهامة في الولايات المتحدة، والتي من المقرر أن تجرى في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل. إذ يواجه الرئيس تحديات متعددة في ظل تفاقم الأزمة في قطاع غزة، وتتنوع هذه التحديات بين أعمال الشغب في الحرم الجامعي ومحاولات منع الحوثيين من استهداف السفن التي تعبر مضيق باب المندب.

رويترز
جنود إسرائيليون على متن دبابة، بالقرب من الحدود بين إسرائيل وغزة، 6 مايو 2024

وكانت الولايات المتحدة قد أعربت عن خيبة أملها إزاء سلوك نتنياهو في الهجوم على غزة بطرق مختلفة، بما في ذلك الامتناع عن التصويت في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وفرض عقوبات على المستوطنين اليهود الذين يهاجمون الفلسطينيين. ومع ذلك، فهي تواصل سياستها التقليدية في الانحياز بقوة إلى إسرائيل. فقبل بضعة أيام فقط، وافق الكونغرس على منح مساعدات عسكرية بقيمة 26.4 مليار دولار لإسرائيل.

أما إيران، فتشكل بخطاباتها وأفعالها القوية عاملا مهما آخر في المعادلة الإقليمية. حيث كان للجولة الأخيرة من الهجمات الانتقامية بين إيران وإسرائيل أهمية كبيرة، كونها المرة الأولى التي يستهدف فيها الطرفان بعضهما البعض بشكل علني ومباشر بهذه الكثافة، مما أدى إلى تغيير قواعد الاشتباك بينهما.

يشعر كثير من دول المنطقة والعالم بالاستياء من منظمة "حماس" بسبب أيديولوجيتها الإخوانية الانعزالية، التي تعطي أولوية لمصلحة الجماعة على حساب المصلحة العامة

ومنذ إعلان إيران نيتها استهداف إسرائيل، جرى تدمير 99 في المئة من مركباتها الهجومية خارج الأراضي الإسرائيلية. ولكن، يبقى الكابوس الأسوأ هو احتمال تجهيز إيران لهذه المركبات الهجومية بأسلحة دمار شامل في أي أزمة مماثلة مقبلة.

ويشعر كثير من دول المنطقة والعالم بالاستياء من منظمة "حماس" بسبب أيديولوجيتها الإخوانية الانعزالية، التي تعطي أولوية لمصلحة الجماعة على حساب المصلحة العامة، فضلا عن أن سياساتها لا تتسق مع النظام العالمي وناموسه، وكذلك علاقاتها مع إيران. ويعتبرها كثيرون منظمة إرهابية أظهرت وجهها الحقيقي خلال هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول.

إلا أن تركيا تختلف عن هذه الدول، حيث إن الرئيس رجب طيب أردوغان لا يعتبر "حماس" منظمة إرهابية بل منظمة مقاومة، إذ استقبل الرئيس أردوغان مؤخرا رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية والوفد المرافق له في تركيا كضيوف بارزين، في رسالة سياسية على ما يبدو، للاعتراف بها كمفاوض شرعي.

وصرح وزير الخارجية التركي هاكان فيدان أنه بمجرد إنشاء دولة فلسطينية داخل حدود 1967، فلن تكون هناك حاجة للجناح العسكري لـ"حماس"، وأن الحركة ستستمر في الوجود كحركة سياسية فقط. إلا أن موقف تركيا من "حماس" قد يكون له أثر سلبي، ليس فقط على علاقتها بإسرائيل، كما هو الحال الآن، بل أيضا على علاقاتها بالولايات المتحدة وبعض الدول العربية.  

ويبدو أنه لا نهاية قريبة للعنف في غزة، وأنه من المستحيل تحقيق أي تقدم في حل القضية الفلسطينية.  ولكن، في الماضي، عندما سادت مشاعر مماثلة، التقت إسرائيل والدول العربية في منصات معينة وتمكنوا من تحقيق تقدم ملموس.

إن استعادة زمام المبادرة من المتطرفين على الجانبين، وإظهار الإرادة لتمهيد الطريق نحو تأسيس الدولة الفلسطينية، فضلا عن المشاركة المتوازنة والعادلة من جانب الولايات المتحدة، هي خطوة أساسية مطلوبة للوصول إلى الطريق الصحيح للسير نحو الأمام.

font change

مقالات ذات صلة