ويفصّل تحليله عبر "المجلة"، مستندا إلى "إسقاط الحق الشخصي الممكن قانونا، والذي يتمّ غالبا بعد تعرض الضحايا أو أهاليهم لتهديدات وضغوط أو لقاء بدل مادي تُغرى به الأسر الفقيرة. والنتيجة أنّ القاتل في لبنان قد يطلق سراحه بعد 6 أشهر من السجن فقط. كما يحظى متهمون بجرائم قتل بتخليات سبيل، فتجري محاكمتهم وهم خارج السجن، بينما يقبع في السجون موقوفون دون محاكمات إن لم يتمتعوا بدعم سياسي، وهذا ما يرسّخ الشعور الجماعي اليوم بأنّ 'الشاطر ينجو'، وبتنا نسمع دعوات الأمن الذاتي، ونشاهد مسيرات المجموعات المسلحة التي تجوب الشوارع، مثل 'جنود الرب' وغيرهم من الجماعات التي تسوّغ مظاهر السلاح تحت شعارات اجتماعية وسياسية مختلفة".
ويضيف الأسمر "استسهال المشرع اللبناني إقرار قوانين العفو العام عموما، ومنها إقراره بعد انتهاء الحرب، فلم يحاسب مرتكبو آلاف جرائم القتل والاغتصاب و17000 مخفيّ قسرا. ويضاف قانون عفو عام شمل المحكومين بقضايا المخدرات في تسويات تستهدف فئات محددة من الشعب اللبناني. كما يلاحظ تجهيل القاتل أو اختفاؤه في مختلف أنواع الجرائم السياسية منذ العام 1990".
ويشير الناشط الحقوقي إلى أنّ اللاجئين السوريين الذين لا يتمتعون بالاقامات بسبب تقاعس الأمن العام عن إصدارها، لا يبلغون عن مختلف الاعتداءات التي يتعرضون لها. وتضاف إلى الفئات الأكثر تضررا العاملات الأجنبيات اللواتي يتعرضن للعنف، فيرفع عليهن الكفلاء دعاوى سرقة ويجري ترحيلهن من لبنان.
ونتيجة هذه الممارسات، يلاحِظ غياب المثابرة على تطبيق القوانين، "وأبسط مثال هو فرض وضع حزام الأمان في السيارات بقرار من وزير الداخليات الأسبق زياد بارود، تحت طائلة الغرامة المالية. بعد انتهاء ولاية بارود لم يعد اللبنانيون يضعون أحزمة الأمان".
الانهيار والعدالة المؤجلة
إلى جانب اختلال منظومة القوانين، يلفت وديع الأسمر إلى انهيار المؤسسات القضائية، "وهو مواز للانهيار الاقتصادي الذي انهارت بسببه معاشات القضاة وإن تمّ تحسينها ولكن ليس بصورة كافية، إلى جانب انهيار موارد كل الجسم البشري العامل في القضاء والذي كان عاجزا لسنوات عن تأمين وصوله إلى المكاتب، وعدم وجود الحد الأدنى من متطلبات بيئة العمل من كهرباء وأوراق وغيرها في قصر العدل. كل هذه العوامل ساهمت في تأخّر المحاكمات القضائية".
قاعة محكمة فارغة في قصر العدل اللبناني في بيروت في 30 أغسطس 2022
ويأسف الأسمر لـ "انهيار التوازن والممارسات العادلة بين التوقيف والمحاكمات. في العام 2018-2019، تعادل عدد الموقوفين والمحكومين في السجون اللبنانية تقريبا، وهي نسبة مقبولة دوليا. في حين تظهر أرقام مديرية السجون في وزارة العدل الأخيرة في عام 2024 أن السجون تضم 6528 سجينا، والرقم في المناسبة ليس مخيفا نسبة إلى عدد السكان في لبنان البالغ نحو 6 ملايين. المشكلة هي أن 80% من هؤلاء السجناء ينتظرون المحاكمات، والعدالة المؤجلة ليست عدالة".
يتابع: "الإدارة العامة في لبنان ليست محايدة ولم تكن يوما حريصة على العدالة من مبدأ الفصل بين السلطات. للتدخلات السياسية والطائفية اليد الأبرز في معاملة اللبنانيين كتابعين سياسيين، عوضا عن معاملتهم كأفراد يتمتعون بحقوقهم الإنسانية، وهذا تأطير للدولة المفككة التي يجسدها لبنان منذ الاستقلال، والانهيار الأخير سرّع هذا التفكك. علينا ألا ننسى أن الأحزاب السياسيّة تلجأ اليوم إلى التعويض عن قلة المال السياسي من خلال تكثيف تدخّلاتها في الملفات القضائية لكسب مؤيدين والحفاظ على رصيدها الشعبي".
أهمية التبليغ: قصة روان
لا تزال مسارات العدالة في لبنان تضيق وتذوي، ويتشاطر اللبنانيون اليأس في الوصول إلى حقوقهم، لا سيما في قضايا الأطفال التي لا تنطوي على مصالح سياسيّة، في بلد تفصل قوانينه الطوائف، وتحدد معايير المواطنة والمسموح والممنوع في مختلف جوانب المجتمع.
تقرّ المحامية ميساء شندر باستعصاء الواقع، لكن الأهالي يجب ألا يتخلّوا عن دورهم في متابعة شؤون أطفالهم وتصديقهم وحمايتهم والتبليغ عن الاعتداءات التي يتعرضون لها دون الخوف من تعيير المجتمع أو الشعور بالعجز بسبب الأداء القضائي.
وتستند ملاحظتها إلى أنّها تسدي يوميا استشارات قانونية حول اعتداءات تطاول الأطفال، غير أن الملفات التي رفعتها رسميا للمتابعة لا تتعدى 7 ملفات خلال العامين الماضيين، ومن بين هذه القضايا تستعرض قصة نجاح ملف الطفلة روان.