المساعدات الأميركية المجمّدة: مصير مجهول يحاصر مئات الطلاب

محاولات لاحتواء الموقف في ظل غياب البدائل

AFP
AFP
بهو مقر USAID في واشنطن

المساعدات الأميركية المجمّدة: مصير مجهول يحاصر مئات الطلاب

لا يزال قرار إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب تجميد برامج الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) لمدة 90 يوما، باستثناء برامج الغذاء الإنسانية والمساعدات العسكرية لإسرائيل ومصر، يلقي بآثاره السلبية على آلاف المستفيدين في المنطقة العربية. ومن بين هؤلاء، يشكل مئات الطلاب الجامعيين من مصر ولبنان شريحة بارزة، حيث نفذت الوكالة مشاريع عدة في البلدين شملت منحا أكاديمية لطلاب يتميزون بالتفوق الأكاديمي والطموح والمبادرة المجتمعية.

وفي مقابل انفراجة جزئية شهدتها مصر، مع إصدار وزارة التربية والتعليم العالي قرارات لصالح عدد كبير من الطلاب المصريين، فإن أقرانهم اللبنانيين لم يحظوا بعد بتدابير حكومية، وبقي القرار مرهونا بإدارات الجامعة، مع تحفظها عن إطلاق مواقف علنية.

مصر: أزمة الجامعة الأميركية

تعمل "الوكالة الأميركية للتنمية الدولية" في مصر منذ أربعة عقود، قدمت خلالها مساعدات بقيمة 30 مليار دولار، وفقا للموقع الرسمي للوكالة، شملت قطاعات الصحة والحوكمة والاقتصاد والتعليم. وفي مجال التعليم، وفرت الوكالة منحا دراسية مجانية للطلاب المصريين للدراسة في 13 جامعة بمصر. ويستفيد اليوم من هذه المنحة 1077 طالبا حتى انتهاء الفصل الدراسي الثاني الذي انطلق مطلع فبراير/ شباط، منهم 877 طالبا في الجامعات الحكومية والخاصة والأهلية، و200 طالب في الجامعة الأميركية بالقاهرة.

تفاعلت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي المصرية مع القرار الأميركي، وقررت، عقب اجتماع طارئ للمجلس الأعلى للجامعات، مساعدة طلاب المنح في الجامعات المصرية كافة، الحكومية منها والخاصة والأهلية، من خلال التزام هذه الجامعات المصاريف الدراسية التي كانت تخصصها الوكالة الأميركية حتى انتهاء الفصل الدراسي الثاني.

وأعلنت جامعة عين شمس، في بيان رسمي، استمرار تقديم "الدعم الأكاديمي والإقامة بالمدن الجامعية بالمستوى نفسه الذي اعتاده الطلاب"، بشرط التزام المعايير الأكاديمية والانضباط. أما الجامعة الأميركية بالقاهرة، فأعلنت تغطيتها الطلاب المسجلين بالمنحة خلال الفصل الدراسي الثاني.

لا تقتصر المساعدات على تسديد الأقساط الجامعية، بل تشمل مصاريف السكن والمصاريف الشهرية مثل بطاقات الإنترنت

يتحدث لـ"المجلة" طالب مستفيد من منحة الجامعة الأميركية بالقاهرة عن التباسات تحيط بهذا القرار: "لم يتضح إن كانت تغطية الدراسة ستشمل تقديمات المنحة نفسها، فهي لا تقتصر على تسديد الأقساط الجامعية، بل تشمل مصاريف السكن والمصاريف الشهرية مثل بطاقات الإنترنت لإتمام بعض الوحدات التعليمية إلكترونيا، كما لا نعلم إن كانت الجامعة ستتحمل مصاريفنا الى حين انتهاء دراستنا، في حال قررت أميركا الرجوع بشكل نهائي عن المنح".

AFP
علم خارج مقر الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) في واشنطن

أما الطالبة ميار محمد الطيباني، وهي متخرجة دفعة 2024 في الثانوية العامة، فتعد من بين الطلاب الذين تتركز عندهم أزمة هذا القرار، إذ لم يحظوا بأي بديل حتى الآن. فبعد عملية طويلة من الاختبارات والتكليفات والمقابلات، خوّلتها منحة USAID التسجيل في كلية فيزياء الطاقة الشمسية في الجامعة الأميركية بالقاهرة. لكن، لم تكد تبدأ رحلتها الدراسية حتى تحطمت آمالها التي سعت الى تحقيقها بكل عزيمة وجدارة.

تعلّق ميار لـ"المجلة": "إن قرار وزارة التعليم يشمل جميع طلاب الجامعة الأميركية، لكن فوجئنا بأن الإدارة وجهته فقط للطلاب في السنوات الثانية والثالثة والرابعة والخامسة. أما نحن، الوافدين الجدد، الذين خضعنا لفصل إلزامي في اللغة الإنكليزية وأتممنا السنة التحضيرية المعروفة بـ 'Bridge Year'، فلم نستفد من مساعدة الجامعة. والمفترض أن نلتحق بفصولنا الدراسية منذ 2 فبراير، وعددنا يتجاوز 110 طلاب".

وقبل نحو أسبوعين، حزمت ميار أمتعتها لتعود إلى منزلها في محافظة دمياط، بعد أن استنفدت مع زملائها جميع وسائل التواصل مع الهيئات الطالبية والمكاتب المعنية بالمنح داخل الجامعة. فقد كان القرار حاسما وغير قابل للاستثناء. تقول الطالبة: "وُضعنا أمام خيارين وفق البريد الإلكتروني: إما أن نستكمل الأقساط الجامعية على نفقاتنا الخاصة، وهو أمر مستحيل بالنسبة إلينا، أو أن نبحث عن بدائل أخرى، وهذا مسار مبهم وصعب أن نجد جهة أو أشخاصا لتكفل تعليمنا".

AFP
انتقادات تطال إيلون ماسك

صدم طلاب الجامعة الأميركية بالقاهرة بالقرار، وعبّروا عن ذلك عبر تناقل صور الحقائب والصناديق المحزومة على عجل في أروقة السكن الطالبي، وقد مهروها بهاشتاغات توحّد أصواتهم في الحملات الإلكترونية.

صدم طلاب الجامعة الأميركية بالقاهرة بالقرار، وعبّروا عن ذلك عبر تناقل صور الحقائب والصناديق المحزومة على عجل في أروقة السكن الطالبي

وتروي ميار أنهم تبلغوا القرار يوم الأحد 26 يناير/ كانون الثاني، قائلة: "كنا في مخيم بداخل حرم الجامعة مع طلاب من بقية الجامعات، نتدرب على مهارات حياتية ضمن برنامج تابع للمنحة. واستقطع اليوم التدريبي ليجمعونا في قاعة أخرى، حيث أبلغنا المنظمون قرار الادارة الأميركية، وطلبوا من الطلاب غير المسجلين في جامعتنا العودة إلى فنادقهم. وفي اليوم التالي، تلقينا إيميلات تطلب منا الإخلاء الفوري للسكن الطالبي".

لبنان: حذر وإجراءات صامتة

أما في لبنان، فيتفاعل نقاش موسع حول الضرر اللاحق بالمنظمات غير الحكومية ومشاريعها والعاملين فيها، يقابله حرص لعدم إثارة أي موقف مطلبي أو الإفصاح عن إجراءات بديلة في خصوص المنح الجامعية.

AFP
أشخاص يصطفون لاستلام مساعدات من USAID في بورت أو برنس

تفصيلا للمشهد، تحتفظ وزارة التربية والتعليم العالي في لبنان بالنأي عن التدخل في شؤون الجامعات الخاصة وعلاقتها بالممولين، بينما تشترك الجامعات بوضعية متحفظة وحذرة. فلم تنشر أي بيان رسمي، ولم تشهد الفضاءات العامة حراكات طالبية، علما أن الأزمة تطال اليوم 500 طالب مستفيد في لبنان، بين لبنانيين ولاجئين وعرب، بحسب المنصات الرسمية لوكالة USAID في لبنان، وهم موزعون على جامعات خاصة عريقة، أهمها الجامعة الأميركية في بيروت (AUB) والجامعة اللبنانية الأميركية (LAU)، وأيضا جامعتا هايكازيان، وسيدة اللويزة التي احتفت أخيرا بانضمام 123 طالبا مستفيدا من منحة الوكالة الأميركية.

وفي واجهة إعلامية توحي بمسار طبيعي، لم تمح السفارة الأميركية في لبنان عن موقعها الرسمي الدعوة للتقدم إلى برنامج المنح الدراسية للتعليم العالي (HES) التابع لـUSAID، للسنة الأكاديمية 2024-2025، وهي ممنوحة في الجامعة الأميركية في بيروت والجامعة اللبنانية الأميركية، والتسجيل سارٍ لمهلة أقصاها 3 مارس/ آذار المقبل. وبحسب الوكالة، قدمت المنح الدراسية منذ 2010 لأكثر من 2000 مستفيد/ة في لبنان، وبقيمة 200 مليون دولار أميركي، وتشمل الرسوم الجامعية، والسكن، والكتب، واللابتوب، والمصاريف والمواصلات، مما يعني أن حرمان الطلاب أيا من هذه المكونات سيشكل تهديدا لمساره التعليمي ومستقبله المهني.

AFP
عمال يفرغون أكياسا من سفن أميركية تحمل مساعدات إنسانية مقدمة من USAID

الجامعة الأميركية في بيروت

تواصلت "المجلة" مع الدكتور سيمون كشر، مدير مكتب التواصل والإعلام في الجامعة الأميركية في بيروت والناطق الرسمي باسمها، فكان الرد "أن المسألة شديدة الدقة، ولهذا السبب نتوخى عدم الإدلاء بأي موقف للإعلام حفاظا على مصلحة الطلاب، وقد أبلغناهم رسالة إلكترونية لاحتواء الأزمة وطمأنتهم، ولكننا في هذه الفترة نتحفظ عن أي تصريح رسمي".

تحتفظ وزارة التربية والتعليم العالي في لبنان بالنأي عن التدخل في شؤون الجامعات الخاصة وعلاقتها بالممولين، بينما تشترك الجامعات بوضعية متحفظة وحذرة

وفي اتصال مع طالب في الجامعة الأميركية في بيروت، مستفيد من منحة أميركية، يقول إن إدارة الجامعة تعاملت باحتواء وتعاطف مع الطلاب، فبعد إبلاغهم بالقرار عبر البريد الإلكتروني، وتأكيد الحرص على التكتم، التقى الطلاب المستفيدون من المنحة رئيس الجامعة الأميركية في بيروت فضلو خوري، الذي أعلن أن الجامعة ستغطي كامل رسوم التعليم والمصاريف ضمن الـ90 يوما التي تشهد تجميد المنحة.

لكن قلقا كبيرا لا يزال يساور الطالب "إن الجامعة كما يتضح ستغطي 90 يوما، ما يوافق نهاية فصل الربيع، أي نهاية العام الأكاديمي 2024-2025، وهذا عهد الجامعة التي احتوت أزمة مماثلة في السابق مع طلاب مبادرة الشراكة الأميركية الشرق أوسطية (MEPI). لكنني وزملائي نتشارك الشعور بأن مصيرنا معلق في السنوات اللاحقة، خصوصا أن غالبيتنا يتحدر من أسر ذات دخل محدود ومناطق نائية. والدي مثلا موظف حكومي يتقاضى 300 دولار راتبا شهريا، وأنا لا أزال في السنة الجامعية الثانية، كيف أستطيع تغطية دراستي الجامعية ومصاريفها إن حرمنا نهائيا من المنحة؟".

AFP
الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID)

الجامعة اللبنانية الأميركية

وفي سياق المتابعة، أجرت "المجلة" اتصالا مع الدكتورة إليز سالم، نائبة الرئيس لشؤون تطوير الطلاب وإدارة التسجيل في الجامعة اللبنانية الأميركية، وحافظت سالم على تمنع الجامعة عن الادلاء بتصريح. قالت "نحن في هذا الظرف الحرج آثرنا عدم الكشف عن إجراءات أو إصدار بيان ريثما تتوضح الأمور في غضون انتهاء مهلة الـ90 يوما، ويأتي هذا ضمن حرصنا على مصلحة الطلاب أولا".

من ناحيته، أوضح مصدر في الجامعة اللبنانية الأميركية لـ"المجلة" أن حالا من الصدمة تسود الجامعة. وتلقى الطاقم الإداري والتعليمي بريدا إلكترونيا يطلب التروي وعدم إعلان أي موقف قبل انقضاء مهلة تجميد المنح. وفي الوقت نفسه سارعت الإدارة للتحرك وطمأنة الطلاب بأنها تكفل تغطية الرسوم الدراسية المستحقة خلال الـ90 يوما، ولا يزال الطلاب المستفيدون على مقاعد الدراسة، والإدارة اليوم في طور تدقيق وتقييم برامج الوكالة الأميركية لتقرر أي برامج ستستمر بها وأي برامج ستوقفها، تبعا لدراسة إمكانات الجامعة التي ستتوضح خلال الأيام المقبلة، لكن الأنشطة اللاصفية المرتبطة بمنح الوكالة توقفت حاليا".

يجب ألا نغفل أن الأزمة نشأت نتيجة قرار سياسي، إذ تلعب الولايات المتحدة وشروطها دورا مركزيا في سياسة لبنان الحالية

ويتابع المصدر "أن المشكلة ظهرت في برنامج قادة الغد (TL) التابع لمبادرة MEPI، فهو يتضمن منحة TLS التي تغطي الطلاب لسنة واحدة، ومنحة TLU التي تتكفل تغطية عدد أكبر من الطلاب من لبنانيين وعرب طوال سنواتهم الجامعية. والأزمة تحيط بالمجموعة الأخيرة، فمن يستفيد من تغطية سنة واحدة يكون خطط لتأمين تعليمه في المرحلة المقبلة، لكن المستفيدين من التغطية الكاملة لتعليمهم عالقون في منتصف الطريق".

AFP
الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID)

ويضع المشهد الحالي شعار الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، "من الشعب الأميركي"، مجددا على المحك، حيث يبدو الرئيس الأميركي الآمر الناهي الوحيد في تقرير منح المساعدات أو حجبها. وتوازي هذه الأزمة المالية، أزمة معنى مناقض لبزوغ "قادة الغد"، والحرص على "التعليم" و"تطوير الذات" و"حقوق الإنسان"، وهي قيم ملازمة للخطاب الأميركي وبرامجه العابرة للحدود، حيث يعجز مستفيدوها النخبويون من الشباب الجامعي عن الإمساك بزمام حاضرهم، أو تأمين ركائز تعليمية ومهنية في مستقبلهم القريب.

في خلاصة الحلول، يستنتج أكاديمي لبناني أن "الموقف الحذر من جامعات لبنان كان متوقعا، ويتسم بالعقلانية والتوازن".

ويؤكد أنه يجب ألا نغفل أن الأزمة نشأت نتيجة قرار سياسي، إذ تلعب الولايات المتحدة وشروطها دورا مركزيا في سياسة لبنان الحالية. في الوقت نفسه، يسعى اللوبي اللبناني في أميركا إلى الضغط للعودة عن قرار تجميد المنح. لكن الموقف اللبناني الرسمي يتناقض مع الإجراءات السريعة والمساندة التي قدمتها الحكومة المصرية للطلاب. فبينما يمنح نموذج الحوكمة في مصر قدرا من السلطة الحكومية على المؤسسات الخاصة، فإن مصر في وضعية حرجة جراء طلب الإدارة الأميركية نقل الغزيين إلى أراضيها. وعلى عكس ذلك، يتجه الوضع في لبنان نحو الحفاظ على علاقات إيجابية مع الإدارة الأميركية، خصوصا ضمن المؤسسات التعليمية التي ترتبط تأسيسا وإداريا وثقافيا بالولايات المتحدة.

font change