ما أن تبدأ بقراءة الصفحات الأولى من رواية "المسيح الأندلسي" للروائي والباحث تيسير خلف حتى تشعر بأنك أمام خلطة سحرية تنجح في شد لحمة التاريخ إلى السرد، عبر إسباغ صفة الدرامية التشويقية للحكاية التي تحمل التاريخ، فالمتلقي يتابع الحكاية، ويبحث مع عيسى عن قاتل أمه، بينما يحتل التاريخ بمفاصله الكبرى ووثائقه وكتبه خلفية المشهد السردي.
إنها حكاية عرب الأندلس الذين يسميهم الإسبان "موريسكيين"، فيضعونهم بين قطبي التنصير والتهجير، بعد أفول النجم العربي عن سماء الأندلس في نهاية القرن السادس عشر، حيث تتأسس هذه الحكاية على سارد بطل، هو عيسى بن محمد الذي غيرت حياته كلمات أوصت بها أمه، وحملها إليه خاله بعد وفاتها: "أنت عربي مسلم، واسمك عيسى بن محمد" (ص13).
هي سبع كلمات تلقفها الشاب خيسوس غونثالث من خاله بابلو باييخو، تفتح أمامه تاريخا واسعا من العذاب الذي لاقاه العرب المسلمون على يد الإسبان، بمن فيهم مريم، أم السارد عيسى/ خيسوس التي ماتت تحت التعذيب، بتدبير من دون خيرونيمو (صديق والده)، ليكون بحث عيسى عن قاتل أمه خط سير الحكاية الأساسي، منتقلا من طليطلة إلى مذريل إلى البندقية إلى إسطنبول وبريش عائدا إلى إسطنبول ليحط رحاله، بعد انتهاء البحث، في القاهرة.
وعلى الرغم من أن هذه الرواية توغل في التاريخ، فإنها لا تسقط في فخ الذهنية، بل تنجح في تطويع تلك الذهنية المفترضة لأدبية السرد، تاركة للقارئ، دون توجيه مباشر، أن يلتفت حوله إلى مراسيم تهجير تصدر في الزمن الحاضر وتشبه مرسوما وقعه فيليب بن فيليب بن كارلوس عام 1609 على مرسوم "يقضي بطرد الموريسكيين" (ص55).
أسفار
ينطلق السرد في رواية "المسيح الأندلسي" من تأطير شكلي يحكي للقارئ من خلال السارد المتكلم "أسفار عيسى بن محمد الأندلسي"، وهي ستة أسفار: سفر كلطة وبرجها، سفر الأندلس، سفر الدير، سفر فيروزة، سفر الكتب والأسفار، وسفر الختام. وينقسم كل سفر بدوره إلى مجموعة من الفصول، ذات عناوين تدل بشكل عام الى محتواها. وهذا ما يضع للمتلقي إطارا عاما، يحفزه من خلاله على تقصي حكاية لا تبوح بأسرارها إلا حين تشارف نهايتها.